جدلية الحضور والغياب بين الحياة والموت إلى روح المرحوم الحاج علي ديب حيدر أحمد وزوجته وطفة حيدر أحمد(1)

20/1/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الأستاذ يوسف حيدر أحمد

إنَّ الموت حقٌّ لا لَبْسَ فيه، ولا مُهادنة، لأنّه ضريبة الحياة المفروضة على جميع الكائنات، ويجب أن لا نخاف منه، إلاّ إذا خفنا إستبدال ثوبٍ (وَسِخ) بثوب (نَظِيف)، حسب قول فيلسوف وحكيم الهند المهاتما غاندي (2).

لكن عندما يطرقُ ملك الموت باب دار أحدٍ من آبائنا أو أمهاتنا، ننسى إستعمال منطق الصبر والتعقل، فننفعل بما يُقارب الإحتجاج الصامت، ونُصاب بالهلع. ونشعر بأنّ شيئاً غالياً قد خُطِفَ مِنَّا عُنوةً، أو خسارةً فادحة لا تُعوَّضُ قد حَلّتْ بنا، وأنّ في حدوثها ضياعٌ لكنز من الرضى الإلهي والمحبة والحنان، لا نشعر بوجوده (هذا الكنز) إلاّ في حضرة الآباء والأمهات. لكن ما يُعزِّي في هذه المواقف الكئيبة. هو أن سجايا الأهل وشمائلهم الحُلوة، تبقى حاضِرَة في الذاكرة والقلب والوجدان بشكل دائم. وإن غابوا عنا بأجسادهم الترابيّة. تسللت هذه الخواطر الوجدانيّة إلى نفسي. بُعَيْدَ وفاة قريبتي الحاجة وطفة حيدر أحمد (أم أسعد) التي التحقت بزوجها المرحوم الحاج علي ديب حيدر أحمد والذي سبقها إلى عالم الآخرة لبضع سنوات خلت. تذكّرت هذين الزوجين الغاليين بِحكم الجيرة والقرابة والإنسانيّة والمزايا الجميلة التي تجلْبَبَا بها، فاستحْضَرتُ من ذاكرتي مفرداتٍ حلوة، حملاها في روحيهما وحياتهما مضمخّة بعطر الطيبة، وبساطة الحياة، والإستقامة، والأمانة، والأخلاق، والإيمان الفطري الذي يُلامس الروح بصدق دون رياءٍ أو إدعاء.

تذكرتُ حياتهما الهنيّة، وإن اكتنفها ضباب الفقر، وكان الصبرُ والقدرة على التحمُّل والتكيُّف مع تقلبات الحياة، جعلاهما يتقبَّلان الواقع المرير برضى الصابر، والمتأمل خيراً بالله وبالمستقبل وبالأبناء والبنات الّذين تعلّموا منهما كيف تكون التربيّة والأخلاق والمحبَّة وإحترام الآخر.

كانت الحاجة وطفة تتصرَّف في الحياة بطيبة وببساطة تلامسُ الطهر وبراءة الأطفال، فلا ترفع صوتها بالزعيق وترتسم الإبتسامة الوديعة دائماً على مُحيَّاها. وتخاطب الآخرين بكل محبة وتواضع. وكانت تدير شؤون منزلها بجلدٍ ودراية وإقتصاد.

أمّا زوجها الوفي، فكان إلى جانب تواضعه ومحبته لجيرانه واقربائه والآخرين. كان يحمل إيماناً عميقاً في قلبه وعقله، وكانت الصلاة اليومية رفيقهُ الدائم، لا سيما مع إطلالة الفجر، مُعطِّراً الصباح بعد الإنتهاء منها بقراءة القرآن، وفي أوقات فراغه بصوته الشجي. إمْتَهَنَ في شبابه تجارة بيع الثياب والأقمشة مُتنقلاً بين القُرى، ثُمّ عمل أجيراً في وزارة الزراعة حتى أخريات أيامه.

إستحضرتُ في ذاكرتي أيضاً. وأنا أشعر بالأسف والأسى ذلك اليوم الذي فارق فيه الحياة، وذلك عندما إنتهى من صلاة الفجر واستلقى على الكنبة ليستجيب لنداء الرحيل الأخير بصمت عابق بالإيمان والسلام.

رحل العزيزان عن هذه الفانية. لكن ظلال صفاتهما وأعمالهما الحلوة ما زالت ترفرف حاضرة في ذاكرتنا ووجداننا..

لهما منّا الدعاء بسعادة اليوم الموعود ومن الله الرحمة والغفران.

 

الهوامش:

(1) جاء في ورقة النعي يصادف يوم الأحد الواقع في 16/10/2016م. الموافق 14 محرم 1438هـ. ذكرى مرور أسبوع على وفاة فقيدتنا الغالية الحاجة وطفة حمود حيدر أحمد. أرملة المرحوم الحاج علي ديب حيدر أحمد. أبناؤها: أسعد، سعدالله. بناتها: حسنة، سعاد. الآسفون آل حيدر أحمد.

(2) محمد عبد الحليم عبدالله، « قصة لم تتم » مصر للطباعة، الناشر مكتبة مصر 1976 صفحة 117.