تاريخ طرابلس قديماً وحديثاً

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أصدر المؤرخ والصحافي سميح وجيه الزين كتابه:تاريخ طرابلس قديماً وحديثاً منذ أقدم الأزمنة حتى عصرنا الحاضر عام 1969م. كحلقة من حلقات دراساته عن المدن اللبنانيّة الأخرى ثُمَّ قام ولده المهندس غسّان بإعادة طباعة هذا الكتاب ونشره عام 2010م، من خلال مكتبة السائح في طرابلس إِحياءً لتاريخ طرابلس ولتراثها الحضاري، بتشجيع من دولة الرئيس الدكتور نجيب ميقاتيّ.

يقع هذا الكتاب في ستمائة وست عشرة صفحة من القطع الوسط قُسِّم إلى مقدمة وخمسة عشر باباً، بسط مؤلفه في المُقدمة أموراً تعود لتأليف الكتاب. وفي الأبواب الآنفة الذكر جاء ما ذكره المؤلف حول التاريخ السياسي والإجتماعي والأدبي للمدينة.

جاء في الباب الأوّل تفاصيل التاريخ القديم منذ زمن مطلع الحضارة حتى زمن الفتح العربي. وفي الباب  الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن تاريخ طرابلس منذ زمن الفتح العربي حتى مطلع الحرب العالميّة الأولى، وفي الباب التاسع والعاشر والحادي عشر تاريخ طرابلس منذ مطلع القرن العشرين حتى تاريخ عام 1968م، ومن الباب الثاني عشر حتى الباب الأخير تاريخ طرابلس الإجتماعيّ والأدبيّ.

والتراجم لأعلامها كان مع نبذة عن حياتهم وأدبهم وآثارهم(1).

ومؤلف هذا الكتاب الأستاذ سميح وجيه الزين ولادة طرابلس سنة 1904م، من أسرة طرابلسيّة محافظة كان والده عميلاً جمركياً في ميناء طرابلس، ومؤذناً للجامع العالي فيها، تعلّم في مدرسة الفرير في طرابلس ونال منها البكالوريا القسم الثاني، وعمل في فرع بنك دي روما في طرابلس، ومن ثُمّ كمدير ثان لفرع ذلك البنك في حمص. وبعد إقفال ذلك البنك لإبوابه في الحرب العالميّة الثانيّة عمل في بلدية طرابلس حتى بلوغه الرابعة والستين، أطلَّ على القراء في عقد الخمسينيات من القرن العشرين من على صفحات جريدة الجريدة لصاحبها الأديب جورج نقاش، ومن على صفحات جريدة لسان الحال نال دبلوماً في الصحافة من كلية الصحافة في جامعة القاهرة. ثُمَّ ترك الصحافة إلى التأليف الأدبي، فوضع عدّة قصص تدور حول مراحل إستقلال لبنان. وعدّة مؤلفات أخرى في تاريخ الفلسفة عند الإغريق والعرب ودراسة مستفيضة عن رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّيّ. وعن الفارابي وابن رشد، كما له  مؤلفات أخرى لا زال قسم منها لم يُطبع أو ينشر.

والذي يؤخذ على المؤلف إهماله التفصيل في تأريخ طرابلس أيام دولة بني عمّار الّذين إستقلوا عن الفاطميين واتخذوا منها عاصمة لهم منذ عام 462هـ، ولغاية سقوطها بأيدي الصليبيين عام 502هـ، حيث كانت طرابلس خلال الأربعين عاماً الآنفة الذكر من حكمهم تضاهي بغداد، والقاهرة، وقرطبة من الحواضر الإسلاميّة. في جميع العلوم والفنون بل إمتازت عنهم بأخذ الأوربيين عنها وتعلمهم منها صناعة الورق، والزجاج، والسكر، والحياكة، والأطعمة والأشربة الطرابلسيّة وغيرها من علوم ذكرها فضيلة الدكتور عُمر عبد السلام تدمري في أطروحته: الحياة الثقافيّة في طرابلس الشام خلال العصور الوسط.

كما أهمل ذكر الفقهاء، والفلاسفة، والشعراء، والأدباء، والقضاة وغيرهم من أهل النظر والفن الّذين نبغوا في طرابلس من الشيعة الإماميّة وأهل المذاهب الأربعة والّذين ذكرهم الدكتور تدمريّ في أطروحته الآنفة  الذكر حيث أفرد لذكر أولئك الأعلام من صفحة 75 ولغاية الصفحة 305 عدداً كبيراً، ورتب ذكرهم حسب حروف المعجم.

