المدارس القرآنيّة في بلاد جبيل وفتوح كسروان

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

في القرن العشرين. الحصين ـ

فتوح كسروان.

 

تتابع مجلة«إطلالة جُبيليّة» نشر حلقاتها حول المدارس القرآنيّة في بلاد جبيل وفتوح كسروان في القرن العشرين، حرصاً منها على التمسك بكتاب الله تعالى وجعله إماماً ومنطلقاً لنا في الحياة مصداقاً لحديث رسول اللهP:«إذا التبست عليكم ألأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع وماحل مُصدّق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار»(1)]

أ ـ مع بلدة الحصين

جاء في تاريخ غبالة:«ينتسب الحماديون إلى رجل من بخارا العجم يُسمّى حمادة بن مذحج حمادة أراد الخروج على شاه العجم سلطان بلاده، فوجه الشاه إليه جيشاً قتل من تعصب له من قومه ففرَّ من بقيّ من أهله وعشيرته إلى جبل لبنان ونزل في الحصين من مزارع غبالة المشهورة. وكانت غبالة من مراكز المشايخ آل حمادة في الفتوح وكان الفتوح بأجمعه من مناطقهم الإقطاعيّة الموروثة مدة ثلاثة قرون متوالية من الزمن من أوائل القرن السادس عشر الميلاديّ حتى أواخر القرن الثامن عشر يحكمون فيه ويتولون أمره(2)».

ويقول الأستاذ طوني بشارة مفرِّج في الموسوعة اللبنانيّة المصورة:«وبينما كان الشيعة يخلون المنطقة بعدما أصبحت إقطاعاً للمشايخ الدحادحة الموارنة، بقي أبناء الحصين في قريتهم، وعايشوا جيرانهم الموارنة بكل تفاهم وإخاء. وما زالت تلك الروح مسيطرة حتى إنقضت المفاهيم الطائفيّة القديمة وحلّت مكانها الوطنيّة  الصرفة، وها هي الحصين مُتحدة مع مجتمع الفتوح خير إتحاد.

عمل أبناء الحصين في زراعة  الحنطة والكرمة والزيتون والتوت وربوا المواشي ودود القز. وبقي مجتمع القرية يزاول هذه الأعمال دون تغيير يذكر في سُبل العيش(3)».

ب ـ مع تدريس القرآن الكريم

وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين نبغ من بلدة الحصين المرحوم حمود أفندي ناصر حيث شغل أيام المتصرفيّة منصب مدير لناحية المنيطرة وعضو لمحكمة كسروان. وفي أيام الإنتداب الفرنسي شغل منصب عضو في محكمة البترون ومن ثم عضو في محكمة الكورة. ومن ثُمّ عُيّن رئيساً لمحكمة مرجعيون في 12 شباط 1923م، حيث كان بذلك أوّل قاضٍ مدني في ملاك وزارة العدل اللبنانيّة من الطائفة الإسلاميّة الشيعيّة ثُمّ عُيِّن رئيساً لمحكمة صور في 23 نيسان 1923م، ثُمّ رئيساً لمحكمة حاصبيا واستمرَّ بها لغاية بلوغه سن التقاعد في 26 أيار 1930م، غير أنّه لم ينسَ قريته الحصين فاستقدم المرحوم الشيخ عباس الحاج حسن من قرية قرقريا لتعليم أبناء قريته والقرى المجاورة القرآن الكريم مُتخذاً من منزله في الحصين مدرسة للقرآن الكريم. وقد تكلّمت عن ذلك في العدد الثالث من هذه المجلة الصادرة في شهر نيسان عام 2011م. كما تكلّمت عن بعض التلامذة من قرية المعيصرة الّذين كانوا يقصدون قرية الحصين لدراسة القرآن الكريم على الشيخ عبّاس الحاج حسن الآنف الذكر.

ج ـ الشيخ محمد ناصيف حيدر أحمد

وقد هاجر بعد الحرب العالميّة الأولى من قرية الحصين إلى مدينة دمشق بعض العائلات لطلب الرزق الحلال ولطلب العلم منها: سليم ناصيف حيدر أحمد وولديه عبد الكريم والشيخ مُحمّد وحسين يوسف مرعي حيدر أحمد وغيرهم وقد سكنوا قرب سوق الحميديّة في دمشق في محلة مز القصب. 

