من هو المؤمن؟

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

المدير المسؤول: الشيخ الدكتور 

أحمد محمد قيس   

درجت العادة في المجتمعات الإنسانيّة على تقسيم وتصنيف المجتمع لفئات أو طبقات مختلفة، وفي بعض الأحيان متباينة،(كالمعلمين أو الأطباء أو المهندسين أو الحرفيين أو العمال) أو ما شابه، و(الفقراء والأغنياء أو المؤمنين والعلمانيين) أو نحو ذلك ـ وهذه العادة تشمل أيضاً المجتمعات الإسلاميّة ولا تشذُّ عنها، إلا أنّه داخل المجتمع الإسلاميّ هناك جملة من التصنيفات تنشأ نتيجة لإعتبار مدى قرب أو بعد الفرد عن الإلتزام بالأحكام والقوانين الشرعيّة الإسلاميّة، هذا ما يمكن ملاحظته من خلال بعض المسميات التي تطلق على بعض الأفراد(كرجل الدين) أو(الحاج) أو(الأخ) أو ما هو بهذا المعنى، وبالتالي يمكن القول أن المجتمع الإسلاميّ يتكون من فئتين مختلفتين بهذا اللحاظ:

أ ـ      فئة المؤمنين الذين يلتزمون بالأحكام الشرعيّة كالصلاة والصيام والحج والزيارة والخمس والزكاة  الخ..

ب ـ    وفئة المسلمين الّذين يشاركون الفئة الأولى بالمسائل الإعتقاديّة كالتوحيد والنبوة والمعاد ولكن في سلوكياتهم لا يلتزمون بالأحكام والقوانين الشرعيّة.

بيْد أنّه يمكن تقسيم الفئة الأولى إلى قسمين أيضاً:

الأوّل: أولئك الّذين يطبقون التعاليم والأحكام الشرعيّة بوعي وثقافة لكن من مشارب في المسألة الفقهيّة الواحدة.

الثاني: أولئك الذين يطبقون التعاليم والأحكام الشرعيّة بنسبة أقل من الوعي أو بنوع من أنواع التأثر بالوعيّ الجماعيّ والبيئيّ المحيط بهم، وبالتالي ما ينعكس على سلوكياتهم التي تتميز بنوع من أنواع التقوقع أو الإنغلاق على الذات.

بناءً على ما تقدم، تبرز جملة من الأسئلة: إذاً من هو المؤمن؟ ما هي صفاته؟ وكيف يمكن تصنيفه ووفق أي قاعدة؟ ومن هو  المخوّل القيام بهذا التصنيف؟

لا أحد غير الله عزّ وجل ورسوله(ص) يملك الجواب على مثل هذه الأسئلة، فالله سبحانه يقول في كتابه العزيز: }مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ {.

ويقول أيضاً: }فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُول{.

ويقول أيضاً: }مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ{.

ويقول أيضاً : }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا{. 

إذن الطريق واضح لا لبس فيه، كما أنّه يحمل الأجوبة على مثل هذه الأسئلة وغيرها.

يقول الله عزَّ وجل  في محكم كتابه: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{.

وبحسب منطوق هذه الآيات الشريفة فإنّ المؤمن هو الذي تتوفر فيه هذه الصفات المذكورة حصراً كما تفيد بذلك أداة الحصر (إنَّما) وهذا بالإضافة إلى الإسلام أي الإقرار بالشهادتين وسائر الأركان وذلك من خلال قول الله عزّ وجل: }قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ{.

وهذا المعنى المذكور أكده النبيّ(ص)،من خلال قوله للإمام عليّ(ع): «يا عليّ أكتب، فقلت: ما أكتب؟ فقال: أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرّ في القلوب وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان وحلّت به المناكحة»(7).

وعن الإمام جعفر الصادق(ع): «دين الله، إسمه الإسلام، وهو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم، وبعد أن تكونوا، فمن أقرّ بدين الله، فهو مُسلم، ومن عمل بما أمر الله عزّ وجل به فهو مؤمن».

وعليه، أصبح(ع)، واصفاً الفرق بين الإسلام والإيمان، ولكن لماذا سميَّ المؤمن(بالمؤمن) وما هي صفاته؟

يقول الرسول الأكرم(ص): «ألاّ أنبئكم لم سميَّ المؤمن مؤمناً؟ لإيمانه النّاس على أنفسهم وأموالهم».

وعن الإمام الصادق(ع): «...إنما سميَّ المؤمن لأنّه يؤمن من عذاب الله تعالى، ويؤمن على الله يوم القيامة فيجيز له ذلك...».

هذا عن وجه تسميته بالمؤمن، أمّا عن صفاته فيقول النبيّ(ص): «المؤمن أكرم على الله من ملائكته المقربين».

وعنه(ص) أيضاً: «نظر النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الكعبة فقال: مرحباً بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله!!! والله للمؤمن أعظم حرمة منك لأنّ الله حرّم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله ودمه وان يَظنّ به ظنُ السوء».

وعن الإمام محمّد الباقر(ع): «إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، والمؤمن الذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعديّ وإلى ما ليس له بحق».

وعن الإمام جعفر الصادق(ع): «المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤنة، جيد التدبير لمعيشته، لا يلسع من حجر مرتين»(14).

وعن الإمام عليّ بن الحسين(ع): «المؤمن يصمت ليسلم، وينطق ليغنم...»(15).

وعن الإمام جعفر الصادق(ع): «المؤمن حليم لا يجهل، وإن جُهِلَ عليه يحلم، ولا يظلم وإن ظُلِمَ غفر، ولا يبخل وإن بخل عليه صبر»(16).

وعن رسول الله(ص): «المؤمن يأكل بشهوة عياله، والمنافق يأكل أهله بشهوته»(17).

وعنه(ص) أيضاً: «المؤمن الّذي نفسه منه في عناء والنّاس منه في راحة»(18).

وعن الإمام عليّ الرضا(ع): «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليه،: فأمّا السنّة من ربّه فكتمان السّر، وأمّا السنّة من نبيّه فمداراة النّاس، وأمّا السنّة من وليّه فالصّبر في البأساء»(19).

كما توجد العديد من الروايات  والأخبار عن النبيّ وآل بيته الطاهرين R، حول هذا الموضوع لا يسع المجال لاستعراضها في هذه العجالة إلاّ أننا وقبل أن نختم هذه المقالة ننقل رواية عن علامات المؤمن وأخرى عن إيمان المؤمن بالله والرسول.

وعن الإمام عليّ بن الحسين(ع): «علامات المؤمن خمس...! الورع في الخلوة، والصدقة في القلّة، والصبر عند المصيبة، والحلم عند الغضب، والصدق عند الخوف»(20).

وعن رسول الله(ص)، أنّه قال: «متى ألقى اخواني؟ قالوا: ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابيّ، وإخواني الّذين آمنوا بي ولم يرونيّ، أنا إليهم بالأشواق»(21).

هل نحن من الّذين يشتاق إليهم رسول الله(ص)؟ فلنخلص النية، ولنشحذ الهمة، ولنفرغ الوسع في العمل حتى ننال شرف هذا اللقاء مع سيّد المرسلين وخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه المنتجبين، فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل والله سبحانه الموفق والمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين