الحلقة الاولى: لماذا البحث عن الدين؟

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

يقول أناس.. أنّ لا مسؤوليّة هناك تفرض علينا البحث عن الدين... ويتساءلون عن الضرورة الدافعة لهم كي يفكروا في الدين، ونحن نوضح خطأ تفكير هؤلاء ـ فيما يلي ـ محاولين التركيز على ضرورة البحث عن الدين من جهتين؟

الأولى: حكم العقل القاضي أنْ يكون الإنسان شاكراً لمن أنعم عليه من خيرات.

الثانيّة: حكم العقل القاضي ـ بأخذ الحيطة ـ ودفع الضرر ولو كان إحتمالياً.

وها نحن نتوسّع في هذين الأمرين:

أ ـ مسؤوليّة الشكر:

نحن جميعاً نتمتّع بالخصائص الحياتيّة في هذا العالم: «الجهاز العصبيّ، جهاز التنفس، القلب، وباقي أعضاء أبداننا وكل منها ثمين وقيّم بحيث تتجاوز قيمته حدَّ تصورنا بل علمنا أيضاً.

وهكذا سائر أجزاء الكون المسخَّرة لبقاء وإستمراريّة الإنسان والمتعاونة في خدمته ومنها: «ضوء الشمس، وجود النباتات، المعادن، والمنابع الموجودة في باطن الأرض».

كل هذه تعدُّ من النعم الكبرى التي يستفيد الإنسان منها بواسطة العلم والطاقة اللّذين مُنحا للبشريّة. يضاف إلى ذلك الوعيّ والإستعداد العجيبين الموهوبين للنّاس بحيث يستطيعون معه أن يفجروا الجبال، وأن يولدوا من الماء والحديد وغير ذلك من العناصر أعظم القوى وأدقّ المخترعات، ومن هنا يصبح من المنطقي أن نتساءل!! ألا يجب أن نعرف هذا المنعم العظيم فنشكره بحكم مسؤوليّة الشكر؟.

تُرى لو أنّ رجلاً عاملاً للمعروف ومعيناً للضعفاء قام بتبنيّ طفل رضيع فقد أبويه وهيّأ له كل الوسائل الحياتيّة والتربويّة الصالحة، وما إن بلغ الحدَّ الذي يؤهله للتعلم حتى سخَّر لتعليمه خيرة الأساتذة وقدّم له أحسن الكتب، ووضع تحت إختياره ثروة ماليةٌ كبيرة...أي أنّه وفرَّ له كلّ إحتياجاته من جميع الجهات. أليس من الأحرى بهذا الإنسان أن يكون قبل كلِّ شيء مُقدّراً لخدمات ذلك الرجل الطيب؟ وشاكراً من أعماق قلبه لإحسانه؟.

وعلى هذا فإنّ السعي والتعمق في سبيل معرفة الدين الصحيح حكم عقلي لا شبهة فيه. إنّ ذلك الإنسان الذي لم يهتدِ بعد إلى الصراط المستقيم حيث ضلّ وانتهبه الضياع في دروب الضلال.. يجب عليه ـ أن لا يَدُّسَ رأسه في التراب قائلاً: لا يعنيني ـ بل عليه أن يعمل جاهداً على أن يصل إلى طريق الحقِّ والدين الصحيح ببرهان هادٍ ودليلٍ محكم.

وحينما يصل إلى منبع الحياة المعنويّة الساميّة والدين الواقعي الصحيح، لا بُدّ وأن ينهض بواجب الشكر ومقتضياته للخالق العظيم بكل إطمئنان وجدانيّ ونشاط طوعيّ.

ب ـ أخذ الحيطة للخطر والضرر المحتملين:

إن أخبرك طفل من أبناء قريتك بدخول حيّةٍ إلى منزلك، فإنّك ستنتفضُ من مكانك وتسرع لإبعاد الأطفال الصغار إلى مكان آمن من ضرر الأفعى، وقد تستنجد بكل من يمكنه مساعدتك على التخلّص منها وتبحث بكل دقة في كلّ ناحيةٍ من البيت وتتفحص أيّ قطعة يمكن أن تختبئ فيها حتى تعثر على الحية أو تتيقن من عدم وجودها.

وهكذا لو سمعت قبل قيامك بسلوك طريق من الطرق أو سفرة من السفرات بأنَّ هناك كميناً مُسلحاً يوقف المارة ويتصدى للمسافرين فإنّك لن ترفع قدماً عن قدم حتى تتأكد من سلامة تلك الطريق.

وإذا أعلنت المراصد الفلكيّة بأنّ هزةً أرضيةً عنيفةً ستحدث وفي غضون ساعات في بيروت «مثلاً» وستؤدي إلى دمار شامل، أو ما يجدر بمن يسكن هذه المدينة وبأسرع ما يمكن أن يُنقذ نفسه ذاهلاً عن كل ما حوله حتى ربما عن أطفاله وأبويه وماله علّه يسلم بنفسه من خطر الزلزال وضرره؟.

