فُلْكُ النَّجاة
فضيلة الأديب الشيخ الدكتور عبَّاس فتوني
نُظِمَتْ هَذِهِ القصيدةُ في ذِكْرَى الْوِلادَةِ اليَتِيمةِ الفَرِيدَةِ، وِلادةِ أَسَدِ اللهِ الْغالِبِ، الإِمامِ عليٍّ بْنِ أَبي طالِبٍ (عليه السّلام):
زَوْرَقُ الشَّوْقِ قادَنِي فِي وَقارِ لإِمامٍ مُكلَّلٍ بِالْغارِ
طَفِقَتْ مُقْلَتِي تُحَدِّقُ حَتَّى غَرِقَتْ فِي مَواكِبِ الْحُضَّارِ
بَرَقَتْ فِي عُرْسِ الْوَصِيِّ نُجُومٌ فَبَدا اللَّيْلُ مِثْلَ وَجْهِ النَّهارِ
ما أُحَيْلَى الْقُلُوبَ تَهْوَى عَلِـيًّا وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِي الْمُخْتارِ
أَسْفَرَ الصُّبْحُ بِالسَّنا النَّوَّارِ يُرْسِلُ الْبِشْرَ كَالْحَيَا () الْمِدْرَارِ
وَحِلِيُّ السَّماءِ أَرْخَتْ خُيُوطًا مَزَّقَتْ ما ادْلَهَمَّ مِنْ أَسْتَارِ
وَاسْتَفَاقَ النَّسِيمُ يَنْثُرُ طِيبًا دَغْدَغَتْهُ رَوائِحُ الأَزْهارِ
هَلِّلِي يا بِطاحُ زَهْوًا، فَكَمْ حَنْـ ـجَرَةٍ غَرَّدَتْ مَعَ الأَطْيارِ!
وَاغْمُرِي الْبَيْتَ بِالصَّلاةِ، فَفِيهِ أَشْرَقَتْ شَمْسُ حَيْدَرِ الْكَرَّارِ
مَوْلِدُ الطُّهْرِ أَدْهَشَ الْخَلْقَ طُرًّا أَنْ عَراهُ سِرٌّ مِنَ الأَسْرارِ
ذاكَ شِقٌّ، عَبْرَ السِّنينَ، مُبِينٌ رَسْمُهُ سَرْمَدٌ عَلَى الْمُسْتَجارِ
مَنْ كَأُمِّ الأَمِيرِ قَدْ وَلَجَتْ بَيْـ ـتَ الإِلَهِ إِذْ شُقَّ صَدْرُ الْجِدارِ
عَزَفَتْ عَنْ أَيْدِي الْقَوابِلِ عَزْفًا وَاغْتَذَتْ مِنْ لَذَائِذِ الأَثْمارِ
بَرَزَتْ فاطِمٌ يَزِينُ يَدَيْها قَمَرٌ فاقَ شُعْلَةَ الأَقْمارِ
سِحْرُهُ زادَ غُرَّةَ الأُفْقِ وَهْجًا وَارْتَقَى نُورُهُ عَلَى الأَنْوارِ
رَجَبٌ فِي يَوْمِ الإِمامِ تَباهَى وَهَمَى بِالْحُبُورِ كَالأَمْطار
راحَ يَخْتالُ بِالْجَمالِ فَخُورًا في شُهُورٍ تَهافَتَتْ لافْتِخارِ
حَسْبُهُ الْفَخْرُ أَنْ يَضُمَّ إِمامًا حَضَنَتْهُ مَلائِكُ الْجَبَّارِ
عادَ عِيدُ الإِمامِ عَوْدًا حَمِيدًا يَزْدَهِي بِالْجَلالِ وَالإِكْبارِ
لا يَمَلُّ التَّكْرارَ ثَغْرٌ تَغَنَّى بـِأَمِيـرِ الأَشْرافِ وَالأَخْيارِ
بَلْ يُغَذِّي قَلْبَ الْقَصِيدَةِ نَبْضًا وَيَرَى الافْتِخارَ بِالتَّكْرارِ
لا أُغالِي بِحُبِّهِ، إِنَّهُ غا يَةُ أُمْنِيَّتِي، وَكَنْزُ اذِّخارِي
فِي هَوَى الْمُرْتَضَى أَجُودُ نَشِيدًا يَنْتَشِي مِنْ صَداهُ سَمْعُ الْهَزارِ
حَسُنَ الشِّعْرُ في الإِمامِ عَلِيٍّ مَوْرِدِ الْحُسْنِ، وَالْبَهاءِ النُّضارِ()
كَيْفَ لا يَحْسُنُ الْقَرِيضُ بِفَذٍّ ذِكْرُهُ الْعَذْبُ ضالَّةُ () الْقِيثارِ؟!
