أَمَلُ المُسْتَضْعَفِينَ

12/4/2020
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

فضيلة الأديب الشيخ الدكتور عبَّاس فتوني

 

 

نُظِمَتْ هَذِهِ القَصِيدَةُ فِي ذِكْرَى وِلادَةِ مُنْتَظَرِ أَهْلِ الإِيمانِ، صاحِبِ العَصْرِ وَالزَّمانِ، القائِمِ المَهْدِيِّ الحُجَّةِ (عج)، في ذِكْرَى وِلادَتِهِ المَيْمُونَةِ:

ماسَ النَّسِيمُ بِرَوْضِ البِشْرِ مُنْفَرِجا

                        وَالزَّهْرُ دَغْدَغَ حَبَّاتِ النَّدَى غُنُجا

وَالطَّيْرُ غَنَّى عَلَى الأَفْنانِ مُنْتَشِيًا

                        بِمَوْلِدٍ أَثْلَجَ الأَرْواحَ وَالمُهَجا

وَالنُّورُ شَعْشَعَ في الآفاقِ مُحْتَفِلًا

                        وراحَ دِينُ الهُدَى يَخْتالُ مُبْتَهِجا

لا غَرْوَ إِنْ تَرْقُصِ الأَنْوارُ زاهِيَةً

                        فَالعَدْلُ هَلَّ بِسَامُرَّاءَ مُنْبَلِجا

بَدْرُ السَّماءِ وَبَدْرُ الحُجَّةِ اجْتَمَعا

                        في نِصْفِ شَعْبانَ حَتَّى أَلْهَبَا الوَهَجا

وَدَوْحَةُ المُصْطَفَى مُذْ هَلَّ قائِمُها

                        تَضَوَّعَ الكَوْنُ مِنْ أَطْيابِها أَرَجا

أَللهُ أَكْبَرُ، فَالمَهْـدِيُّ مُعْجِزَةٌ

                        مِثْلُ المَسِيحِ بِذِكْرِ اللهِ قَدْ لَهِجا([1])