هذه الأمثلة الثلاثة توضح تماماً بأنّ الإحتياط من الضرر والتحسب من الخطر ضروريان بحكم العقل...

أعظم الأضرار:

إننا نعلم من التاريخ البشري بوجود أشخاص عرفوا بالصدق والإستقامة وعرّفوا عن أنفسهم أنّهم رسل الله ودعوا النّاس للإعتقاد بذلك وتطبيق القوانين المبتنيّة على هذا الإعتقاد. وبسبب جهودهم وسعيهم الحثيث في دعوتهم في أنحاء العالم آمنت بهم مجموعات من البشر يتجاوز عددها مئات الملايين واعتبرتهم مُثل الإنسانيّة الأعلى وقدّست أشخاصهم بحيث جعلت سنة مولد بعضهم مبدأ للتاريخ كما هو الحال بالنسبة إلى ميلاد السيّد المسيحQ، كما جعل يوم هجرة النبيّP، مبدأً للتاريخ الهجريّ.

وعليه فلا بُدّ أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي:

أليس لأقوال هؤلاء الأنبياءR، الّذين دعوا النّاس إلى الدين  وإتباع أوامره وحذروهم من مغبة أعمالهم السيئة، وأنّ المحاكمة التي ستجري للبشر عموماً في محكمة عظيمة أمام حاكم عالم وعادل أمر حتميٌّ لا محيد عنه، أليس لأقوالهم ما يدفع إلى التأمل والتفكير؟

مُضافاً إلى ذلك فإنّ الّذين كتبوا سيرة حياتهم... نقلوا أنّهم كانوا يئنون ويضجون وهم يتحدثون عن القيامة وأهوالها وعذابها، ويحذرون النّاس منها علّهم يتحصنون من مضار تلك الأهوال بالتقوى والعمل الصالح. }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{ سورة الحج، آية:1و2.

أو مَا تستحق أقوال هؤلاء الأنبياءR، الآن منا العناية والإلتفات من الإنسان بمقدار ما استحقَّ خبر ذلك الطفل أو العالم الفلكيّ... وهل من الحكمة والمنطق أن نتغاضى عن أقوال وأفعال المتدينين الّذين إلتزموا بدعوة هؤلاء الأنبياء إلتزاماً حقيقياً وصادقاً، إلى درجة أنّهم صمدوا وثبتوا على عقيدتهم وإيمانهم إلى النفس الأخير ولم يبخلوا بأي غالٍ أو نفيس في سبيل التضحيّة والفداء في سبيلها؟

إنّه لمن الواضح أنّ أقوال الأنبياء الطاهرينR، إن لم توجد اليقين لدى الإنسان... فإنّها على الأقل تدعو إلى التساؤل، بأنّه «من الممكن أن يكونوا صادقين».

نعم إنّ كان الأمر في الواقع كما يقول الأنبياء.. فما هي مسؤوليتنا؟. وماذا سيكون عليه جوابنا في محكمة العدل الإلهي غداً بعد الموت؟.» }يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ  إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ سورة الشعراء، آية:88و89.

وعليه فإنّ العقل هنا يفرض علينا أخذ الحيطة والحذر من الوقوع بالتهلكة أو الضرر(الذي هو محتمل على الأقل) ويدفعنا للبحث عن الدين ومعرفته.

هذا ومن المعلوم لكل مُطلع بأنّ هؤلاء الأنبياء دعوا النّاس إلى حياة إنسانيّة سليمة خالية من الإثم والعدوان وأنّهم أكدوا كذلك على وجود عالم وسيع خالد، وَنِعَمٍ لا تُحصى ولا تفنى للمطيعين بعد موتهم وأنّه يوجد عالم آخر هناك يفيض بالطمأنينة والسكينة الروحيّة، لا وجود فيه للمرض والحزن والقلق والخوف.. بل لأي نوع من أنواع التعاسة مطلقاً.

فهل تجيز لنا عقولنا أن نضرب صفحاً ونتعامى عن كل هذه الأمور المهمة لوجودنا.

...ترى ألا يجب علينا بعد هذا أن نفكر في تهديد الأنبياء ووعيدهم حيث ينقلون التحذير للبشريّة بأنّ الذنب والعصيان يوجبان الجزاء والعقوبة التي لا تحتمل.

ألا يجب السعي مع ذلك لمعرفة الدين والتفكر فيه برويّة وعمق؟!

.. من هنا يجب أن نعلم: بأنّ عقولنا وفطرتنا هي التي تدفعنا لمعرفة الواقع الكوني وإكتشاف الحقيقة الكبرى.

وأخيراً نبين ردّ الإمام جعفر بن مُحمّد الصادقL على ابن أبي العوجاء الذي كان مُعانداً للحقِّ وَمُنكراً للبعث في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

المفتي الجعفريّ لبلاد جبيل وكسروان

الشيخ عبد الأمير شمس الدين.