مع الذكرى الخامسة عشرة لوفاة مفتي طرابلس الجعفريّ الشيخ عليّ محمود منصور (رحمه الله تعالى)

12/4/2020
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

                      بقلم القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمّد عَمرو

إنّ اختيار سماحة الإمام السيّد موسى الصدر للأديب الفاضل القانونيّ الشيخ عليّ منصور لمنصب الإفتاء الجعفريّ في طرابلس وشمال لبنان، جاء نتيجة الثقة والمعرفة التي كان يمتاز بها الراحل الكبير من قبل سماحة آية الله الشيخ حبيب آل إبراهيم (قده)، ومن قِبّلْ سماحة الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين (قده)، ومن قبل زعيم جبل عامل آنذاك رئيس مجلس النواب أحمد بك الأسعد وحزبه حزب \\\"النهضة اللبنانيّ\\\" الّذي أذن لفضيلته أن يفتح فرعاً لهذا الحزب في طرابلس بإسم \\\"جمعية النهضة اللبنانيّة\\\". ومن قبل مجلة \\\"العرفان\\\" في صيدا وصاحبها ورئيس تحريرها الشيخ أحمد عارف الزين (قده). حيث كان للراحل كتابات فيها آنذاك.

ومن قبل العائلات الإسلاميّة السنيّة في طرابلس وزعمائها وأعيانها لا سيما آل كرامي وغيرهم من عائلات كريمة. ومن قبل وجهاء الشيعة في شمال لبنان ومنهم الشيخ خليل حسين مؤسس ورئيس جمعية القرى الخمس الخيريّة في الكورة. ومن قِبّلْ قضاة المحكمة الشرعيّة الجعفريّة في طرابلس حيث أتى بعد هذا وذاك قرار الهيئة الشرعيّة في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى رقم 31 في الثاني من شهر تموز سنة 1973 بتعيين فضيلة الشيخ علي محمود منصور مفتياً جعفرياً في طرابلس، وفضيلة الشيخ علي عزيز إبراهيم مدّرساً للفتوى. كما كان الإحتفال بتعميم الشيخ منصور من قبل الإمام الصدر وإفتتاح دار الإفتاء الجعفريّ في طرابلس وشمال لبنان في خريف عام 1973 م. في شارع الثقافة، يوماً وطنياً وتاريخياً في تاريخ طرابلس، حيث حضر هذا الإحتفال وشارك فيه كل الفاعليات الإجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة من جميع العائلات الروحيّة في شمال لبنان.

مع نكسة دار الإفتاء الجعفريّ

وبعد بداية الأحداث اللبنانيّة سنة 1975 م. حصلت نكسة مؤلمة وحزينة لدار الإفتاء الجعفريّ ولفضيلة الشيخ علي محمود منصور بإحراق دار الإفتاء الجعفريّ واغتيال أقرب النّاس إلى قلبه من قبل بعض الغوغائيين والمصطادين في الماء العكر في طرابلس وجبل محسن.

وكان موقف الشيخ الراحل والإمام السيّد موسى الصدر أمام هذا المصاب هو الحزن لفقد الأحبّة والصبر والإقتداء بأهل البيت (عليهم السّلام)، في الصبر والشكوى إلى الله تعالى وحده لا شريك له والدعاء إلى الله تعالى بالهداية للجميع.

وقد كتبت في الجزء الثاني من كتاب \\\"التّذكرة أو مذكّرات قاضٍ\\\" عن ذلك:[\\\" وبعد تهجيره من دار الإفتاء الجعفريّ في شارع الثقافة في طرابلس في بداية الأحداث اللبنانيّة إتخذ منزل ولده الأديب اللبيب الأستاذ حسن في شارع الجميزات، مقراً له ومنطلقاً للقائه الدائم مع رجالات العلم، والفكر، والأدب والبعثات الثقافيّة والصحافيّة التي كانت تزور طرابلس وشمال لبنان في خدمة الوحدة الإسلاميّة، والوحدة الوطنيّة وفي الدفاع عن عقيدة العلوييّن الإسلاميّة. وأنّهم شيعة أهل البيت (عليهم السّلام)، في الأصول والفروع، غير أنَّ ابتعادهم عن النّجف الأشرف وجبل عامل أوجد بينهم بعض الطرق الصوفيّة.

وكان لي الشرف الكبير في حضور أكثر من خمسين دعوة إلى منزل ولده المبارك الأستاذ حسن خلال المدّة الطويلة التي قضيتها في محكمة طرابلس الشرعيّة الجعفريّة، ومن قصيدة قالها في يوم الخميس الواقع في 4/1/1996م. رحبَّ  فيها بضيوفه على مائدته وهم: الرئيس الأوّل لمحاكم استئناف طرابلس الأستاذ حسن الحاج، رئيس محكمة حلبا ـ عكار عمّار الزين، فضيلة قاضي طرابلس الشرعيّ الجعفريّ الشيخ يوسف محمّد عَمرو، قائد جهاز أمن الدولة في الشمال العقيد جان نصرالله ـ نقتطف منها الأبيات الآتية:

]\\\"أهلاً وسهلاً بالرَّئيس                      وبالرَّئيس وبالعَميدِ

أهلاً بقاضينا الّذي                           بالفقه والباعٍ المديدِ

يقضي بشرع مُحمّدٍ                          والآل في كلّ الحدودِ

أحكامه موثوقةٌ                               ليست بحاج للردودِ

يا مرحباً بالزائرين                          زيارةُ الأحباب عيدِ

شرفتم بيتاً بدا                                متشامخاً فيكم أكيدِ

لا غرو أن طال السما                       وانساب في الكون البعيدِ\\\"()].

