حكايتي مع كتاب

12/4/2020
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

بقلم رئيس التحرير

علاقتي بكتاب \\\"سيّدنا زين العابدين\\\" للإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود (رحمه الله تعالى)، بدأت في السبعينيات من القرن الماضي أيام دراستي في النّجف الأشرف. وقد أحضرته معي إلى لبنان ولم يفارق مكتبتي أبداً، بل كنت استشهد بكلماته عن الإمام عليِّ بن الحسين زين العابدين (عليهما السّلام)، في خُطب الجمعة، وفي كثير من المواقف وحتى في بعض مؤلفاتي. ومنها الكتب التاليّة: \\\" أهل البيت (عليهم السّلام)، بنظرة وحدويّة حديثة\\\" الطبعة الأولى 2008 م. دار المحجّة البيضاء ـ بيروت. و \\\"شعائر عاشوراء الحسينيّة عند الشيعة الإماميّة\\\" الطبعة الثالثة، دار الصّفوة ـ بيروت. \\\"الديانة الخاتمة والتحدّيات الراهنة\\\" دار المحجّة البيضاء ـ بيروت ـ الطبعة الثانيّة 2012 م. وغيرها من الأبحاث والمقالات.

وكنت قد تكلّمت مع صديقي صاحب الفضيلة قاضي صيدا الشرعيّ السُنيّ الشيخ أحمد الزين رئيس مجلس الأمناء في \\\"تجمع العلماء المسلمين\\\" في لبنان طالباً منه أن يقوم بتحقيق هذا الكتاب وعن استعدادي للقيام بطباعته، فرحبّ بهذه الفكرة وأخبرني بتتلمذه عليه، وأطلعني على سيرة حياة أستاذه وابتعاده عن حبّ الدُّنيا والشهوات واستقامته في جادة الطاعة لله تعالى.

إلاّ أنّه اعتذر عن عدم تمكنه من النهوض بهذه المسؤوليّة لازدحام وقته بالعديد من الأمور والمشاغل المُهمّة.

ولاحقاً وفقني الله تعالى بالتّعرف على المفكر والباحث والكاتب الإسلاميّ السيّد الشريف الدكتور يُسري عبد الغنيّ عبدالله، رئيس منتدى الأصالة والمعاصرة الثقافيّ في القاهرة ـ جمهوريّة مصر العربيّة، من خلال مقالاته عن أهل البيت (عليهم السّلام)، والتي كان يرسلها بواسطة البريد الإلكترونيّ لمجلة \\\"إطلالة جُبيليّة\\\" وأوّل مقالة نشرتها له في العددين المزدوجين (11 ـ 12) الصادرين في 20 أيلول (سبتمبر) 2013 م. الموافق 14 ذو القعدة 1434 هـ. تحت عنوان \\\"عندما نكتب عن آل البيت (عليهم السّلام)، وتوالت كتاباته الكريمة التي نشرتها له في جميع الإعداد التاليّة. ومنها قراءته وكتابته حول كتابي \\\"أهل البيت (عليهم السّلام)، بنظرة وحدويّة حديثة\\\" في العدد 15 الصادر في 26 حزيران (يونيو) 2014 م. الموافق 28 شعبان 1435 هـ.

كما أنّه اختار هذه المجلة أيضاً لنشر كتابه الجديد في دراسة تاريخ الأدب العربيّ على حلقات، حيث نُشرت الحلقة الأولى تحت عنوان: \\\"النثر في عصر صدر الإسلام\\\" كتاب \\\"نهج البلاغة للإمام عليِّ بن أبي طالب نموذجاً\\\" في العددين المزدوجين (18 ـ 19) الصادرين في أيلول (سبتمبر) 2015 م. الموافق 2 ذو الحجة 1436 هـ. وتابع لاحقاً نشر تلك الحلقات القيّمة والجميلة في تاريخ الأدب العربيّ.

