تعطروا بخير العبادة

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

المدير المسؤول: الشيخ الدكتور 

أحمد محمد قيس            

يقول الله سبحانه وتعالى، في كتابه:

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

سورة آل عمران، آية:135.

أخوتي وأخواتي، قد يخطر ببال البعض منّا أنّه غير معني بمضمون ومنطوق هذه الآية الكريمة، وذلك لكونه ملتزماً جادة الشريعة ويقوم بما عليه من فرائض وواجبات، ويحاذر ويجتنب المعاصي المهلكات، إلا أنّ ذلك غير صحيح على الإطلاق لأسباب كثيرة سنأتي على شرح بعض منها بإذنه تعالى، في سياق الكلام.

في المجالس عن أبي عبد الله الصادق(ع)، قال: لمّا نزلت هذه الآية:-وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً- سورة آل عمران، آية:135. صعد إبليس جًبلا بمكّة يقال له ثور فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا له: يا سيّدنا لِمَ تدعونا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، فقال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذاك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخناس: أنا لها، قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنيّهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوها أنسيتهم الإستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة. 

وعن سبب نزول هذه الآية المباركة وفيمن نزلت؟ أورد كل من العلاّمة الطباطبائيّ والفيض الكاشانيّ نقلاً عن المجالس عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي أنّها نزلت بحقِّ رجل يدعى بهلول النبَّاش، وكان هذا الرجل ينبش القبور ليسرق الأكفان عن أجساد الموتى، فحصل معه ذات مرة أنّه نبش قبر واحدة من بنات الأنصار، فأخرجها ونزع أكفانها ـ وكانت بيضاء جميلة ـ فَسّول له الشيطان، فزنى بها وتركها على ذاك الحال عاريّة، ثُمّ ندم بعد ذلك ندماً شديداً، فأتى إلى النبيّ(ص)، ليشرح له ما حدث ويعلن توبته بين يديه، فردَّه النبيّ(ص)، فخرج من عنده(ص)، ثُمّ إعتزل النّاس، وإنقطع عنهم في جبل من الجبال المحيطة بالمدينة يتعبد الله ويتبتل إليه سبحانه نادماً على ما سلف منه، بقيّ على هذه الحال مدة طويلة حتى قبل الله توبته ونزل فيه القرآن أي هذه الآية المباركة.

وعليه، تبيّن معنا أهميّة الإستغفار، والندم، والتوبة في الأمور الخطيرة والكبيرة، ولكن ما أهميّة ذلك في الأمور الأقل خطورة أو العاديّة بنظر البعض منّا؟

في الكافي عن رسول الله(ص) قال: يهمُّ العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته، وإذا هو عملها كتب الله له عشراً، ويهمّ بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء، وإن هو عملها أُجلَّ سبع ساعات وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال، لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها فإن الله عزّ وجلّ يقول: إنّ الحسنات يذهبن السيّئات، أو الإستغفار فإن هو قال: أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو، عالم الغيب والشّهادة، العزيز الحكيم، الغفور الرّحيم، ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه، لم يكتب عليه شيء، وإذا مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة وإستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السّيئات: اكتب على الشقيّ المحروم.

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(ع): إنّ العبد إذا أذنب ذنباً أَُجل من غدوة إلى الليل فإن إستغفر الله لم يكتب عليه.

وأيضاً هناك فوائد أخرى وكثيرة لا يمكن إيرادها في هذه العجالة يمكن للإنسان الإستفادة منها وتحصيلها من خلال هذه العبادة في الدارين، منها على سبيل المثال الزيادة في الرزق.

يقول الله سبحانه وتعالى، على لسان هُود(ع):

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ.

عن رسول الله(ص): من أكثر من الإستغفار جعل الله له من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب.

وفي كنز العمال عن الإمام عليّ(ع): إنّ إعرابياً شكا إلى عليَ بن أبي طالب(ع)، شدّةً لحقته، وضيقاً في المال وكثرة العيال، فقال(ع) له: عليك بالإستغفار، فإنّ الله عزّ وجل يقول: إستغفروا ربّكم إنّه كان غفارا، فعاد إليه، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي قد إستغفرت الله كثيراً وما أرى فرجاً مما أنا فيه؟!.

فقال(ع):لعلّك لا تحسن أن تستغفر، قال: علّمني، قال(ع): أخلص نيتّك، وأطع ربّك.

وقل: اللّهم إني أستغفرك من كلّ ذنب قوي عليه بدني بعافيتك...صلِّ على خيرتك من خلقك مُحمّد النبيّ وآله الطيبين الطّاهرين، وفرِّج عنّي...

قال الأعرابي: فاستغفرت بذلك مراراً فكفى الله عنّي الغمّ والضّيق ووسع عليّ في الرزق وأزال المحنة.

وعن أبي سعيد الخُدريّ عن النبيّ(ص)، قال: قال إبليس: وعزّتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم.

فقال سبحانه: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما إستغفرونيّ.

وهذا النوع من المغفرة هو من أبواب الرزق الإلهيّ حيث يمكن للإنسان أن ينطلق من جديد بدون تبعات وهنالك أيضاً فائدة جديدة من فوائد الإستغفار ألا وهي الرائحة الزكيّة.

فعن الإمام عليّ(ع)، أنّه قال: تعطّروا بالإستغفار لا تفضحكم روائح الذنوب.

وكأن الإمام عليّ(ع)، في هذا الحديث يصوّر لنا حال المذنب أو المرتكب للموبقات كالذي تغطيه الأوساخ النتنة والقاذورات بحيث تكون مصدراً للروائح الكريهة إلا إذا تمَّ غسلها بالماء الطهور، ويصبح بالتالي هذا الماء كالعطر إذ يمنع صدور وإنبعاث الروائح بالحد الأدنى والله أعلم.

وعن الإمام عليّ(ع)، أيضاً: طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم  القيامة تحت كل ذنب: استغفر الله.

وللإستغفار فائدة عظيمة أخرى هي أنّها من أفضل العبادة لله سبحانه وتعالى، فلقد ورد عن النبيّ الأعظم(ص)، أنه قال:خير العبادة الإستغفار.

وبالجمع بين قول النبيّ الأعظم(ص):خير العبادة الإستغفار، وقول الإمام عليّ(ع): تعطروا بالإستغفار.... أخرجنا عنوان هذه المقالة بحيث أضحت تعطروا بخير العبادة. نسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته وعبادته ويرزقنا إستغفاره والإنابة إليه في كل حين إنّه هو الغفور الرحيم.