إحياء التراث الشعبيّ

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

يمكننا تعزيز وإحياء التراث الشعبيّ من خلال القيام بعدّة أمور، من أهمها تعزيز المتاحف ومراكز الأبحاث وتعميمها في الوطن العربيّ، أولاً. ثانياً، من خلال إنشاء مركز عربيّ للتراث والفنون الشعبيّة، ترعاه وتديره جامعة الدول العربيّة والذي يتلخص دوره في متابعة الجهود المبذولة، لتأصيل مناهج العمل في مجال التراث والفن الشعبيّ والتقدم المستمر في الدراسات الفولكلوريّة والإنترويولوجيّ. وأيضاً في تدريب عاملين في مجال جمع وتصنيف وأرشفة التراث والفنون الشعبيّة بحيث تستفيد المتاحف والمراكز والمعاهد من الخبرات الجديدة، وتنظيم الدراسات والبحوث، وإنشاء المكاتب وإصدار الدوريات والأفلام المتخصصة في هذا المجال. إضافة إلى تنظيم وسائل التعريف بالتراث الشعبيّ من خلال نشر الأبحاث والصور والوثائق. والقيام بتعريف الغرب بتراثنا وأبحاثنا وإبراز ما فيه من مقومات حضاريّة وثقافيّة، كذلك، الإهتمام بالعمل الميدانيّ على قاعدة إستخدام الأجهزة السمعيّة والبصريّة الحديثة، والإستفادة من الدور التربويّ والثقافيّ للتراث الشعبيّ، وتسخيره في خدمة برامج التربيّة الفنيّة في الجامعات العربيّة وذلك على نسق «معهد الفنون الشعبيّة» في مصر، على أن تستطيع هذه الجامعات خلق أجيال من الباحثين والفنانين، لديهم الإلمام المطلوب بأصول دراسة التراث والفن الشعبيّ. أخيراً، أن يكون التراث الشعبيّ محط أنظار الباحثين، فيكتبوا عنه ويعقدوا حوله  المؤتمرات وإقامة المراكز والمتاحف لحمايته وصونه من الإندثار، على أن تكون هذه المراكز غنيّة بالصور والمشاهد.

وللمتاحف دور هام في حماية وإبراز التراث الشعبيّ وتعريفه على النشء الجديد. وكمثال للمتاحف، نأخذ متحف التقاليد الشعبيّة في دمشق الذي أنشئ عام 1954م، وهو تابع لقصر أسعد باشا والي الشام أيام العثمانيين، والهدف من إنشاء هذا المتحف كان لحفظ الأثاث والثياب والحلي، وعرض منتجات الصناعات الفنيّة والتقليديّة التي اشتهرت بها بلاد الشام كصناعات النسيج، والتطريز والحفر والتذهيب.

تؤلف الثروات التي إجتمعت فيه بعد أن اقتنيت من مختلف المناطق السوريّة، تراثاً نادراً للغاية، ويعدُّ هذا المتحف الأوّل من نوعه في الشرق الأدنى، وكان ما حققه من نجاح سبباً في دفع بعض البلاد المجاورة لإنشاء متاحف ومراكز على غراره. كما أنّ محتويات هذا المتحف جمعت عن طريق شراء القطع من المناطق والأحياء الشعبيّة، والبعض منها دون مقابل وتعتبر هذه المقتنيات من أفضل المجموعات التراثيّة والتي تعود إلى القرنين الثامن والتاسع عشر. ويحتوي متحف التقاليد الشعبيّة في دمشق على جناح خاص للصناعات اليدويّة، يضم الأزياء المطرزة، وصناعة الفخار والسجاد والقش وصناعة الجلد والنسيج والزجاج، وحرفاً أخرى وزعت على قاعات عديدة.

أولى هذه القاعات، قاعة المقهى الشعبيّ، وهي تضم أهم الوسائل الثقافيّة الشعبيّة، ونماذج آدميّة مصنوعة من الشمع، تمثل قرويين بلباسهم البلدي(طرابيش، كوفيات، وعباءات)، البعض يعزف على (الفلوت) والبعض الآخر يلعب الشطرنج، وآخرون يتابعون قصص الحكواتي الجالس على منصة مرتفعة، متصدراً المقهى بجلبابه وطربوشه المائل يسرد سير وحكايات الأقدمين.

هذا، ونشاهد في إحدى زوايا القاعة صندوقاً ذا دوائر بلوريّة، إنّه صندوق العجائب المزخرف بالألوان، بشتى الأقوال والأمثال الشعبيّة، وفي زاوية أخرى نرى نموذجاً لمسرح خيال الظلِّ، مُضاءً من الخلف وتظهر على شاشته البيضاء خيالات مصنوعة من الجلد.