كما أنَّ سماحة أخي في الله الدكتور الشيخ أحمد قيس مدير التحرير في \\\"إطلالة جُبيليّة\\\" وبحكم عضويته في \\\"إتحاد الكتّاب اللبنانيين\\\"، سافر الى جمهوريّة مصر العربيّة لزيارة مقامات أهل البيت (عليهم السّلام)، وكان الدكتور يُسري عبد الغني عبدالله باستقباله. وكان من ثمرات زياراته المتعددة المباركة لجمهوريّة مصر العربيّة منذ عام 2015 م. ولغاية تاريخه عدّة كتب طُبعت في مصر المحروسة وبيروت وقد حظيت بأجمعها بالإجازة القانونيّة والشرعيّة من مجمع البحوث الإسلاميّة في الأزهر الشريف، ولاحقاً عمد مُنتدى الأصالة والمعاصرة الثقافيّ في القاهرة بإقامة ندوات جرى فيها حفل توقيع لبعض كتب سماحته. وقد حظيت مجلة \\\"إطلالة جُبيليّة\\\" بنشر مقالات سماحته عن المقامات الدينيّة المباركة في مِصرَ، وكانت البداية بموضوع الغلاف للعدد المزدوج (20 ـ 21) الصادرين في 5 كانون الثانيّ (يناير) 2016 م. الموافق 25 ربيع الأوّل 1437 تحت عنوان \\\"مصر... والحسين (عليه السّلام)، والرأس الشريف\\\".

وتتالت المقالات بأخبار رحلات سماحته داخل مصر والمغرب العربيّ وبعض الدول الأوروبيّة. من خلال الكتب التي دوّنها عن المقامات الدينيّة لأهل البيت (عليهم السّلام)، وللصحابة (رضي الله عنهم)، وعن بعض الكنائس لشهداء المسيحيّة الأوائل في مصر وبعض الدول الأوروبيّة حيث شكّلت هذه الأبحاث مفخرة للوحدة الإسلاميّة، ومفخرة للوحدة الوطنيّة بين المسلمين والمسيحيين في العالم العربيّ. وهذه هي الكتب التاليّة:

1 ـ \\\"التوسل من منظار القرآن والسُنّة والعقل\\\" قدّم له القاضي الدكتور يوسف محمّد عَمرو.

2 ـ الرؤيّة الفكريّة والفلسفيّة للعلاّمة الطباطبائيّ\\\".

3 ـ \\\"مصر... وآل البيت (عليهم السّلام).

4  ـ \\\"محطات مُشرقة في التراث المسيحيّ  - الإسلاميّ\\\" في اللغتين العربيّة والإنكليزيّة.

5  ـ  مصر وذريّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والصحابة والأولياء.

6  ـ موسوعته القرآنيّة الكبرى والتي صدر منها أربعة مجلدات في عام 1918 م. الموافق لعام 1440 هـ. وقدّم له فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف. وهي تحت عنوان \\\"المؤتلف والمختلف في التفسير\\\" وباقي المجلدات التي ما يزال يعمل عليها سوف تَصدُر في المستقبل إن شاء الله تعالى. حول نشأة الكون والإنسان والروح من منظاري العلم والدين.

7 ـ أطروحته الفلسفيّة الأخيرة في اللغتين العربيّة والإنكليزيّة وهي بعنوان \\\"حوار جديد في الفكر الإلحادي\\\". حول نشأة الكون والإنسان والروح من منظاريّ العلم والدين. قدّم لهذا العمل رئيس جامعة الأزهر الشريف، ومستشار مفتي الديار المصريّة، والدكتور القاضي الشيخ يوسف محمّد عَمرو.

موقف المُنتدى الثقافيّ للأصالة والمعاصرة

وبناء لهذه الجهود العلميّة والثقافيّة قام المُنتدى الثقافيّ للأصالة والمعاصرة وصالون الدكتور سليمان عوض الأدبيّ في القاهرة بتاريخ 12/10/2018 م، بإقامة إحتفال تكريميّ لسماحة الدكتور قيس تكريماً لعطائه وتقديراً لجهوده في إثراء الحياة الثقافيّة القرآنيّة والعربيّة بين جمهوريّة مصر العربيّة والجمهوريّة اللبنانيّة، والعالم الإسلاميّ. كما اختاروه من قبل المنتدى نائباً لرئيسه بالإجماع والتزكيّة.

وقد أبى سماحة الدكتور الشيخ قيس وكذلك أعضاء المنتدى الثقافيّ، إلا القيام بتكريميّ أيضاً على لسان رئيس المنتدى الدكتور يُسري عبد الغني عبدالله، وصالون الدكتور سليمان عوض الأدبيّ، وذلك من خلال تقديم شهادتي تقدير ووسامين تكريماً للقاضي الدكتور يوسف محمّد عَمرو، استلمها بالنيابة عنه الدكتور قيس.

