الإجهاض بين الدين والعلم

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

قضيّة الإجهاض أخذت حيزاً كبيراً من الكلام على المستوى الدولي، وقد وقع خلاف كبير حول حكمها، حتى أنّ هناك العديد من الدول أباحت الإجهاض وأجازته وما زالت بعض الدول تحرمه وتمنعه.. في الوقت نفسه الذي نرى أن المسيحيّة والإسلام يحرمانه وقد وجدت بعض الأقوال الشاذة لبعض العلماء تقول بتحليله قبل ولوج الروح في الجنين وقد تصدى بعض الأخوة الكرام في»مركز الدراسات والأبحاث الإسلاميّة ـ المسيحيّة» وعلى رأسهم فضيلة الأستاذ الشيخ محمد علي الحاج علي العامليّ، لبحث هذه الظاهرة حيث جمعوا هذه الدراسات تحت عنوان: «الإجهاض بين الإسلام والمسيحيّة والطب والقانون» منشورات دار الفكر اللبنانيّ في بيروت، الطبعة الأولى، عام 2005م، الموافق لعام 1426هـ،

إذ جمعت هذه الدراسات بحوثاً لثلاثين باحثاً من علماء المسلمين والمسيحيين والقانونيين بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم الدينيّة والقانونيّة.

وكان لرئيس التحرير القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمّد عمرو بحث تحت عنوان: «الإجهاض» من صفحة 176 إلى صفحة 179 وهو التالي:

لقد تكلّم القرآن الكريم حول العادات الجاهليّة في قتل الأطفال قبل الولادة أو بعدها سواء كانو أجنة أو أطفالاً رُضعاً في قوله تعالى: }وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ  بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ{ سورة التكوير، آية: 8 و9.

سورة الإسراء، آية: 31 }وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا{.

فعمليات القتل كانت تتمُّ غالباً في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام نتيجة للخوف من الفقر والإملاق كما في الآية الثانيّة أو خوفاً من العار الذي يلحق الأب وعشيرته عند بلوغ الطفلة مبلغ النساءِ وقيام أفراد من قبيلة أخرى بسرقتها واغتصابها، ذلك القتل استنكره القرآن الكريم أشدَّ الإستنكار واعتبره من الجرائم القذرة والكبائر التي توعَّد عليها بالنَّار.

أ ـ مع فقهاء الشيعة الإماميَّة:

ولنستعرض حالات الإجهاض التي تتمُّ في أيامنا هذه وفتاوى فقهاء الشيعة الإماميّة فيها، وفقاً للإستفتاءات وهي على الشكل التالي:

أولاً: لتحديد النسل الناشئ من خوف الزوجين من الفقر والعالة والعوز. وهذا عمل مشين وغير جائز سواء كان قبل ولوج الروح في الجنين أو بعده ولدخوله تحت قوله تعالى: }وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا {. سورة الإسراء ،آية:31 . مع العلم أن تحديد النسل بين الزوجين وبرضاهما قبل الإتصال الجنسي جائز شرعاً على تفصيل ذكره فقهاء الإماميّة.

ثانياً: الخوف من عار الفضيحة كما لو كان حمل المرأة ناشئ من الزواج العرفي أو المؤقت أو وطء الشبهة أو من الزنا أو من الإغتصاب، وكان استمرار الحمل يشكِّلُ حرجاً شديداً على المرأة أو خطراً على حياتها. فقد أجمع فقهاء الإماميّة على حرمة الإجهاض بعد ولوج الروح في الجنين بشكل مطلق، وأفتى بعضهم بجواز الإجهاض قبل ولوج الروح فيه إن كان استمرار الحمل يسبب خطراً على حياة المرأة أو الحرج الشديد الَّذي لا تستطيع تحمّله حسب ما يراه العقلاء المتشرعة في مثل ذلك.

ثالثاً: الخوف على حياة الأم كما لو أكَّد لها الطبيب أن استمرار الحمل فيه خطر على حياتها كما لو كان الحمل خارج الرحم أو ما شابه ذلك، وتوقف الأمر في ذلك على استمرار حياتها أو حياة الجنين وقطعت المرأة بصدق الطبيب وكلامه فهنا جاز لها الإجهاض من باب الدفاع عن النفس، والمحافظة على نفسها من الهلاك، ولم أجد معارضاً في ذلك من فقهائنا حسب ما أعلم.