إلى جانب هذه القاعة، هناك قاعات أخرى، موضوعة في حيز فولكلوريّ، كل منها يمثل جانباً من تراثنا الشعبيّ، فيها قاعة الحج ومراسمه، فيها المحمل المغطى بالحرير الأسود والمطرز بخطوط ونقوش وزخارف من لون الذهب، ويبدو محمل الحجِّ محمولاً على ظهر جمل يحيط به حارسان وسنجق، وفي القاعة أيضاً آيات وأحاديث، وصيّة منها كتب عليها قصيدة مدح للأمير زيد بن الملك حسين، خطها نسيب مكارم ولا تقرأ إلاّ بواسطة المجهر، وقاعة الملك فيصل ابن الشريف حسين وأثاثها القديم المزخرف بالعاج والرخام، تاريخها يرجع إلى 2500 سنة مضت.

وغرفة الحماة، المرأة العجوز التي تَهزُّ سرير حفيدها ومن حولها(الكناين)، ويبدو المشهد رائعاً من خلال خلفية غنية بالسجاد العجميّ، والأثاث الإيرانيّ، والخزف الصيني، والحياكة العربيّة، ثُمّ قاعة العروس بنسائها الأربع وأزيائهنّ التقليديّة يحملن العروس ليلة(خلوتها) ومعها (الماشطة والمغنيّة) والأهل والأقارب. إلى جانب تلك الغرف والقاعات، قاعة الإستقبال، وعمرها مائة سنة، والحمام الشعبيّ في مظهره التقليديّ، والغرفة الموسيقيّة المزودة بشتى الآلات القديمة(كالعود، والبزق، والفلوت، والطبلة، والربابة). أمّا قاعة الأسلحة ففيها أهم ما إستخدمه العرب من سلاح في حروبهم وغزواتهم كالسيوف والخناجر والبنادق والسكاكين، أمّا بالنسبة لقاعة الضيافة العربيّة، وهي تمثل الإستقبال والكرم، وفيها المهباج ووسائل تحضير القهوة.

إنّ القاعات غنيّة وكثيرة ومتعددة كتعدد أوجه التراث، وكثرة الفنون الشعبيّة، منها الفولكلور العربيّ، فهناك الديكور المطعم بالعاج، والمزخرف بالسيراميك وهناك الفخاريات والنحاسيات والجلديات، منها صنع الزجاج، وهناك الأزياء الريفيّة، النول القديم، وبعض المغازل والمطرزات الشاميّة والعباءات والسراويل والمناديل وأزياء أخرى، إضافة لهذا أنشئ في سوريا متحف للفنون الشعبيّة، وجناح خاص للتقاليد الشعبيّة في متحف حماة، وأخرى في متحف طرطوس، كما أقيم جناح لتقاليد الباديّة في متحف تدمر. إلى جانب هذه المتاحف، هناك سوق المهن اليدويّة في دمشق، وهو عبارة عن محترفات يغلب عليها الطابع التقليديّ، موزعة على فنون الرسم والسجاد والأزياء وتصميم الجواهر، والزجاج المعشق والسيراميك والخزف والخشب المحفور، والنقش على النحاس وصناعة الجلد والأقمشة والأثاث.

إلى جانب حفظ مادة التراث، يجب تهيئة المتحف وتنظيم المعارض، تكوين مجموعات من الأثاث والتحف، إصدار مجلة دوريّة تبرز نتيجة بحوث أعضاء الفريق، وجمع الوثائق والمعلومات عن التراث التقليديّ وتبويبها لتسهيل عمل الباحثين.

إنّ وجود مثل هذه المراكز وسط هذه الثروة الهائلة من الفنون، تساعد  على حماية وصون وأرشفة جوانب كثيرة من العادات والتقاليد مثل صناعة السفن وصيد اللؤلؤ، حياكة الأزياء والرسم على الخزف، أغاني المواسم وأمثال  الشيوخ. وتدوين وتحقيق كل ما له علاقة بالتراث الشعبيّ في الدول العربيّة، وتقديم  الدراسات ونشرها وربطها بالتراث العالميّ، وتحديد دوره ومكان التراث العربيّ.. فيها ومن أهداف هذه المراكز وغاية هذا التراث كثروة قوميّة. كما يتلخص دورها في الجمع الميدانيّ لمادة المأثور الشعبيّ بناء على مشاريع تَعدُّ في المركز وتقوم بإعداد فريق عمل يكون مكوناً  من جامع ومصور فوتوغرافيّ، وفني صوت، ورسام مُشرف على البحث وهو الباحث الرئيسيّ. أمّا رئيس الفريق ومهمته تنفيذ وتحقيق الأهداف التي وضعها الباحث الرئيسي، وهو المسؤول عن خطط المشروع بشكل كامل. كما يجب تدريب فريق العمل الميدانيّ، لإنتاج عمله ومتابعة الدراسات ما بعد الميدانيّة، سواء كانت صوراً فوتوغرافيّة، أو تسجيلات صوتيّة أو مادة مكتوبة ومن ثُمّ يقام بفهرست وحفظ هذه المواد في المكتبة العامّة لتكون في متناول الباحثين والمهتمين، تجدر الإشارة إلى أنّه يجب إعطاء الأولويات للعمل الميدانيّ، فدائماً تبدأ بالمجال الأكثر تعرضاً لخطر الإندثار، كالطرق التقليديّة في صناعة السفن، وبعض أنواع الغناء الشعبيّ، وإصدار مجلة فصليّة تعنى بالمأثورات الشعبيّة وتهتم بالجانب النظريّ والدراسات الميدانيّة والتي تعتبر مادة مرجعيّة(أرشيف) مهمة تتوجه لكل الباحثين والمختصين.