وقد ألقى رئيس المنتدى كلمة بهذه المناسبة أثنى فيها على مجلة \\\"إطلالة جُبيليّة\\\" ومحرريها، وعلى صاحبها ورئيس تحريرها تقديراً لجهوده في إثراء الحياة الثقافيّة العربيّة، ثُمّ تكلّم صراحة عن رأيه الأدبيِّ في الأعمال الفكريّة والثقافيّة في مؤلفات ومقالات الدكتور عَمرو، ودوره في النثر الأدبيّ، وشعوره عندما كان يقرأ له فإنّه يخال نفسه يقرأ للمفكر والأديب المصريّ الكبير عباس محمود العقّاد أو لكبير الأدباء المصريين أيام الإنتداب البريطانيّ السيّد إبراهيم المازنيّ، وقد أرسل حفظه الله لي مع سماحة الدكتور قيس شهادات وأوسمة التقدير الآنفة الذكر، مع شريط فيديو يوّثق ذلك الحفل الكريم ويؤرخه، مع دعوته الدائمة لي بزيارة جمهوريّة مصر العربيّة. جزاه الله تعالى خير الجزاء، وجزاهم الله تعالى جميعاً عن الثقافة العربيّة القرآنيّة وعن أهل البيت (عليهم السّلام)، خير جزاء. آمين.

مع كتاب \\\"سيّدنا زين العابدين\\\"

أمّا بالعودة إلى موضوع كتاب الإمام عبد الحليم محمود (رحمه الله تعالى)، فقد رحبّ الدكتور يُسري (حفظه الله تعالى)، لاحقاً وهو، أن يقوم بتحقيق النسخة التي أرسلتها له ويشرحها على أن أقوم لاحقاً بطباعة هذا السفر الكريم في بيروت والتقديم له. وقد قام بتحقيق ذلك على أكمل وجه حيث قام بمراجعته لجميع طبعات هذا الكتاب، حيث أنَّ النسخة التي ليس بها أخطاء كانت طباعة دار المعارف بمصر وهي التي اعتمدها في شرحه وتحقيقه في طباعة دار إقرأ ـ بيروت 2019 م. الموافق لعام 1440 هـ، كما اعتمد في الكتابة عن الإمام الأكبر (رحمه الله تعالى)، وسيرته الشخصيّة له، من خلال تجميع ما دونته الصحافة عنه في الصحف والمجلات المصريّة والمصادر المتعددة الأخرى التي تكلّمت عنه، ومن جملة ما قال عنه:[\\\" وللأستاذ الجليل (رحمه الله تعالى)، أكثر من 60 مؤلفاً في التصوف والفلسفة بعضها بالفرنسيّة، ومن أشهر كتبه الأخرى: \\\" أوروبا والإسلام\\\" و\\\"التوحيد الخالص أو الإسلام والعقل\\\" و \\\"أسرار العبادات في الإسلام\\\" و \\\"القرآن والنبيّ\\\" و \\\"المدرسة الشاذليّة وإمامها أبو الحسن الشاذليّ\\\" ().

وللإمام الأكبر (رحمه الله تعالى)، كتاب آخر تحت عنوان: \\\"إبراهيم بن أدهم شيخ الصوفيّة\\\" اعتمدت عليه في تأريخي لشيخ الصوفيّة وسلطانهم ومسجده في مدينة جبيل الذي كان يُدّرس فيه في العصر العباسيّ الأوّل. وإبراهيم هذا كان من تلامذة الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السّلام)، وقد كتبت عنه في مجلة \\\"إطلالة جُبيليّة\\\"، العدد المزدوج (37 ـ 38) الصادر بتاريخ شباط (فبراير) 2019 م. الموافق جمادى الآخرة 1440 هـ.

وقد وافته المنية وخسرته مصر والعالم الإسلاميّ صباح يوم الثلاثاء الموافق 15 ذو القعدة 1397 هـ. الموافق 17 أكتوبر 1978 م.

وممّا جاء في كلمات وتحقيقات الإمام الأكبر في هذا الكتاب كنموذج طيب ومثال لتحقيقاته التاريخيّة التي تشدُّ القارئ اللبيب المؤمن بالعقل وبالوحدة الإسلاميّة بين المذاهب قوله:

[\\\"الواقع أنَّ الصراع كلَّ الصراع بين آل البيت وغيرهم في العهد الأمويّ والعهد العباسيّ إنّما كان صراعاً بين مُلك وخلافه: فهل الحكم في الإسلام ملكٌ يتصرف فيه الحاكم حسبما يرى لا تقوده إلاّ نزعاته الشخصيّة فيكون تصرّفه سائراً حسبما يرى؟. أم هو خلافة يتقيّدُ فيها الخليفة بالنصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة وعمل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟

ورأي أهل البيت (رضي الله عنهم أنَّ الحكم خلافةٌ يتقيّد الحاكم فيه مُطلقاً بالطابع الدينيّ يلتزمه ويعمل على قيامه في الأُمّة، وينفذه أحكاماً وحدوداً...\\\" ().