رابعاً: الخوف الناشئ من كلام الطبيب أن الجنين سوف يولد مُشوَهاً أو مُعاقاً ويكون بالتالي عالة على والديه وعلى المجتمع. ففي هذه المسألة لا يجوز الإجهاض أبداً لدخول ذلك تحت عنوان القتل والحرمة اللتين تكلّّمت عنهما الآيتان الكريمتان في ما تقدم.

وفي جميع الحالات الآنفة الذكر لو أقدمت المرأة أو زوجها أو الطبيب أو أي شخص آخر على عملية  الإجهاض المُحرَّمة شرعاً أو الجائزة في بعض التفصيلات الآنفة الذكر فيتحمل المباشر لذلك الديَّة شرعاً على تفصيل ذكره فقهاء الإماميّة في بحوث الحدود والديات. هذا وحتى لو أتى الإجهاض نتيجة لشرب المرأة لبعض الأدوية والعقاقير الخاصة بذلك مع التعزير والقصاص حسب ما يقرره الحاكم الشرعيّ في أحيان أخرى.

 

ب ـ مع الشيخ جاد الحق:

في مقابلة صحفيّة لصحيفة «اللواء» البيروتيّة مع سماحة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور جاد الحقَّ عليِّ جاد الحقَّ شيخ الجامع الأزهر في3/11/1995م، حول الإجهاض أفتى سماحته بحليّة الإجهاض قبل ولوج الروح في الجنين بشكل مطلق مستدلاً بآراء فقهاء المذهب الحنفيّ حيث نقل عنهم أنّه يباح إسقاط الحمل ـ ولو بلا إذن الزوج ـ قبل مضي أربعة أشهر ـ قبل نفخ الروح، وهذا لا يكون إلاَّ بعد هذه المدة، فلا أقلُّ من أن يلحق المرأة إثم هنا إذا أسقطت من عذر، كأن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به المرضع ويخاف هلاكه».

وإيراد باقي فتاويه الواردة في هذه المقابلة يحتاج إلى قراءة جديدة وَرَّدٍ عليه من فقهاء المذهب الحنفيّ بشكل خاص، وسائر المذاهب الأربعة بشكل عام لما فيها من خروج على منطوق ومفهوم الكتاب والسُنّة، وفتاوى أئمة المذاهب الأربعة رحمهم الله تعالى.

 

ج ـ مع مؤتمر السكان العالمي الذي ترعاه الجمعية العامّة للأمم المتحدة:

من أهداف هذا المؤتمر العالميّ إباحة الإجهاض بإيجاد تشريعات له في جميع الدول التي تحرِّمه. قال الرئيس الأميركي بيل كلينتون: «إنَّ الولايات المتحدة ستؤيد حقَّ الاختيار بشأن الإجهاض في جميع أنحاء العالم في مؤتمر سكاني للأمم المتحدة يعقد في القاهرة في أيلول المقبل. إلى أن يقول: إن هذا الإجراء ينبغي أن يكون اختياراً شخصياً وليس فرضاً عاماً» وقال: إنّ واشنطن «تحترم اختلاف نصوص القوانين الوطنيّة» بشأن الإجهاض، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة لن تحاول حجب مساعدات الأمم المتحدة إلى 18 دولة تحظّر الإجهاض.

كما أن لهذه المؤتمرات السكانيّة أهداف أخرى كإباحة الشذوذ الجنسيِّ، وإباحة العلاقات الجنسيّة بين الجنسين دون زواج ونحو ذلك مما هو خارج عن موضوع البحث.

 

د ـ خلاصة الكلام:

وخلاصة الكلام أنَّ القول بإباحة الإجهاض بشكل مطلق وقوننة ذلك هو تحدٍ لإرادة الله تعالى ومشيئته وقضائه في تكريم الإنسان وإستعمار جديد للشعوب الفقيرة والمستضعفة بإسم تنظيم الأسرة ونحو ذلك من شعارات. 

(رئيس التحرير)