لبنان في مرآة رحالة ايرانيين

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

د. طوني جورج الحاج

صنّف الدكتور طوني جورج الحاج كتاباً جمع فيه آراء الرحالة الإيرانيين وأثرها وربطها بجدلية التفاعل الثقافي بين لبنان وإيران خلال ألف عام تقريباً. حيث قام بترجمة القسم الخاص بلبنان من سبع رحلات وجمعه في هذا الكتاب النفيس المؤلف من:238 صفحة من القطع الوسط صادر عن منشورات لواسان في بيروت ـ الطبعة الأولى عام 2009م، الموافق لعام 1430هـ.

كما قام الدكتور الحاج بتعريف أصحاب تلك الرحلات وتاريخ حدوثها وأسبابها وافراد ما جاء بها عن لبنان ومدنه وشعبه وعاداته وتقاليده في هذا الكتاب والتي استرعت إنتباه أولئك الرحالة. والرحلات السبع هي:

أ ـ رحلة ناصر خسرو أو «سفر نامه» عام 437هـ ـ ق في العام 1054م، وناصر خسرو كان من الأدباء الحكماء صاحب الميول الإسماعيليّة الشيعيّة وكان يعمل في إدارة جفري بك داود ميكائيل السلجوقي في مدينة مرو، وهو شقيق طغرل بك مؤسس دولة السلاجقة الأتراك في بلاد ما وراء النهر وإيران والعراق. وقد رأى ذات ليلة رجلاً يؤنبه على حياته اللامبالية وعلى معاقرته الخمرة ويطلب منه التوبة والذهاب إلى حج بيت الله الحرام. وهكذا كان حيث قدَّم إستقالته وقرر التوبة والتوجه إلى بيت الله الحرام وقد بدأت رحلته عام 437هـ/1045م، وانتهت بعد سبع سنوات أي عام 444هـ/1052م.

زار خلالها مدن إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر حيث لبث بها ثلاث سنوات وخلال هذه الإقامة بها قام بأداء فريضة الحج مرتين كما تأثر بالمذهب الإسماعيلي وأصبح من رجالاته ودعاته في إيران بعد رجوعه إليها من قبل الخليفة الفاطميِّ في القاهرة.

جاء في كلامه عن مدينة طرابلس أنَّ ضواحيها مكسوة بالأغراس والبساتين والكثير من قصب السكر، وأشجار النارنج والترنج والموز والليمون والنخيل، وكان النّاس مشغولين بإستخراج عصارة قصب السكر. وقد بنيت مدينة طرابلس بطريقة جعلت ثلاثة من جوانبها متصلة بالبحر، إنّ مساحة المدينة ألف أرش بألف أرش(1).أمّا أبنيتها فتتألف من أربع أو خمس طبقات، وتصل أحياناً إلى ست طبقات، شوارعها وأزقتها نظيفة وجميلة وكل ما شاهدته من طعام وفاكهة في أراضي العجم كان موجوداً في هذه المدينة، وقد أنشأوا وسط المدينة مسجداً جامعاً عظيم الشكل نظيفاً وجميلاً جداً ومحصناً، كما أنشأوا في ساحة المسجد قُبةً كبيرة جداً، وتحت القبة حوضاً مبنياً من الرخام، وسطه فوارة ماء صالح للشرب، وقيل إن سكان المدينة يبلغون عشرين ألفاً، تتبعها رساتيق وقرى كبيرة، وفيها يصنعون ورقاً حسناً كالورق السمرقندي لا بل أفضل منه.