ومن أعظم علماء طرابلس وفلاسفتها الّذين أُهمل ذكرهم:

1ـ أبو الفتح مُحمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي شيخ الشيعة الإماميّة ومرجعهم في بلاد الشام ومصر حيث درس في بغداد وتتلمذ على السيد المرتضى نقيب العلويين ببغداد، رحل إلى طرابلس وكتب عنها وصنّف بها وترك عدّة مؤلفات في الفقه والتفسير والفلسفة تعتبر مرجعاً للشيعة الإماميّة ولغاية أيامنا هذه. كما حاجج الإسماعليين الفاطميين في طرابلس، وصور، وفلسطين، ومصر وأفحمهم في حججه وبيانه، وكتب كتاباً لأبي الكتائب بن عمّار بإسم عدّة البصير في حجِّ يوم الغدير وهو في جزء واحد من 200 صفحة ومن أهم كتبه: كنز الفوائد، والأغلاط مما يرويه الجمهور وموعظة العقل والنفس، والمنازل، وما جاء على عدد الاثني عشر، والمؤمن، وتلقين أولاد المؤمنين وغيرها من مصنّفات تعتبر مرجعاً للشيعة الإماميّة ولغاية أيامنا هذه، قال عنه آغا بزرك الطهرانيّ في ترجمته: أنّه من أقدم فلاسفة الشيعة في لبنان. بل نقول أنّه كان أول فيلسوف لبناني نبغ في العصور الوسطى.

2ـ ومن أشهر تلامذته في طرابلس الفقيه الكبير الحسين بن هبة الله، ابو عبد الله الطرابلسي من فقهاء طرابلس في القرن الخامس الهجريّ.

3ـ عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي قاضي القضاة في طرابلس تولى القضاء عند بني عمّار عشرين عاماً ويقال ثلاثين عاماً، وهو من تلامذة السيّد المرتضى في بغداد ترك عدّة مؤلفات من أهمها: المهذب، والمعتمد، والروضة، والجواهر، والعرب، والمعالم، والمقرب، والمنهاج، وعماد المحتاج في مناسك الحاج، والكامل في الفقه، والموجز في الفقه، وكتاب في الكلام، كما شرح كتاب أستاذه الشريف المرتضى، شرح جمل العلم والعمل، توفي عام 481هـ، في طرابلس.

4ـ ومن أشهر تلامذة القاضي إبن البّراج أسعد بن أحمد بن أبي روح أبو الفضل القاضي الطرابلسي كان متولياً على دار العلم بطرابلس وترك عدّة مصنفات في الفقه والكلام والأدب.

5ـ محمد بن عليّ بن محسن، أبو جعفر المقرء الحلبي، قال عنه آغا بزرك الطهرانيّ إنّه من تلامذة شيخ الطائفة الطوسي .

روى عنه وعن قاضي طرابلس عبد العزيز بن البرّاج. ويروي عنه الإمامان في الحديث: ضياء الدين، وقطب الدين الروانديان، ومن قراءة القطب عليه يظهر أنَّهُ بقي للمائة السادسة للهجرة، لأنّ القطب قد توفي سنة 573هـ .

6ـ الشريف عقيل بن العبّاس بن الحسن بن العبّاس بن الحسن بن أبي العبّاس بن أبي الجن، الحسن بن عليّ، أبو البركات: كان من علماء الشيعة، ولد بدمشق سنة 392هـ، وولي نقابة العلويين بها، نزل طرابلس وحضر مجلس علمائها. وتوفي بها سنة 451هـ، ونقل إلى دمشق فدفن بها.

7ـ أمير الجيوش الفاطميّة، بدر بن عبد الله الأمير الجمالي، من أعلام السياسة والأدب، والذي أدى دوراً كبيراً في تأريخ مصر والشام. ترجم له الذهبيّ فقال: الأمير الوزير الأرمني الجمالي، إشتراه جمال الملك إبن عمّار الطرابلسي ورباه فترقت به الأحوال إلى الملك.

وقد أنشأ في الإسكندريّة جامع العطارين، وكان بطلاً شجاعاً مهيباً من رجال العلم  مات بمصر سنة 488هـ، وقام بعده إبنه الملقب أيضاً بأمير الجيوش، وقيل عاش نحو 80 سنة.

والّذي يقرأ تأريخ الفاطميين في مصر يرى التشابه الكبير بين شخصيّة القائد جوهر الصقلي مؤسس القاهرة والجامع الأزهر وما بين الوزير بدر الجمالي مُجدد الدولة الفاطميّة والمدافع عنها حتى أواخر حياته مع ولده الملقب بأمير الجيوش.

غير أنّ المصنّف رحمه الله تعالى قد أنصف أمراء دولة بني عمّار في ترجمته لهم ووصفه لهم بالفقاهة والعلم والأدب وحب المعرفة وإستبسالهم بالدفاع عن طرابلس بوجه الصليبيين سبع سنوات، وخذلان العباسيين لهم ببغداد بعد أن وعدوهم بالمساعدة ولم ينصروهم، كما أنصف شاعر بني عمّار الكبير ابن منير الطرابلسي في ذكره والإشادة به.

كما أنّ المؤلف أهمل ذكر مشايخ الشيعة من آل حماده والأحداث التاريخيّة التي حدثت معهم خلال أربعة قرون من ايام العثمانيين في ولاية طرابلس مع المعنيين والشهابيين بشكل عام ومع الأمير يوسف الشهابيّ بشكل خاص، حيث كانت الفتوح، وبلاد جبيل، وجبة المنيطرة، وبلاد البترون، والكورة، وجبة بشري من أعمال ولاية طرابلس. وكان مشايخها آنذاك آل حماده، وقد نبغ منهم الكثير من رجالات لبنان الّذين أرَّخ لهم طوني بشاره مفرِّج، وعبد الله أبي عبد الله، والدكتور تنال سعدون حماده وغيرهم من مؤرخي لبنان.

(هيئة التحرير)