تزوج فضيلة الشيخ محمد من المرحومة بدر كريمة المرحوم حمود أفندي ناصر وقد رزق منها بطفلين ماتا صغيرين ثم توفيت والدتهما تلك بعد ذلك ودفنوا جميعاً في دمشق. وأمّا فضيلة الشيخ محمد فقد درس القرآن الكريم في دمشق ومبادئ العربيّة والشريعة الإسلاميّة على طلاب الإمام السيّد محسن الأمين{، ومن ثُمّ على يديه الكريمتين لمدة خمسة عشر عاماً إلى أن حلَّ به المرض.

وقد زار الشيخ محمّد والد زوجته المرحوم حمود أفندي ناصر بدمشق في اوائل أيام الإنتداب الفرنسيّ لتفقده وتفقد إبنته وتفقد أبناء قريته في دمشق ولزيارة السيدة زينب O.

ويتذّكر سليم عبد الكريم ناصيف أيام صباه في دمشق مع والده وعمه فضيلة الشيخ محمد ويتذكر أيامه مع السيّد محسن الأمين{، حيث كان السيّد الأمين يذهب لزيارة السيدة زينب إبنة الإمام عليّ بن ابي طالبL، سيراً على الأقدام عندما تسمح له الظروف بذلك، وكان بعض الصبية الشيعة من أبناء حي الأمين والاحياء المجاورة يرافقونه ذهاباً وإياباً مرافقة الأبناء لوالدهم. وسليم هذا كان منهم كما كان السيّد الأمين{، يكرمهم بإطعامهم بعض الحلوى الدمشقيّة.

وبعد إشتداد المرض على المرحوم الشيخ محمد عاد مع أقاربه إلى قريته الحصين في عام 1940م، تقريباً وقد بقي بعض الأقارب في دمشق منهم المرحوم توفيق حسين يوسف حيدر أحمد، وأمّا الشيخ مُحمّد فقد درّس القرآن الكريم والأحكام الشرعيّة في قريته الحصين ومن ثُمّ في قرية قرقريا إلى أن منعه المرض من متابعة التدريس حيث عُولج من أمراضه في أواخر حياته بمستشفى دار العجزة الإسلاميّ في بيروت، وتوفي بها عام 1960م، ودفن في جبانة الباشورة ـ بيروت (4).

د ـ تلامذة الشيخ  عبّاس

 الحاج حسن

كما كان لتلامذة الشيخ عبّاس الحاج حسن في قرية الحصين دورٌ كبيرٌ في المحافظة على آداب القرآن الكريم وأحكامه وقراءته في المنازل وفي شهر رمضان المبارك وأثناء الوفيات، وعلى المقابر ومن أبرز من أدركت منهم في قرية الحصين:

1ـ المرحوم دعيبس خليل قبلان (مختار القرية القديم).

2ـ الحاج حسين إبراهيم الحلاّني وهو من مواليد قرية المعيصرة، تعلّم الصلاة وبعض الأجزاء من القرآن الكريم على المرحوم عمّي عليّ عليّ الحاج يحيى عمرو ـ أبو حسين ـ وهو من تلامذة المرحوم الشيخ عبّاس الحاج حسن.

كما كان للعائدين من دمشق إلى الحصين في عام 1940م، ولتلامذة فضيلة الشيخ محمد ناصيف في قرية الحصين دورٌ في إرساء  المجالس الحسينيّة في الحصين والإستعانة بالشيخ حسين الحاج مسلم عمرو(5) من المعيصرة للصلاة على الموتى وقراءة القرآن الكريم عن روحهم ولإجراء عقود الزواج وغير ذلك. كما كانوا يستقدمون أيضاً من الشياح بعض قُرّاء القرآن الكريم وقُرّاء المجالس الحسينيّة إلى الحصين كان منهم: فضيلة الشيخ خليل صادق وفضيلة الشيخ خليل شحادة وغيرهما من المشايخ كان أبرزهم فضيلة الشيخ أحمد همدر من بشتليدة وفضيلة الشيخ أحمد حمود وفضيلة الشيخ أحمد سليمان برق من مدينة جبيل وفضيلة الشيخ خليل هاشم من طورزيا.