المدينة تابعة لسلطان مصر» الفاطمي» وقالوا في سبب ذلك إن عساكر الروم عندما هاجموها وحاربهم سكانها المسلمون وقهروهم، رفع سلطان مصر الخراج  عنهم، وفيها عساكر من جيش السلطان بصورة دائمة، يصدّون عنها هجمات الأعداء. أمّا سكان طرابلس فكلهم من أهل التشيع، وللشيعة في كل البلاد مساجد جميلة، وقد رفع فيها بناء على شكل رباط يعرف بإسم المشهد، إلا أنّه غير مسكون(2). إلى أن يقول: «ومنها وصلنا إلى مدينة جبيل بنيت على شكل مثلث تصل زاويتها إلى البحر، وقد أنشأوا حائطاً قوياً جداً وحصيناً حولها بالكامل، شاهدت فتى يحمل وروداً بيضاء، وأخرى حمراء جميلة جداً، وبعدها وصلنا إلى مدينة بيروت (3)» ثم يتكلم عن مدينتي بيروت وصيدا مظهراً إعجابه بالقبب الموجودة في بيروت وحجارتها وببساتين صيدا ومسجدها الجامع وسورها العظيم والذي له ثلاثة أبواب ثم يتكلم عن مدينة صور وتحصيناتها وسورها العظيم إلى أن يقول عنها: «إنّ هذه المدينة معروفة بغناها ووفرة محاصيلها وسط جميع مدن ساحل الشام، إنّ معظم أهلها هم من الشيعة، ويقولون إنّ القاضي فيها رجل سُنيّ المذهب ابن أبي عقيل، إنّه رجل حسن وعاقل ومقتدر، وقد أقاموا عند بوابة المدينة مشهداً جيداً، ووضعوا الكثير من السجاد، والفرش، والقناديل، والأضواء الملونة فيه (4).

ب ـ رحلة ميرزا نايب الايالة حفيد فتح علي شاه «سفر نامه رضا قلي» تاريخ الرحلة 1253هـ، ش عام 1874م.

إنّ المؤلف رضا قلي ميرزا ابن حسين علي ميرزا ابن  فتح علي شاه القاجاري كان برفقة أخويه الاثنين، نجف قلي ميرزا، وتيمور ميرزا، ففي ذلك الحين وقف والدهم «فتح علي شاه «ضد محمد شاه، فتمَّ سجنه في شيراز، فاستطاع الأمراء الثلاثة الوصول إلى خوزستان عن طريق ممسين، ومنها إلى العتبات المُقدسة في العراق ثُمّ أخيراً إلى لندن عن طريق بيروت في عام 1874م، وفي رحلتهم من دمشق إلى بيروت في فصل الشتاء صادفوا عاصفة ثلجيّة خطيرة مات بها بعض»المكارية» والذي خفف عليهم عناء هذه الرحلة إستقبال مختار بلدة حمانا وبعض أهاليها ومساعدتهم لهم بلطف وحُسن ضيافة وإحترام. وفي بيروت استرعى إنتباه الرّحالة رضا قلي أنّ أهالي مدينة بيروت سوروا منازلهم بأشجار الصبير بدلاً عن الأسوار. كما صادف وجوده في بيروت يوم إحتفال الأهالي المسلمين بيوم عرفة وعيد الأضحى المبارك، والمسيحيين بعيد لهم وقد إجتمع قرابة العشرين ألفاً منهم للإحتفال بهذين العيدين «وقد إرتدوا أفخر الثياب، وأقاموا الأفراح في كل ناحية، ونصبوا دواليب الهواء في عدة جهات من الساحة، وبدت النساء الحسناوات كالكواكب المضيئة، وقد وضعوا في الناحية الأخرى من الساحة مراجيح عدّة، كان يلهو بها عدد من الصبيان والنسوة الجميلات كالأقمار.

مدينة ملأى بالغنج والجمال من جهاتها الست

وأنا لولا إنعدام حيلتي لاشتريت تلك الجهات»(5).

ج ـ رحلة فرهاد ميرزا معتمد الدولة «رحلة فرهاد ميرزا «تاريخ الرحلة 1254ش الموافق 1875م.

غادر طهران متجهاً إلى مكة، وذلك عن طريق روسيا، فالدولة العثمانيّة فمصر وبعد مائتين وثلاثة وثلاثين يوماً إستعمل خلالها العربات، والسكك الحديديّة، والسفن، والأحصنة، والجمال عاد إلى طهران بإستقبال عظيم في السابع والعشرين من نيسان 1876م.