وآخر زيارة ولقاء معه (رحمه الله تعالى)، كانت زيارتي لفضيلته في منزل ولده الأستاذ حسن في الجميزات بطرابلس مع وفد من مكتب الإمام السيّد عليّ السيستانيّ (دام ظله)، في بيروت مع فضيلة الأستاذ الحاج حامد الخّفاف في يوم السبت الواقع في 25 كانون الثاني سنة 2003 م. حيث استقبلنا أجمل إستقبال وقد أتحفنا بالأبيات الآتية:

[\\\" أهلاً وسهلاً بالأُلى              قد شرَّفوا فاليومَ عيدْ

البيت بيتكم وما                     أضواهُ في حقل الورودْ

أقلامكم قد أخبرت                  عنكم وما فيها شهودْ

ومقامكم والشعب يشهد             أنّه عال فريد

شرفتمونا شرف الله                الكرام أفاض جودْ

وديارنا بوجودكم                             قد عَمَّرت سادات صيد

ولم لا وهل بسواكم                يا سادتي طاب النشيد

يا شيعة الأطهار كم                من موقف فيكم يشيدْ

ولأجل نُصرة بيت آل             الله كم منكم شهيدْ

الله يجزيكم على                              ما قمتم فيما يفيدْ

ونعود نحمد للزيّارة                إذ بها بتنا نسود

عيدٌ وما اسمى وما                 أحلى بأيَّام الخلود\\\" () [

 

مع وصيّة المفتي الجعفريّ الشيخ علي محمود منصور (رحمه الله تعالى)

وأثناء تصحيح كتابي \\\"علماء عرفتهم والّذي كتبت عنه (رحمه الله تعالى)، فوجئت بخبر وفاته وذلك في أواخر شهر رمضان المبارك عام 1426 هـ. الموافق لأوخر شهر تشرين أوّل 2005 م. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

وعصر يوم الأربعاء الواقع فيه 9/10/2005 م. انطلقت مع وفد علمائي من المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى ومكتب الإمام السيّد عليّ السيستاني (دام ظله)، في بيروت لتعزيّة آل منصور والشيعة والعلويين بطرابلس بالراحل الكبير حيث استقبلنا بمنزل ولده الأديب الأستاذ حسن (حفظه الله تعالى)، ففوجئت أنّه (رحمه الله تعالى)، ترك لأولاده ومريديه من المؤمنين وصيّة شعريّة من اثنين وخمسين بيتاً مؤرخة في 18 رمضان 1426 هـ.  يوصي بها بالتمسك بالإسلام والعمل بأصوله وفروعه وأركانه وبولاية آل البيت (عليهم السّلام) والتخلّق بأخلاقهم وآدابهم.

وقد جاء في خاتمتها:

[\\\"وأوصيكم بفعل الخير بعدي                        كما كنتم به تقابلوني

ففعلُ الخير للإنسان عونٌ                            لنيلِ الخير من ربِّ مُعينِ

بحبِّ المصطفى والآل أُوصي                       ففي ارشادهم شيّدتُ حصونيّ

ففزت بحبهم وحمدت ربّي                           لأنّهم لرَّبيّ عرَّفوني

ولست بخائف من أي شيءٍ                          وهم عوني كما يوحي يقينيّ [\\\".

وقد طلبت من أبناء سماحته جمع ديوان والدهم (رحمه الله تعالى)، مع سائر قصائده ورسائله ومواقفه وكلماته وطباعتها ونشرها لأنّها المرآة الصافيّة والصادقة لسيرة ولنضال المسلمين الشيعة على الطريقة الصوفيّة العلويّة في شمال لبنان، خلال ستين عاماً بالتعاون مع المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى والمرجعيّة العليا بالنّجف الأشرف ممثلة بأيامنا بمرجعية الإمام السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ (دام ظله) ().



  مجلة \\\"إطلالة جُبيليّة\\\" العدد 41، الصادر في نيسان (ابريل) 2020 م. الموافق لشهر شعبان 1441 هـ.

 \\\"التّذكرة أو مذكّرات قاضٍ\\\" للقاضي الدكتور عَمرو، المؤسسة اللبنانيّة للإعلان، ج2، ص 495 ـ 496 بتصرف.

 المصدر السابق نفسه، ج3 ـ ص 33 ـ 34.

 \\\"علماء عَرفتهم\\\" للقاضي الدكتور عَمرو، دار المحجّة البيضاءـ الطبعة الأولى 2006 م. ص 252 ـ 253 بتصرف.