هـ ـ مع الشيخ يوسف محمّد عَمرو

معرفتي بقرية الحصين كانت من خلال بعض زملائي من أبناء الحصين في معهد دار العلوم والثقافة في بلدة الغينة المجاورة لقرية الحصين في أعوام 1960 و1961 و1962م. ومن خلال مختار قرية الحصين «أبو خليل» المرحوم دعيبس خليل قبلان وولده المرحوم خليل «أبو عبد» اللّذين كانا يملكان حانوتاً صغيراً في بلدة الغينة قرب المعهد الآنف الذكر ومن خلال المرحوم والدي الحاج محمّد جعفر عمرو الذي قام ببناء جامع الحصين. وقد زرت الحصين لأوّل مرّة مع المرحوم والدي حيث لاقيت الإستقبال الحسن والجميل من أصدقاء المرحوم الوالد.

وعندما وفقني الله تعالى لطلب العلوم الدينيّة والإنتساب إلى المعهد الشرعيّ الإسلاميّ في برج حمود والدراسة على يدي سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله{، حظيت بعنايته وعطفه وحنانه(رحمه الله تعالى)، إذ كان يسألني دائماً عن الحالة الدينيّة والإجتماعيّة عند الشيعة في الفتوح وبلاد جبيل ويطلب مني ومن بعض الزملاء في المعهد الذهاب إلى تلك القرى لتعليم النّاس القرآن الكريم والصلاة والأحكام الشرعيّة. وبناءً على طلب من جمعية الحصين الخيريّة ورئيسها سليم عبد الكريم ناصيف «أبو عبد» لسماحته{، فقد طلب سماحته(رضوان الله تعالى عليه) مني الذهاب إلى قرية الحصين ايام العطل الدراسيّة حيث كان(رحمه الله تعالى) يؤمن لي ثمن البنزين لسيارة رئيس الجمعية الآنف الذكر.

كما كان رئيس الجمعية يؤمن لي الذهاب من المعهد في برج حمود والإياب إليه والسهر في منزله في الحصين مع الأهالي والمبيت عنده وتدريس الناشئة في المسجد والصلاة بهم جماعة. كما وفقني الله تعالى أيضاً لقضاء شهر رمضان في الحصين في فصل الصيف عام 1969م، وقد خصص لي رئيس جمعية الحصين غرفة المدرسة الوحيدة في القرية للسكن والمبيت بها. كما وفرَّ لي طعام الإفطار والسحور كل ليلة جزاه الله تعالى خيراً.

وكان شهر رمضان بداية الطريق للوصول إلى قلوب أهالي البلدة ومحبتهم واحترامهم لي. أي من خلال جامع الحصين إذ كنت أصلي بهم جماعة في المسجد مع إعطاء دروس في أوقات محددة للأطفال وللشباب وللنساء. كما كان للمرحوم السفير الأستاذ حكمت حمود ناصر اليد البيضاء بذلك بتشجيعه الأهالي والشباب على الصلاة وحضور الدروس. 

كما وفقني الله تعالى أيضاً أثناء زياراتي الدينيّة لقرية الحصين في أعوام 1969 ـ 1970 وصيف 1971م. بتأسيس مكتبة جامع الحصين العامّة. إلى التعرف على المرحوم الرئيس عبد الله حمود ناصر. كما قمت أيضاً بدعوة سماحة العلاّمة الشيخ حسن عوّاد لزيارة الحصين وللصلاة جماعة في المسجد، وقد لبّى الدعوة، حيث قمت مع سماحته آنذاك بزيارة الحصين ثلاث مرات وعقد إجتماعات دينيّة في منزل المرحوم الأستاذ عبد الجليل حمود ناصر.

كما كنت مع العلاّمة الشيخ حسن عوّاد نمضي بقيّة السهرة مع الأهالي في المنزل القديم لمختار البلدة المرحوم دعيبس خليل قبلان وننام في ضيافته.

كما وفقني الله تعالى أيضاً، لعقد سهرات دينيّة في بعض البيوت منها: منزل رئيس الجمعية سليم عبد الكريم ناصيف، ومنزل رئيس البلدية أحمد موسى ناصيف، ومنزل الحاج حسين ابراهيم الحلاّني، ومنزل المرحوم خليل دعيبس قبلان ومنزل ومقهى سليمان رشيد أسعد «أبو فادي». وغيرها من منازل كنت أتكلّم بها حول تفسير بعض الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة والأحكام الشرعيّة.

كما أنّ آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله{، قد لبّى دعوّة الأهالي إلى تأدية الصلاة على جنازة المرحومة «أم خليل» تميمة حمود ناصر زوجة مختار القرية دعيبس خليل قبلان.

