ما هو الدين؟ - الحلقة الثانية

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

لسماحة المفتي الجعفري لبلاد جبيل وكسروان

الشيخ عبد الأمير شمس الدين

 

قبل أن نبحث عن الدين يجبُ أن نتبين ما هو معنى كلمة دين؟؟ ما معنى هذه الكلمة وما المقصود منها في قواميس اللغة من جهة وفي مصطلحات ذوي العقائد من جهة أخرى. فإذا راجعنا قواميس ومعاجم اللغة العربية وأقربها المُنجد للطلاب وهو موجود بين أيدي الناس. نجد أن لفظ دين بشكل عام وبتصرُّف معناه هو:» الطريقة والمسلك الذي ينتهجه الفرد من الناس أو المجموعة من البشر كطريق يسلكونه في هذه الحياة الدنيا، وعليه فإنّ المناهج والطُرق والأديان ربما تعددت بتعدد بني الإنسان، فالدين إذن في اللغة هو المسلك والطريق الذي ينتهجه فردٌ من الناس أو جماعة من البشر في هذه الحياة الدنيا، فالإنسان الذي ينتهج الفضيلة والخُلق الرفيع مسلكاً في هذه الحياة فإنّ ما انتهجه هو دينه والإنسان الذي ينتهج الرذيلة والإنحراف في هذه الحياة فالذي يسير عليه هو دينه وخطه وهذا الخط وهذا المسلك إمّا أن يكون مبنياً ومُرتكزاً على أفكارٍ حياتية وعلى مبادىء فكرية، وإمّا أن يكون غير مبنيّ على أساس من الأفكار الحياتية ومن المبادىء الفكرية، هذا الإنسان الأول يُسمى في المُصطلح العقائدي إنساناً هادفاً أي له هدف يتجه نحوه ويحاول أن يصل إليه.

أما الإنسان الذي يسير في حياته الدنيا خالياً ومجرداً من أية أفكار حياتية ومبادىء فكرية، هذا الإنسان له مسلك وهذا المسلك يُسمى ديناً لكن صاحبه غيرُ هادف يسير على غير هُدى يسير  ذاهلاً عن كل غاية وعن كل هدف يَخبط خبط عشواء لا يدري أين الطريق وكيف السبيل.

إذن الدين باختصار هو المسلك الحياتي للفرد من الناس أو لمجموعة من البشر في هذه الحياة الدنيا وعليه فتكون أديان البشر كثيرة ومتعددة لأنّ الأفكار الحياتية التي يُؤمن بها البشر أفكار مُتناقضة ولذا كان معنى الدين معنى عاماً. ولتقريب كون معنى الدين عاماً نقول المسلمون عندهم أفكار حياتية ومبادىء فكرية والملتزمون منهم يحاولون تطبيق ما عندهم أو ما تستوجبه هذه الأفكار الحياتية والمبادىء الفكرية فإذاً المسلمون لهم دين حيث أن منهجهم وفكرهم إسلامي، والمسيحيون أيضاً كذلك لهم أفكار حياتية ومبادىء فكرية يُحاول الملتزمون منهم أن يُطبقوا ما تستوجبه مبادئهم وأفكارهم فإذاً للمسيحيين دين، واليهود أيضاً لهم دين حيث أن منهجهم وسيرتهم يبتنيان على أفكار حياتية ومبادىء فكرية، إذن اليهود لهم دين.

ثم إن المنهج الذي ينطبق عليه أنه دين ليس خاصاً بما ينسب إلى السماء من أديان، بل يمكن إطلاق الدين على الماركسية لأنها ذاتُ أفكار حياتية ومبادىء فكرية لأن الذين كانوا أو ما زالوا ينتمون إلى هذه المبادىء والأفكار الحياتية حاولوا ويحاولون تطبيقها فإذاً الشيوعيون لهم دين ودينهم الماركسية.

والوجوديون الذين يعتنقون المذهب الوجودي المبني على أفكار حياتية معروفة، ويحاولون أن يُطبقوا مضامينها في مسلكهم الحياتي، هؤلاء أيضاً لهم دين، ودينهم الوجودية وقِس على هذا كافة ما يُطرح أمامك من عناوين حزبية ومن مبادىء عقائدية سواء كانت منسوبة إلى السماء أو أنها من وضع أهل الأرض مثل ماركس – وعفلق – وانطوان سعادة وسارتر وغيرهم فهؤلاء جميعاً إنما يسيرون على ما يعتقدون من أفكار وما يؤمنون به من مبادىء وكل من يسير على ذلك هو متدين بتلك الأفكار.

إنطلاقا من ذلك نقول ليس فقط لفظ الدين لفظاً خاصاً بالإسلام، الدينُ هو معنى ينطبق على الإسلام كفكر وعقيدة، وينطبق على غير الإسلام من سائر المبادىء والعقائد المتكثرة والتي لا عدد لها ولا حصر لها على وجه الكرة الأرضية وبين شعوب العالم، حتى أنه يُقال بأن كل قبيلة في أفريقيا لها نوع من المعتقد يختلف عن مُعتقد القبائل الأخرى، فلكل قبيلة من هذه القبائل المختلفة في المُعتقد دين يخصها.

 وهنا نتساءل أيُّ فكر حياتي وأيُّ مبدأ من هذه العشرات الألوف من المبادىء الحياتية والأفكار يمكننا أن نعتنق؟ وبأيها من المعتقدات يمكننا أن نأخذ فلا يمكننا الإعتقاد بها جميعاً لأنه إماّ أن تكون كلّها على باطل لأنها مُتصادمة ومُتناقضة والحقُ واحدٌ وثابتٌ لا يُمكن أن يتصادم ولا يُمكن أن يتناقض وإمّا أن يكون واحدٌ منها على حق والباقي كله على باطل، وبما أننا لا يمكننا إلاّ أن نعتنق فكراً واحداً من بين هذه الألوف من الأفكار المتعارضة والمتصارعة على صعيد الواقع الحياتي لا بُدّ لنا حتى نعيش مُرتاحي الضمير والوجدان وحتى نكون مطمئنين أن نأخذ بالمبدأ الحق..

وهنا علينا أن نتساءل أيها يا تُرى هذا الدين الحق؟

ذلك ما سيكون موضوع أبحاثنا وأفكارنا في الأعداد القادمة والله وليّ التوفيق.