المُخلّص الموعود والمهديّ المُنتظر للدكتور الأب سهيل قاشا

12/4/2020
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

تقديم العلاّمة السيد علي فضل الله

لا يزال هاجس الخلاص في هذه الحياة يشغل بال الإنسان المتألم بسبب فقدان العدل، والراغب في عيش أرغد وأسعد، لجهة ما يستثيره في نفسه من حماس في البحث عن مبادئ ذلك الخلاص وركائزه، وما يبعثه من آمال في تحققه في حياته الدنيا، مهما كانت عقيدته التي يلتزمها ويؤمن بها.

كذلك لا يزال هاجس الخلاص الأخروي يشغل بال الإنسان المؤمن الراغب في نبل رضى الله تعالى والسعادة الأدبيّة، لجهة حرصه على معرفة ما يريده منه تعالى والمبادرة إلى طاعته والتزام شريعته.

لقد أكدت الأديان السماويّة عدم انفصال الخلاص الأخروي عن الخلاص الدنيويّ، وشددت على ضرورة التزام الإنسان مبادئ الدين وقيمه وشرائعه، ليكون صالحاً في النّاس، قانتاً لله تعالى، فيعمر الحياة بالخير والفضيلة، ويجعل ذلك صراطه وزاده في وفوده على الله تعالى، لينال به رحمته ورضوانه.

ولقد كان من دواعي سروري أن أقرأ في هذا الموضوع الكتاب القَيِّم للدكتور العزيز الأب سهيل قاشا، الّذي عرض في قسم منه تحت عنوان المُخلص ومفهوم الخلاص، وإن في شكل مختصر، لمفهوم الخلاص، واهتمام الإنسان به منذ القدم، وبيّن بعض ما وصلنا من معتقداته في ذلك، وتوقف مطوّلاً عند العقيدة المسيحيّة التي ترى أنّ أوّل عناصر الخلاص الحقيقي الروحي هو التحرر من الخطيئة والمشاركة في الحياة الإلهيّة من خلال الإيمان بالمسيح.

وختم الأب قاشا بحثه بكلام حول تطور نظرة المسيحيّة إلى الآخر غير المسيحيّ، لتؤكد بصراحة من خلال المجمع الفاتيكاني الثاني، قيمة الأديان غير المسيحيّة، والإعتراف بقيمها الروحيّة والأخلاقيّة، والأخذ في الإعتبار أنّها بالنسبة إلى أُناس كثيرين تفسر معنى وجودهم، ومن ثُمّ ليحدث نقلة نوعيّة من المقولة الإعتقاديّة المسيحيّة التاريخيّة أن لا خلاص خارج الكنيسة، إلى الإعلان المسيحيّ من خلال هذا المجمع بأنّ الخلاص يشمل المسلمين وكل أولئك الّذين يعلنون أنّهم على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرحمن الرحيم، الذي يدين النّاس في اليوم الآخر، فهؤلاء يحظون برضا الله وقبوله الدخول في مملكته، هو ما يلتقي مع النظرة الإسلاميّة، التي تؤكد معذوريّة غير المُسلم من أتباع سائر الديانات، إن أعجزه قصوره عن إدراك الحق وسلوك طريق الخير والفضيلة.

كذلك، فإنّه قد تعرّض في قسم آخر من كتابه لعقيدة المُخلص الموعود والمهديّ المُنتظر، متلمساً إرهاصاتها في كتابات الأقدمين مروراً بالأديان السماويّة، اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، معالجاً ذلك بحماس الباحث ولهفته إلى تلمّس هذه العقيدة وتقديمها لقارئه بالنحو الذي ظنّه الأقرب لنظرة أصحابها إليها.

وإنني إذ أقدّر ما بذله من جهد كريم في هذا المجال، لكنني أعتقد أنّ الصورة التي قدّمها سوف تكون معرض حوار نقدي قد يساعد على الإحاطة الشاملة بكل جوانب هذه العقيدة التي أجمعت كل المذاهب الإسلاميّة على الإيمان بها، إن لجهة أنّ المهديّ المُخلص سيوجد، كما يرى جمهور السنة، أو أنّه قد ولد ووجد ولكنه غائب، كما ترى الإماميّة الإثنا عشريّة، وإن ظهوره لن يكون لصالح مذهب أو دين معين، بل لصالح عقيدة التوحيد وشريعة العدل والفضيلة بمختلف أديانها ومذاهبها وانتصار المنطق الحق وتضحيات الأنبياء والمؤمنين بهم عبر الزمن.

وعلى العموم، وبصرف النظر عن مثل هذه الملاحظات التي يستدعيها أي بحث بهذه السعة والعمق، فإنّي قد رأيت في هذا الكتاب مساهمة مهمة وجادة وواعيّة في الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ، بما اشتمل عليه من إتقان ودقة في عرض الأفكار، وصراحة في عرض المعتقد المسيحيّ، رغم ما يعتقده البعض بأنّه يحمل قدراً من القسوة تجاه الآخر... حتى المسيحيّ أحياناً، ما جعل بحثه هذا فرصةً ثمينةً للتعرف إلى الآخر، ونموذجاً لتقديم النفس كما هي أمامه، وباباً مخلصاً لتأسيس الحوار على بحوث جادة تنأى به عن السطحيّة والمجاملة ().



 كتاب \\\"المُخلص الموعود والمهديّ المُنتظر\\\" الأب الدكتور سهيل قاشا، دار الملاك ـ حارة حريك ـ الطبعة الأولى 2018م ـ 1439 هـ. ص 11 ـ 12 ـ 13 ـ 15.