قَلْبُ الرِّسالَةِ لاقَى الآيَ في طَرَبٍ

                        وَذُو العَداوَةِ رُعْبًا قَلْبُهُ اخْتَلَجا

وَغِبْتَ يا حُجَّةَ الرَّحْمَنِ في عَجَلٍ

                        لَيْلُ الشَّقاءِ عَلَى المُسْتَضْعَفِينَ دَجا

وَباتَ مَوْجُ البِلَى في النَّاسِ مُلْتَطِمًا

                        حَتَّى شَرابُهُمُ بِالأَدْمُعِ امْتَزَجا

وَاسْتَفْحلَ الجَوْرُ في أَهْلِ النُّهَى، فَغَدا

                        صَدْرُ الفَضاءِ عَلَيْهِمْ ضَيِّقًا حَرِجا

يا صاحِبَ العَصْرِ ذاكَ القُدْسُ مُغْتَصَبٌ

                        وَالشِّرْكُ في مَهْبِطِ التَّوْحِيدِ قَدْ وَلَجا

وَالجائِرُونَ عَلَى ظُلْمِ العِبادِ مَضَوْا

                        وَالحِقْدُ مُسْتَعِرٌ، حَدِّثْ وَلا حَرَجا

نارُ المَجازِرِ ما انْفَكَّتْ تُواكِبُنا

                        صَلْدُ الحِجارَةِ مِنْ أَهْوالِها نَشَجا

حَتَّامَ، يا قِبْلَةَ الأَنْظارِ، نَأْيُكُمُ؟

                        طالَ النَّوَى سَيِّدِي قُمْ عَجِّلِ الفَرَجا

يا صاحِبَ الأَمْرِ، عَجِّلْ بِالظُّهُورِ لَنا

                        يا صاحِبَ السَّيْفِ أَقْدِمْ، قَوِّمِ العِوَجا

لَدَيْكَ في عامِلٍ صِيدٌ ضَراغِمَةٌ

                        رِداءُ مَنْعَتِهِمْ مِنْ مَجْدِكُمْ نُسِجا

إِنْ عَنْكُمُ خَرَجَ الشُّذَّاذُ قاطِبَةً

                        فَإِنَّ رَهْطًا مِنَ الأَنْصارِ ما خَرَجا

رَهْطٌ مَضَى في سَبِيلِ اللهِ يَدْفَعُهُ

                        حُبُّ الشَّهادَةِ حَتَّى يُشْعِلَ السُّـرُجا

سُوحُ الجَنُوبِ بِأَهْلِ الطُّهْرِ مُفْعَمَةٌ

                        كُلٌّ تَراهُ عَلَى خَطِّ الهُدَى نَهَجا

أَكْرِمْ بِعامِلَةَ الشَّمَّاءِ أَنْ نَهَضَتْ

                        وشَيَّدَتْ أُسْدُها صَرْحَ الإِبا بُرُجا

أَخْذَ النَّبِيِّ وَأَهْلِ البَيْتِ آخِذَةٌ

                        وَثَغْرُها في أَناشِيدِ الوَلا هَزَجا

يا عِتْرةَ المُصْطَفَى، أَنْتُمْ مَنارُ هُدًى

                        مَنِ اسْتَجارَ بِكُمْ عِنْدَ الخُطُوبِ نَجا

إِنِّي بِمِدْحَتِكُمْ، أَرْجُو شَفاعَتَكُمْ

                        فَلَيْسَ لي غَيْرُكمْ يَوْمَ الوَعِيدِ رَجا

لَوْلاكُمُ ما تَراءَى لِلْوَرَى قَمَرٌ

                        كَلَّا، وَلَمْ يَزْدَهِرْ في العالَمِينَ حِجَى

رَكِبْتُ فُلْكًا أَبُو السِّبْطَيْنِ رائِدُها

                        حَسْبِي الفَلاحُ بِفُلْكٍ تَمْخُرُ اللُّجَجا

أَزْكَى الصَّلاةِ عَلَيْكُمْ، مِلْؤُها وَلَهٌ

                        يا مَنْ غَدَوْتُمْ لأَصْحابِ الحِجَى حُجَجا



[1] تَكَلَّمَ الإِمامُ المَهْدِيُّ (عج) عِنْدَ وِلادَتِهِ.

جاءَ عَنِ الإِمامِ الرِّضا (عليه السّلام)، في وِلادَةِ الإِمامِ المَهْدِيِّ (عليه السّلام)، قَوْلُهُ:

\"سَقَطَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ جاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، رافِعًا سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّماءِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقالَ: \"الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ..\". (يوم الخلاص، ص86)

ولمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، قالَ لَهُ والِدُهُ الإِمامُ الحَسَنُ العَسْكَرِيُّ (عليه السّلام): تَكَلَّمْ يا بُنَيَّ، فتَشَهَّدَ وصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ والأَئِمَّةِ، حَتَّى وقَفَ عَلَى أَبِيهِ، أَيْ حَتَّى ذَكَرَ اسْمَ أَبِيهِ، وحِينَ وَصَلَ إِلَى اسْمِهِ، تَلا الآيَةَ الكَرِيمَةَ:

(ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأَرْضِ، ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً، ونَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ. ونُمَكِّنَ لَهُمْ في الأَرْضِ، ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ، وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ). (القَصَص/5 و6)

وهَكَذا، فإِنَّ اللهَ تَعالَى قَدْ آتَى المَوْلُودَ المُبارَكَ، الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطابِ، وجَعَلَهُ آيَةً لِلْعالَمِينَ، كَما قالَ اللهُ تَعالَى مِنْ قَبْلُ في حَقِّ النَّبِيِّ يَحْيَى(عليه السّلام): (... وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيًّا). (مريم/12)

ولا غَرْوَ أَنْ نَسْمَعَ أَنَّ الإِمامَ المَهْدِيَّ (عليه السّلام)، تَكَلَّمَ في مَهْدِهِ، بِإِذْنِ رَبِّه، بَعْدَ أَنْ قَرَأْنا في القُرْآنِ الكَرِيم، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ عِيسَى (عليه السّلام)، مِنْ قَبْلِهِ، تَكَلَّمَ في مَهْدِه، مُعْلِنًا بَراءَةَ أُمِّهِ:

(قالَ: إِنِّي عَبْدُ اللهِ، آتانِيَ الكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا. وجَعَلَنِي مُبارَكًا أَيْنَما كُنْتُ، وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا. وبَرًّا بِوالِدَتِي، ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. والسَّلامُ عَلَيَّ، يَوْمَ وُلِدْتُ، ويَوْمَ أَمُوتُ، ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا). (مريم/30 ـ 33) (يوم الخلاص، ص93).