وقوله أيضاً: \\\" إذ أنَّ المسلمين قد أصيبوا بالمصيبة الكبرى والفاجعة العظمى والزلزال العظيم باستشهاد سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مع الثلة الكريمة من آل البيت (رضي الله عنهم)، وصحبهم الكرام يوم العاشر من شهر مُحرّم سنة 61 للهجرة الموافق لسنة 680 م. في كربلاء قرب شط الفرات عُطاشى في العراق على أيدي أراذل أهل العراق من الحزب الأمويّ بتوجيه وأمر من يزيد بن معاوية لواليه في العراق عبيدالله بن زياد()].

كما أتحفنا فضيلة الأخ الدكتور يسري عبد الغني عبدالله بكتابين آخرين من تأليفه وتصنيفه طالباً تقديمهما من قبلي وطباعتهما في بيروت وهما:

1ـ \\\"رحلة النفيّ البيروتيّة [ بين الاستنارة والإصلاح] مقالات في فكر الأستاذ الإمام محمّد عبده\\\".

وهذا الكتاب صدر بالتعاون مع مؤسسيّ دار إقرأ للطباعة والنشر، التي وافقت على التقديم له وطباعته لما فيه من إحياء لسيرة وأفكار الإمام الشيخ محمّد عبده وأستاذه الإمام السيّد جمال الدين الحسينيّ الأفغانيّ (رحمهما الله تعالى)، والذي يتضمن حلقة منسيّة من تاريخ بيروت، لا سيما إمامته للمسجد العمريّ الكبير في المدينة ومُدّرساً في المدرسة السلطانيّة في بيروت أو المكتب العثمانيّ، \\\"والّذي تحوّلَّ في أيامنا إلى ثانوية الشهيد الشيخ حسن خالد الرسميّة\\\"، حيث كان يُدّرسُ العلوم الدينيّة والعربيّة من عام 1883 م, إلى عام 1888 م. غادر أثناءها بيروت إلى باريس أواخر سنة 1883 ليؤسس مع أستاذه الإمام السيّد الأفغانيّ مجلة \\\"العروة الوثقى\\\" ومن ثُمّ ليعود بعدها إلى بيروت سنة 1885 م. ليستقبل فيها بالحفاوة وليقوم بالتدريس وإمامة المسجد العُمري الكبير كما تقدّم الكلام آنفاً، وبعدها غادرها إلى مصر سنة 1888 م.

2ـ الكتاب الثاني تحت عنوان:\\\" شيخ ضد الخلافة\\\"، وهو مقالات له في فكر وأطروحات المُفَكّر والعلاّمة الأزهريّ القاضي الشيخ عليّ عبد الرزاق، حيث حوكم من قبل الإمام الأكبر في الأزهر الشريف آنذاك وبإجماع أربعة وعشرين عالماً تمَّ طرده من القضاء الشرعيّ، () ومن هيئة علماء الأزهر الشريف، ومن جميع المناصب الشرعيّة، لما ورد في كتابه \\\"الإسلام وأصول الحكم\\\" وغيرها من مؤلفات ومواقف. وذلك في القاهرة الموافق 12 أغسطس 1925 م. فاعتذرت من الدكتور يُسري عن عدم القيام بهذه المهمّة الجليلة لأسباب متعددة تقبلّها مني الدكتور يُسري بصدر رحب وأخوي كبير..

وفي الختام لا بُدَّ من التنويه بهذا الجهد التحقيقيّ للدكتور يُسري، وخاصة أنّه يساهم في الإضاءة على فكر عالم من علماء المسلمين الّذين انصبّت جهودهم في سبيل نشر العلم والمعرفة والوحدة بين أبناء هذه الأمّة الإسلاميّة كما أشكره على إشتراكي في هذا العمل المبارك سائلاً الله تعالى له وللمسلمين من وراء ذلك التوفيق والتسديد. آمين.

                                                           د. يوسف محمّد عَمرو

                                             جبيل الواقع فيه 19 كانون الثاني (يناير) 2020 م.

                                                    الموافق 23 جمادى الأولى 1441 هـ.



 \\\"سيّدنا زين العابدين\\\" للإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، ص 34 ، تحقيق د. يسري عبد الغني عبدالله، الطبعة الأولى 2019 م، بيروت ـ دار إقرأ.

 نفس المصدر، ص 12.

 نفس المصدر، ص 12 ـ 13.

 حيث كان قاضياً شرعياً لمحكمة المنصورة الشرعيّة.