الإستنساخ بين الدين والعلم

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

ما برحت ظاهرة الإستنساخ التي أطلَّت على العالم من أحد مختبرات مدينة إديبورغ، عاصمة إسكوتلندا، في العام 1997م، تثير موجة عارمة من التساؤلات، سواءٌ أكان على الصعيدين الحياتيّ والإنسانيِّ. أم على الصعيدين الديني والأخلاقي. فإذا تمكَّن العلماء من النجاح في فئة الثدييّات وإستيلاد النعجة دوللي، فما المانع من أن يطبقوا هذه الطريقة على الإنسان ويغيروا المسار الطبيعيّ للولادة؟

من هنا انبرى الأخوة الكرام في  -مركز الدراسات والأبحاث الإسلاميّة المسيحيّة، وعلى رأسهم فضيلة الأستاذ الشيخ محمد علي الحاج علي العامليّ، لبحث هذه الظاهرة من خلال قيامهم بجولة على كبار العلماء من مسلمين ومسيحيين من مختلف المذاهب، والمدارس الفكريّة في لبنان، وعلى كبار الأطباء، لسؤالهم حول هذه الظاهرة وآثارها وذيولها وما يترتب عليها من نتائج، وبالتالي تعقب الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة والأجوبة الشرعيّة الواردة حول الظاهرة الآنفة الذكر وجمع هذه الدراسات في كتاب تحت عنوان: الإستنساخ بين الإسلام والمسيحيّة، الطبعة الأولى، عام1999م، منشورات دار الفكر اللبنانيّ ـ بيروت.

وكان لرئيس تحرير هذه المجلة القاضي الشيخ الدكتور يوسف محمد عمرو أجوبته على أسئلة الأخوة في مركز الدراسات والأبحاث الإسلاميّة ـ المسيحيّة، والتي طُبعت ضمن تلك البحوث من الصفحة 263ولغاية الصفحة 267. تحت عنوان:[ الإستنساخ...دون علاقة زوجية حرام شرعاً].

ـ حصل مؤخراً تطوُّرٌ علميٌ أدَّى إلى إستنساخ نعجة، ويقال أنّه الممكن إستنساخ الإنسان، فما تعليقكم على ذلك؟.

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاالنساء:1.

وقال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ البقرة:30.

فالإنسان هو خليفة الله تعالى، في الأرض، وسيِّد المخلوقات الأرضيّة كما ورد في القرآن الكريم...    كما أنَّ تقوى الله تعالى، وعبادته ومعرفته، والَّتي هي غاية الوجود، لا تكون إلاَّ بصلة الرحم، وبرِّ   الوالدين، والشعور برقابة الله تعالى، علينا من خلال التقيُّد بالحلال وتنفيذ أوامر الله تعالى، وترك ما حرَّم الله علينا من موبقات وزنا وجرائم.

وعلى ضوء ما تقدَّم، فالإستنساخ دون علاقة زوجيّة حرام شرعاً، لأنَّه يجعل من النوع الإنساني والجنس البشري جنسّاً سافلاً ودون الغاية الَّتي أرادها الله تعالى، للنوع الإنساني من برِّ الوالدين، وصلة للرحم، وتقيُّد بالحلال، وترك للحرام، وتسامٍ نحو معرفة الله تعالى ومحبَّته.

ـ ذُكِر أنَّ للإستنساخ إيجابيات، وفي المقابل صدرت مواقف ضد هذا الإكتشاف، ومن إيجابياته:

س1: أنَّه يمكن أن ينتج أعضاء بديلة عن الأعضاء التالفة.

س2: زيادة تكاثر أنواع الحيوانات المهدَّدة بالإنقراض.

س3: تلقيح زوجة الرجل العاقر بخلية من جسمه.

س4: وغير ذلك من الإيجابيات، فكيف يمكن لنا أن نوفِّق بين الإيجابيات والموقف السلبي من هذا الإكتشاف؟

الجواب عن السؤال الأوّل: لا مانع من ذلك ما دام في هذا خدمة صالحة وجيِّدة للإنسانيّة، وقضاء بالتالي على الإعاقة والمعوقين بالأسباب العلميّة النافعة والجيدة.

الجواب عن السؤال الثاني: الإستنساخ بخصوص عالم الحيوان والنبات هو شيء جيِّد ونافع لما فيه من منافع لبني الإنسان، ولأنّ الله تعالى سخَّر لنا عالّمي: الحيوان والنبات، وجعلنا أسياد الأرض وملوكها والمسؤولين عنها أمام عدله ورحمته عزَّ وجلّ.

الجواب عن السؤال الثالث: ما دام هناك علاقة زوجيّة فلا مانع من ذلك شرعاً شرط الإحتياط الشرعيّ بعدم تكشف الزوجة على الطبيب، وإنَّما تتكشّف على الطبيبة، ونحو ذلك من مسائل ذكرها الفقهاء ـ أعلى الله مقامهم ـ في رسائلهم العلميّة.