وبعد ذهابي إلى النجف الأشرف مع عائلتي في العراق لطلب العلوم الدينيّة في خريف عام 1971م، تابع زيارة الحصين من قبل سماحة المرجع الدينيّ العلاّمة السيّد فضل الله{، فضيلة الشيخ علي عبّاس نبهان من أبناء بلدة كفر رمان ـ قضاء النبطية ـ لمدة ثلاث سنوات تقريباً ومن ثُمّ فضيلة  السيّد محمّد المدرسيّ في عامي 1974 ـ 1975م. حيث كان يزور قريتي الحصين وزيتون في البداية ومن ثم حلّ بهما ضيفاً في بعض البيوت لمدة عامين ثم ترك القريتين الآنفتي الذكر في أواخر عام 1975م. عند إشتداد الأحداث اللبنانيّة آنذاك.

وبعد عودتي من العراق إلى لبنان في أواخر عام 1978م، كنت أقوم بزيارة قرية الحصين في المناسبات الإجتماعيّة والدينيّة وقد شجعني على ذلك وساعدني مادياً على القيام بتلك الزيارات المرحوم الرئيس عبد الله حمود ناصر والحاج حسين إبراهيم الحلاّني حيث كنت أقوم ببعض السهرات الدينيّة في منزله حفظه الله تعالى.

و ـ مع المؤسسة الخيريّة الإسلاميّة لأبناء جبيل وكسروان

ونظراً لإنشغالي بتأسيس المؤسسة الخيريّة الإسلاميّة لأبناء جبيل وكسروان بالتعاون والتنسيق مع علماء بلاد جبيل والفتوح ومع وجهاء المنطقة « وقد بارك مسيرتنا هذه المرحوم السفير الأستاذ حكمت حمود ناصر من الحصين مع باقي الوجهاء الكرام الّذين ذكرتهم في كتابي»التذكرة أو مذكرات قاضٍ» ـ» حيث تعاونت مع صاحبي الفضيلة الشيخ مُحمّد حسين عمرو والشيخ عصمت عبّاس عمرو للتبليغ الدينيّ وتعليم القرآن الكريم في بلدة الحصين من خلال مسجد البلدة. كما قمت مع صاحبي الفضيلة(حفظهما الله تعالى)، بتزكية الحاج هشام منير الحلاّني وترشيحه للتدريس الديني والقرآن الكريم في قريتي الحصين وزيتون من قبل جمعية التعليم الديني الإسلاميّ في حارة حريك والمؤسسة الخيريّة الإسلاميّة لأبناء جبيل وكسروان. حيث قام(حفظه الله تعالى)، بالتدريس في مدرسة الحصين الرسميّة وفي مسجدها وكذلك في مدرسة زيتون الرسميّة ومسجد البلدة الصغيرة خير قيام من 1985 ولغاية عام 1990م.

وقد وفق الله تعالى قريتي زيتون والحصين لأن يكون ممثلهما في المؤسسة الخيريّة الإسلاميّة الآنفة الذكر، العضو المسؤول فضيلة الشيخ محمد أحمد حيدر للقيام بالتبليغ الديني بهما وتعليم القرآن الكريم والأحكام الشرعيّة منذ عام 1990م. ولغاية تاريخه. كما وفقه الله تعالى منذ ذلك الحين ولغاية تاريخه لإنجازات ثقافيّة وإجتماعيّة بالتعاون مع الأهالي في بلدتي زيتون والحصين نسأل الله تعالى، أن نوفق في المستقبل القريب لعقد لقاءٍ معه حول ذلك إن شاء الله تعالى. جزاه الله تعالى خير الجزاء. آمين.

كما قامت المؤسسة الخيريّة الإسلاميّة لأبناء جبيل وكسروان بالتنسيق مع فضيلة الشيخ حسين شمص بإختيار فضيلة الشيخ مهدي شمص نجل المرحوم العلاّمة الشيخ عصام شمص إماماً للبلدة منذ شهر تموز 2007م. ولغاية تاريخه حيث يقوم بممارسة مهماته الدينيّة خير قيام. كما لا ننسى التنويه بالجهود المباركة التي يقوم بها فضيلة الشيخ ماجد حيدر ناصيف في تعليم القرآن الكريم والشريعة الإسلامية  للناشئة في الحصين.