وَشَغافُ الفُؤادِ فِيهِ شَغُوفٌ يَسْتَقِي مِنْهُ أَعْذَبَ الأَفْكارِ
غَمَرَ الْكَوْنَ نُورُ حِكْمَتِهِ، وَانْـ ـسابَ مِنْ وَجْهِهِ وَهِيجُ الْمَنارِ
لَيْسَ يَقْوَى الْحَسُودُ سَتْرًا مِنَ الْحُسْـ ـنِ وَما جاءَ عَنْهُ مِنْ أَخْبارِ
فَهْوَ كَالشَّمْسِ تَسْتَهِلُّ شُعاعًا لَيْسَ تَخْفَى عَلَى ذَوِي الأَبْصارِ
هُوَ فِي لَيْلَةِ الْمَبِيتِ فِداءُ الـ ـدِّينِ يَشْرِي بِنَفْسِهِ خَيْرَ دارِ
فَجَنَتْ كَفُّهُ مِنَ اللهِ رِبْحًا غَبَطَتْهُ خَزائِنُ التُّجَّارِ
هُوَ قُطْبُ الرَّحَى بِساحِ الْوَغَى شَـ ـقَّ عَصا الْكُفْرِ سَيْفُهُ ذُو الْفِقارِ
يَوْمَ بَدْرٍ بَدَتْ لَهُ لَمَعاتٌ أَرْوَتِ الأَرْضَ مِنْ دَمِ الْكُفَّارِ
يَوْمَ أُحْدٍ مَتَى دَنا أَحَدٌ مِنْـ ـهُ هَوَى خَشْيَةً مِنَ الْبَتَّارِ
خَنْدَقٌ شاهِدٌ عَلَى حَتْفِ عَمْرٍو حَيْثُ لاذَتْ خُيُولُهُ بِالْفِرارِ
وَكَذا يَوْمُ خَيْبَرٍ فِيهِ أَصْدا ءٌ لَهُ أَخْبَرَتْ عَنِ الأَخْطارِ
عَجَبًا كانَ قَتْلُ مَرْحَبَ ضِمْنَ الْـ ـحِصْنِ أَمْ قَلْعُ بابِهِ بِاقْتِدارِ!
دامَ ذُلُّ الْيَهُودِ حَيْثُ عَلِيٌّ عَزْمُهُ فِي عِرْقِ الوِلايَةِ جارِ
طارَ عَقْلُ اليَهُودِ لَمَّا رَأَوْا طا ئِرَةً حَلَّقَتْ بِلا طَيَّارِ
يا إِمامَ الأَنامِ سِرْتُ عَلَى مَنْـ ـهَجِكَ السَّمْحِ، وَهْوَ خَيْرُ مَسارِ
لَكَ مَحْضُ الْوَلاءِ، يَزْخَرُ بِالإِطْـ ـراءِ، تَرْوِيهِ أَصْدَقُ الأَشْعارِ
أَنْتَ فُلْكُ النَّجاةِ، مَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْ لَى لَهُ، زُجَّ فِي هَوِيَّةِ () نارِ
يا سَمِيَّ اللهِ الْعَلِيِّ، عَلَوْتَ الْـ ـجِنَّ والإِنْسَ فِي تُقًى وَذِمارِ()
جَبْهَةُ الْمَجْدِ فِيكَ، لَمْ تَسْجُدِ، الدَّهْـ ـرَ، لِغَيْرِ الْمُهَيْمِنِ الْقَهَّارِ
قَسَمًا بِالْمُقَدَّساتِ، وَما أَسْـ ـدَى مَلِيكُ السَّماءِ مِنْ أَسْفارِ
ما أَطَلَّ الصَّباحُ لَوْلاكَ جَذْلا نَ، وَلا هَلَّ كَوْكَبُ الأَسْحارِ
ما أَتانا الْكِتابُ لَوْلاكَ دُسْتُو رًا، وَلا رُتِّلَتْ سُطُورُ الْبارِي
هاكَ مِنْ مَحْفَلِ الْوَلاءِ سَلامًا ما تَراءَى السَّناءُ لِلأَنْظارِ
وَصَلاةً مِنَ الْقُلُوبِ، وَحُبًّا ما أَصابَ الضِّياءُ قَلْبَ النَّهارِ