مثال لمراكز التراث الشعبيّ:

لدينا مركز التراث الشعبيّ لدول الخليج العربيّة في قطر، وهو إحدى المؤسسات الخليجيّة المشتركة، تأسس عام 1982م، ويشترك في عضويته كل من دول الإمارات وقطر والكويت والسعوديّة وَعُمان والعراق.

هذا المركز يعتبر من أهم المؤسسات التي تعني بالتراث على صعيد الوطن العربيّ، والسبب هو إعتماده على الأبحاث الميدانيّة وهي أهم وسيلة عمليّة لدراسة الفولكلور، خاصة أن فنوننا الشعبيّة عانت الكثير من الإهمال، وهذا لا يعني بالطبع عدم جدوى وجود المؤسسات الأخرى، بل يجب دعمها ومساعدتها لتنتقل من مرحلة العمل المتحفي إلى مرحلة العمل الميداني. إنّ التراث الشعبيّ يشكل جانباً مهماً من الثقافة الإنسانيّة، وعنصراً أساسياً في هيكليّة البناء الثقافيّ، بالتالي فهو يحمل تطلعات أجيال ويختصر طرية أُمَّة. ومظاهر الحياة الشعبيّة والفنون التقليديّة المحليّة هي من معالم الأصالة في الشعوب، لذا يجب الحفاظ عليها وإجراء الدراسات والمنشورات التي تقي جميع هذه المظاهر ونشرها للحفاظ على التراث الإنسانيّ الآخذ بالإندثار.

الزي الشعبيّ في المملكة العربيّة السعوديّة:

يقسم الزي الشعبيّ في المملكة العربيّة السعوديّة تبعاً للجنس والمنطقة. فالزي الرجالي، يتكون عند البدو والحضر، من الثوب والعقال والكوفيّة، وجميعها تعتمد الرداء كلباس أساسي إلا أنّها تتميز فيما بينها في التفصيل والتطريز.

فالبشت: هو العباءة الرجاليّة التي يرتديها الرجل فوق ملابسه «الدشداشة». والبشت هي كلمة فارسيّة يطلق عليها الإيرانيون كلمة «البوشت». كلمة بوشت تعني خلف، أي ما يلبس على الظهر وهي تحمل معنى كلمة «العباءة» في اللغة العربيّة، والبشت من الألبسة الخارجيّة للرجال بل حتى الأطفال كانوا يرتدونه في الماضي، ولكنه اليوم أصبح من ملابس الحكام والوجهاء وعلماء الدين وَعليَّة القوم.

أمّا بالنسبة للزي النسائي، فقد إشتهرت الجزيرة العربيّة منذ وقت طويل بأزيائها الفضفاضة والأنيقة التي كانت وما زالت تحتفظ بشكلها مع بعض التغييرات بها حيث يعتبر ثوب النساء النجدى من أشهر وأرقى الملابس النسائيّة في المملكة، يتميز بقصته الواسعة وحياكته الرقيقة من الخيوط الذهبيّة المطرزة بشكل أنيق، عادة ما يصنع هذا الثوب في الهند والبحرين والكويت، ويعتبر اللون الأسود المطرز بالذهبي من أرقى الثياب.

وتبعا للمناطق، فمنطقة عسير، تتميز الدراعة القبليّة بخيوطها المتوازية المحاكة، حيث تكثر هذه الخيوط على جانب من الأسفل من الدراعة، ويندر وجود هذه الدراعة الآن لسبب ندرة من يعرف حياكتها وارتفاع ثمنها. أمّا في منطقة الجنوب، فيتميز ثوبها بأنّه فضفاض، بتطريز متقن على الصدر والأكمام والذيل، وبأن قطعة القماش العلويّة أقصر بقليل لتظهر النقوشات التي في قطعة القماش السفليّة، وغالباً ما يكون من اللون الأحمر، كما يصنع من اللون الأخضر أحياناً.

 

د. وفيق جميل علاّم.

رئيس جمعيّة التنميّة السياحيّة المستدامة ولإحياء التراث في لبنان.