المدارس القرآنيّة في بلاد جبيل وفتوح كسروان في القرن العشرين -لاسا نموذجاً-

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الحلقة الأولى:

أ ـ تمهيد:

قال الله تعالى:}الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد{

إبراهيم،.

كما جاء في الحديث الشريف عن رسول الله(ص):} إذا ألتبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مُشّفع، وما حلّ مُصدَّق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار... {].

وكما جاء في وصية رسول الله(ص)، لأبي ذّر:[} عَليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنّه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض {].

ودراستنا هذه عن المدارس القرآنيّة في بلاد جبيل وفتوح كسروان في القرن العشرين تعتمد على الذاكرة الشعبيّة، وعلى بعض الوثائق التأريخيّة، ومنها بعض المراسيم الجمهوريّة التي صدرت بالإجازة لتلك المدارس بالتدريس آنذاك. كما أنّ المدرسة آنذاك كانت مؤلفة من غرفة كبيرة أو مسجد القريّة الذي هو عبارة عن غرفة صغيرة كمسجد مزرعة السيّاد أو غرفة كبيرة كمسجد المعيصرة القديم. يجلس الشيخ على جلد كبش، وأمامه طاولة صغيرة، والتلامذة على حصير، ومعهم بعض الأجزاء القرآنيّة، وبعض الأوراق وأقلام الرصاص في الشتاء، ويجلسون جميعاً تحت السنديانة في الصيف.

وكانت أفضل تلك المدارس مدرسة جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة الإبتدائيّة في جبيل، بولاية فضيلة الشيخ حسين الحسامي إمام المدينة، وفضيلة الشيخ حسين اللقيس مدير وأستاذ تلك المدرسة والتي سوف نفرد لها حلقة خاصة إن شاء الله تعالى.

ب ـ بلدة لاسا وجوارها:

وكبرى القرى الإسلاميّة في جرود منطقة المنيطرة الكسروانيّة هي بلدة لاسا حيث أصبحت هذه المنطقة في المنتصف الثاني  للقرن العشرين مفصولة عن قضاء كسروان تابعة لقضاء جبيل وهي القرى التالية: لاسا، عين الغويبه، أفقا، المزاريب، قرقريا، مجدل العاقورة، اللقلوق، عين الشلال، المغيري، يانوح، مزرعة السيّاد، بلحص، فرات.

وفي الإجازة التي منحها قاضي جبل لبنان الجعفريّ فضيلة السيّد محمد إبراهيم الحسينيّ في 21 كانون أوّل 1924م، الموافق 25 جمادى الأولى 1343هـ، إلى خطيب لاسا الشيخ حسين علي إسماعيل عواضه آل المقداد ـ يُحدد له منطقة عمله كمأذون شرعي وهي: لاسا وأفقا وعين الغويبه وقرقريا. والوثيقة الشرعيّة التي بين أيدينا للشيخ المقداد كمأذون شرعي له الحقُّ في إجراء عقود النكاح بين المسلمين حيث كان قبلها مُدّرساً للقرآن الكريم.

وفي جلسة مع نجله مختار لاسا الأستاذ محمود المقداد، وسؤاله عن تعليم القرآن الكريم في بلدته، وذاكرته الشعبيّة حول ذلك؟ أجاب: أنّ البداية كانت من خلال جدّه المرحوم الشيخ علي بن إسماعيل بن عواضه آل المقداد شيخ صلح بلدة لاسا المتوفى سنة 1918م، تقريباً، حيث كان قارئاً للقرآن الكريم، وكاتباً ومُستنسخاً لنسخه، ولا تزال بحوزته نسخة بخط يده موروثة له عن أبيه(رحمهما الله تعالى)، وقد قدّم صورة منها لهذه المجلة، كما قدّم لنا صورة أخرى عن العفو العام الصادر لجدّه عن دفع الضرائب الأميريّة وغيرها بصفته شيخ صلح لاسا. وإعتبار متصرفيّة جبل لبنان لجدّنا المرحوم عليّ شيخاً لإنتمائه للعشائر الحماديّة. وتاريخ صدور هذا العفو في 11 شوّال 1332هـ، الموافق لعام1913م.

وأمّا المرحوم والده الشيخ حسين بن عليّ بن إسماعيل بن عواضه آل المقداد، فهو ولادة عام 1900 في بلدة لاسا، درس في مدرسة حوض الولاية في بيروت التي كانت تعرف آنذاك بالمكتب العثمانيّ.

إنتقل إلى لاسا في بداية الحرب العالميّة الأولى عام 1914م، حيث زاول الزراعة، وتجارة المواد الغذائيّة. كما كان يقوم بتدريس القرآن الكريم لأبناء بلدته في منزله قرب الجامع القديم.

وقد درس عليه جمع كبير من أبناء البلدة منهم: المرحوم الحاج حمد العيتاوي، والمرحوم الحاج مصطفى العيتاوي، والمرحوم الحاج علي المقداد، والحاج حسين خليل المقداد وغيرهم.

وقد تابع التدريس من بعده في الثلاثينيات المرحوم الحاج عليّ برّو في عين الغويبه، والمرحوم الحاج محمد حسين مرعي العيتاوي في لاسا، إلى أن أتت المدرسة الرسميّة إلى لاسا في الثلاثينيات وأوّل مدير وأستاذ لها كان المرحوم الأستاذ الحاج حسين محمد حمد أبي حيدر من بلدة الحصون، درَّس بها التلامذة مدّة عام ثُمّ إنتقل للتدريس في قريته الحصون الجبيليّة، ومن ثُمّ كان مدير تلك المدرسة وأستاذها المرحوم الأستاذ سالم عكوم من بلدة شحيم لمدة أربع سنوات ومن ثُمَّ المرحوم الدكتور الحاج سلمان علي العيتاوي لمّدة عام، ومن ثُمّ المرحوم الأستاذ الحاج علي حيدر المقداد إلى أن بلغ رحمه الله سن التقاعد في السبعينيات. وجميع أولئك الأساتذة الكرام في مدرسة لاسا الرسميّة كانوا يدّرسون القرآن الكريم لأبناء القريّة.

ومن ذكريات مختار لاسا عن المرحوم والده أيام الإنتداب الإفرنسيّ إنّه إنتدب لتمثيل الطائفة الشيعيّة في جبل لبنان عن المنطقة الجرديّة في المنيطرة مع الشيخ جبرايل جرمانوس من العاقورة، وديب القسيس عن قرطبا عن الطائفة المارونيّة.

وفي أيام الإستقلال صدر مرسوم جمهوري عام 1956م، بتعيينه عضواً في لجنة مشاع الفتوح. وبقي عضواً بها لحين وفاته في: 6/5/1982م.