الجواب عن السؤال الرابع: قد ذكرتُ ذلك فيما تقدَّم في السؤال الإفتتاحي، ثم أجبتُ على ذلك بالأسئلة الآنفة الذكر، وخلاصة ذلك: إنَّ الإستنساخ للنوع الإنسانيّ حرام شرعاً لتعارضه مع القرآن الكريم إلاَّ من خلال العلاقة الزوجيّة كما جاء في جوابنا على السؤال الثالث. وأمَّا في عالم النبات والحيوان، فجائز شرعاً، لما فيه من مصلحة ومنفعة للإنسان وقضاء على الإعاقة عند الإنسان.

ـ ما تعليقكم على مقولة سماحة آية الله العظمى السيِّد مُحمّد حسين فضل الله التاليّة:

[... إنَّ من إكتشفوا ذلك إنَّما إكتشفوا سرّ الله في عمليّة التناسل بطريقة تستهوي القوانين نفسها الَّتي جعلها الله للتناسل، وهكذا نجد أنَّ هذه التجربة الجديدة لم تأتِ بجديّد، يعني أَنّها لم تخلق قانوناً جديداً ولم تضع سُنَّة جديدة، ولكنها إكتشفت بعض أسرار الجسد الإنسانيّ وإستطاعت أن تتعرَّف على حركة هذه الأسرار وإمكان تحريكها في إتِّجاه الإستفادة منها في نسخة ثانيّة عن إنسان أو عن حيوان أو بمحاولة زرع بعض الأعضاء لإستخدامها في إستبدال بعض الأعضاء التالفة للإنسان...].

إنَّ هذا الكلام الصادر عن سماحة الإمام السيّد فضل الله{، هو حقّ وصواب لموافقته لكتاب الله تعالى ولسنَّة رسوله وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسّلام)، وللأحكام العقليّة ولأدلَّتها حسب ما هو مُقرَّر في علم الأصول عند المسلمين الشيعة الجعفريّة الاثني عشريّة، فلذلك لا نستطيع أن نُحرِّم الإستنساخ بشكل مطلق كما ذهب إليه مفتي الديار المصريّة وبعض علماء السعوديّة، لأنَّ بهذا التحريم المطلق إلغاء لدور العقل والعلم في الشريعة الإسلاميّة.. نعم يمكننا حمل فتاويهم على الإحتياط الشرعيّ المطلوب في هذه القضايا المستحدَثة.

ـ بعد حصول عمليّة الإستنساخ طالب أحد علماء الدين في السعوديّة بإعدام من يُنفِّذ عمليّة الإستنساخ على البشر، كما قال مفتي مصر بأنَّ إبليس وراء الإستنساخ، وفي المقابل قال الدكتور حسن الترابيّ: إنَّ الفتاوى حول الإستنساخ صدرت بغير إدراك، فما رأيكم بذلك؟

كان من الأفضل والأجدر لسماحة مفتي الديار المصريّة ولسائر علماء المسلمين الَّذين حرَّموا الإستنساخ بشكل مطلق السؤال والتأنِّي قليلاً قبل إصدار تلك الفتاوى. ونحن نؤيد ما قاله فضيلة الدكتور الشيخ حسن الترابي. وأمَّا ما قاله سماحة مفتي الديار المصريّة، فيمكن حمله أنّه جاء ردّاً على أقوال الملحدين من أنَّهم يريدون بعمليات الإستنساخ إلغاء العلاقات الزوجيّة الشرعيّة وإباحة المحارم النسبيّة وإباحة السحاق واللواط.

وأقوال بعض الملحدين الآنفة الذِّكر جعلت علماء القانون في الولايات المتحدة وأوروبا يحرِّمون الإستنساخ بشكل مطلق للنوع الإنسانيّ لغاية تاريخه، خوفاً من إستغلال الملحدين لهذه العلوم في تهديم الأُسرة الأمريكيّة والأوروبيّة.. لذلك فتخوُّف سماحة المفتي وحذره في محله؛ لأنَّه يخاف على الأُسرة الإسلاميّة من الضياع والهلاك، وهو من الإحتياط الشرعيّ المطلوب في مواقف كهذه.

يقول البعض أنَّ الدين بموقفه الرافض لهذا الإكتشاف يعطِّل حركة العلم والمعرفة والبحث عن أسرار الطبيعة، كما أنّه قد قيل أنَّ الدين يقف في وجه العلم، وأنَّ هناك تعارضاً بين الدين والعلم، فما ردّكم؟

نحن مع جواب سماحة الإمام السيِّد فضل الله{، الّذي أجابه على هذا السؤال دون تحفُّظ.. كما أنَّ سماحته {، في أسئلة أخرى أجاب وفصّل حول عمليات الإستنساخ، كما أنَّه احتاط في ذلك وقيَّده بالزواج الشرعيّ دون سواه.

وأمَّا الإحتياط الشرعيّ الوارد عند الفقهاء في عمليات الإستنساخ وحصره بالعلاقة الزوجيّة دون سواها، فهو أمر وافقهم عليه رجال القانون في أوروبا وأمريكا وقد أصدروا تشريعات في ذلك حرَّموا على علماء الإستنساخ التمادي في بحوثهم وتجاربهم خوفاً منهم على الأُسرة والقيم الأخلاقيّة.