ومما جاء في رحلته عن بيروت: «تقع مدينة بيروت على مرتفع وجبل، ومنازلها متقابلة مبنية بذوق وجمال، يقطن فيها حوالي ثمانين ألفاً من كل مجموعة وطائفة.

يقع جبل كسروان شرقي مدينة بيروت، حيث ما زال الثلج يغطيه، ويقولون إنّ الثلج هناك يبقى طيلة الصيف، حتى أنه يصل أحياناً إلى مدينة بيروت، هذا الجبل هو قسم من جبل لبنان العظيم المعروف الذي يمتد من طرابلس شمالاً حتى صيدا جنوباً.

يعبر بيروت نفسها نهر يمرُّ من شرق المدينة، ويصل إلى البحر، إن ماء هذا النهر ليست جيدة أبداً، كما أن هناك نهراً آخر إسمه نهر الكلب، يجري من أعالي كسروان ويصب في البحر، قامت شركة إنكليزيّة بجر مياه هذا النهر إلى مدينة بيروت حيث يستعمل للشرب إنّ مسافة الطريق من نهر الكلب إلى بيروت هي أربع ساعات»(6).

د ـ رحلة الميرزا محمد حسين حسينيّ فراهاني الموافق 1302/0303هـ. ق 1884م/1885م.

وهي رحلته إلى حجِّ بيت الله الحرام، وبعد تأديته لمناسك الحج عاد عن طريق مدينة ينبع الواقعة على البحر الأحمر إلى ميناء بيروت ثُمّ إلى إستانبول ثُمّ إلى طهران.

ومما جاء في كلامه عن بيروت: «إنّ الحجاج الّذين يتجهون إلى بيروت هم غالباً من أهالي الشام، ونادراً ما يكونون من أهالي العراق، ويبدو أن عشرين نفراً من العجم (7) ذهبوا أيضاً إلى بيروت، وسوف يذهبون من بيروت إلى عكا، ذلك أن الميرزا حسين علي رئيس البابيّة موجود في عكا، وسوف تذهب هذه المجموعة إلى هناك للقائه، إنّ عكا بالقرب من بيروت طول الطريق من ينبع إلى بيروت هي ستة أيام أو سبعة أيام دون توقف.»

ومن بيروت إلى مدينة الشام تستمر الرحلة بالسكة الحديد اثنتي عشرة ساعة، أمّا الأشخاص الذين ينوون السفر إلى بغداد، فهم يذهبون بالمراكب البحرية إلى مرفأ الاسكندرون حيث تستمر الرحلة يومين»(8).

هـ ـ رحلة الحاج ﭙيرزادة تاريخ الرحلة 1304هـ.ق الموافق لعام 1887م.

ورحلته مؤلفة من جزأين يتكلم بهما عن رحلته إلى مدن جنوب طهران وزيارته للهند ومدينة بومباي وبالتالي زيارته لمصر إنطلاقاً من الهند ومن ثُمّ زيارته لفرنسا وبريطانيا وفي الجزء الثاني يتكلم عن باريس ومصايفها وزيارته برلين وفيننا وبوخاريست واستانبول ومن ثُمّ عودته إلى مصر، وزيارته للإسكندريّة والقاهرة وزيارته لمسجد ومقام الإمام الحسينQ، وزيارته لبيروت مروراً بحيفا وعكا، ومما جاء في كلامه عن بيروت ولبنان: في بيروت نزل في خان سرسق وهو مكان جميل ونظيف وقام بجولة سياحيّة في بيروت وجبل لبنان بصحبة بعض موظفي القنصليّة الإيرانيّة وقد أُعجب بقرى الجبل التي زارها حيث قال : «فكله مزروعات وأشجار وأبنية جميلة جداً وطرق مُعبدة وقلما يشاهد مكان كجبل لبنان بإستثناء جبال إيطاليا التي وصفتها في الـ «سفرنامه» ذلك أنني لم أشهد مثل هذه المزروعات وهذا العمران في مكان آخر غير جبل لبنان»(9).

