قصة قصيرة - في ليالي الشتاء الدافئة

18/5/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الأستاذ هيثم عفيف الغداف

في ليالي الشتاء الدافئة، جلس طفلٌ في الجانب الخلفي من الدار جاعلاً من الحائط مُتكأً ومن كيس الحُنطة مسنداً له. وعبثاً حاول أن يُقلّم قلم الرصاص بحصى فرغ من اللعب بها نهاراً وأبقاها لغايته هذه حتى نجح وبدأ يخطُ الرسوم على قُطعة خشبيّة قُدّرَ لها النجاة من النّار.

هناك في الجانب الأماميّ من هذه الدار تلتهم النّار ما تيسر من حطبٍ جَمعه والده من مُخلّفات الشجر والروث اليابس وما استطاع إليه سبيلاً، بعد نهار قضاهُ في الزرع والعناء وتشذيب الأشجار.

وها هي أنامله تخطُّ بالقلم من وحي النور المتولد من شُعاع النّار.. وبعدها ينقطع مذعوراً من لهب كوى يده بالنّار، فهو قد اعتاد شظايا هذه المفرقعات تتطاير من الموقد بين الحين والآخر، هل هذا دَاعٍ للهرب من الحرّ إلى النعيم، أو لماذا تكون من نصيبي؟.

ينظر هذا الطفل ويسرح في شعاع النور ويبحر في ألوانه فهي تتلوّن من الأصفر إلى الأحمر ويعود بنظره إلى حيث توقف قلمه ويكمل المسار في اعوجاج علّه يرى في خياله منزلاً كبيراً مرتفعاً شاهقاً شاخصاً صلباً متيناً عريقاً وجميلاً يزهو بناظريه ويحبو إليه القاصي والداني.

في الداخل مُتسع من الغرف والمجالس، تكثر فيها المؤونة وفي الخارج الخيل تصهل والركب يستعدُّ والخير الكثير الوفير كانت حصيلة القطاف في فصل الخريف.

لحظات مرّت وها هي المياه تتسرب من الأعلى إلى غُرف المنزل مُنذرة بالعمل الشاق. ترك الطفل أحلامه، وقلمه وقطعته الخشبيّة وسارع يخبر أباه: السقف يا أبي يذرف منه الماء!!. همّ الولد أن يلحق أباه للخارج نحو السطح الترابي فاستوقفه مخافة البرد وصعد وحده في الليل الحالك والبرد القارس يحدل التراب بحجر صخري أُعدّ لمثل هذه الليالي علّه يلين وتلين الحياة على هذا الفلاح بعد نهار طويل. لقد كان في رسومات الطفل الولد أمل بالراحة يجول في خاطر والده، يمضي من الوقت اليسير ويعود الوالد وفي يده حفنة من التراب المبلل يقصد بها ولده مخاطباً: (يا ولدي إياك والأيام تنسيك ليالي الشتاء هذه، والدنيا وما فيها ليس لك منها إلاّ هذه! ) مشيراً إلى حفنة التراب في يده!.