وجدانيات: لاجئ في وطني

12/4/2020
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

                                                        للأستاذ هيثم عفيف الغدّاف

استفقت من نوم عميق ذات صباح ومضيت الى عمليّ كالمعتاد في كل نهار. أخرجت من جيبي نقوداً وطلبت من بائع القهوة على الرصيف فنجان قهوة وعلبة سجائر. تنبهت الى نظرات الساقي (القهوجي) ترمقني بتعجب، فبادرته: ما الخبر أيها الساقي؟ جاوبني: من أي بلاد أنت عزيزي؟ تعجبت، لكنني عاجلته بطلب فنجاني وسجائري، فقد اقترب موعد عملي، غير عابئ بمزاحه الصباحي وأنا في أمسّ الحاجة لدقيقة أكسبها في رشفة قهوة ريثما أصل باب مدرستي. هنا تمهّل الساقي وخاطبني بنبرة ملحوظة، عميّ أنا أريد دولارين! ما عادت هذه الأوراق تصرف بعد الآن ! فأدركت حينها أنني أحلم وتراودني مشاهد الغربة، فأنا في الحقيقة أسكن ها هنا في وطنيّ مواطناً كريماً، فماذا إن لم تكن تلك حقيقة؟ أيعقل أن أكون لاجئاً في وطنيّ ؟!

مضى يومي على خير بدون القهوة والسجائر وعدت الى منزلي، أنتظر بفارغ الصبر سماع جرس المنبه من الهاتف لأصحو من نومي وينتهي هذا الحلم الغريب، فقد اشتقت الى الصباح والى قهوتي. ذلك لم يحصل، فبات ما تخيلته حلماً، حقيقة. سارعت أقلّب في محطات التلفاز بحثاً عن خبر جديد، أبحث في رسائل هاتفي عن إيضاح ولو بسيط، أفكر بمن أتصل لأعرف المزيد. استغرق هذا كلّه مني لحظات دون جدوى، حتى طرق باب المنزل...

صديقي عند الباب يهمّ بالدخول وأنا مندهش، كيف الحال؟ جلس وتناولنا بعضاً من الأحاديث، تناقلناها عن روايات وأشعار، و لكن لم أعرف أي شيء جديد، حتى أنني لم أساله خشيةً من الإحراج، فلربما أنا اليوم لست أنا، دارت في رأسي حوارات مختلفة لا نهاية لها، خلصت بعدها الى المضي متوكلاً على الله تعالى تاركاً الحال على حالها، أترقب بحذر، كطائر أيلول المهاجر.

28   تشرين الثاني 2019 م.