و ـ رحلة مهدي قلي هدايت، مخبر السلطنة في 1321هـ.ق الموافق لعام 1903م،

قام بالرحلة المرحوم الميرزا علي أصغر خان أتابك ومهدي قلي كان من مرافقيه وكتبتها. وقد زار موسكو ومن ثُمّ زار الصين عن طريق سيبيريا وتكلّم عن المسلمين في الصين ووصف سور الصين العظيم ومدينة شانغهاي كما زار طوكيو ومن هناك سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة عن طريق سان فرانسيسكو كما سافر إلى مصر عن طريق الإسكندريّة ومنها إلى جدّة والديار المقدّسة في الحجاز ومنها إلى الشام حيث زار دمشق وبعلبك وبيروت كما زار فلسطين والمسجد الأقصى ومن ثم الإسكندريّة ومنها توجه إلى بور سعيد في مصر ومنها إلى أوروبا.

ومما جاء في كلامه عن بيروت: «تعتبر بيروت من أكثر نواحي البحر الأبيض المتوسط عذوبة طقس، وفيها طراوة ومناظر خلابة. تقف السفن الضخمة بعيدة نصف فرسخ عن الشاطئ. وهي مكان مركز مهم للنشر والطباعة.

إنّ مدارس بيروت ومستشفياتها، أمكنة مهمة حيث يهتم بها البعيدون والقريبون، وهناك مجموعة من الشباب الإيراني كانوا مشغولين بتحصيل العلم في بيروت»(10).

ز ـ رحلة ومذكرات الدكتور قاسم غني عام 1326 ش الموافق عام 1947م.

والدكتور قاسم غني من وزارة الصحة الإيرانيّة سافر إلى بيروت بالطائرة من طهران عن طريق بغداد كما سافر منها إلى جنيڤ للمشاركة في أعمال الجمعيّة الدولية للصحة وعاد منها إلى القاهرة حيث زارها وزار الجامع الأزهر ووصفه وعاد بعدها إلى طهران. ومما جاء في كلامه عن بيروت ولبنان أنّه وصل إلى بيروت الواحدة بعد الظهر وكان في إستقباله في المطار بعض الأصدقاء الإيرانيين ومنهم السيد كامل نعماني وقد ذهبوا به إلى بعض فنادق بيروت فلم يجدوا له مكاناً فذهب به صديقه نعماني إلى مدينة صوفر وأخذ له غرفة في فندق «غراند هوتيل» وهو فندق جيد جداً كما قد التقى بمنزل صديقه الآنف عدداً من ضيوفه اللبنانيين كان منهم المحامي ريمون إده نجل رئيس الجمهورية اللبنانيّة السابق إميل إده.

كما التقى بمستشفى الجامعة الأمريكيّة بزميله في الدراسة الدكتور مصطفى خالدي وهو مهتم بالدعوة إلى الإسلام من خلال جمعيّة «الشبان المسلمين» التي هي برئاسته.

كما له نشاطات تتعلق بالجمعيّة الآنفة الذكر وعدّة مشاريع لبناء بعض المساجد. كما ذهب لزيارة قلعة بعلبك ثُمّ قال في ختام ملاحظاته عن بيروت: [«وبشكل عام إنّ ما اكتشفته في بيروت، يظهر نوعين من الضرر ألحقه الفرنسيون بأهالي لبنان، وبيروت تحديداً، وخاصة في الطبقات الغنية والمتمولة والتجار، ومنها الرقص، الخفة، قلة العقل... وترك مكارم الأخلاق العربيّة وفضائلها، كذلك ترك الأشياء الشرقيّة الجيدة».

«لقد أُهملت اللغة العربيّة عند طبقة الأغنياء، واستبدلت باللغة الإفرنسيّة» أصبح اللبنانيون يتحدثون بها وكأنّها لغتهم الأم.

«والواقع أنَّ الفرنسيين حيثما حلّوا في الشرق سمموا أفكار النّاس وأرواحهم، فعمت الرشوة والسرقة، كما سيطر النفوذ والمال على كل نواحي الإنتخابات كان إميل اده، مقرباً من الفرنسيين، واليوم فإنّ بشارة الخوري، مقرب من الإنكليز»](11).

(رئيس التحرير)