العنف الأُسري بين الإسلام و القانون الحديث

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أ ـ مشروع قانون حماية النساء من العنف الأُسريّ

نتيجة لمؤتمرات وندوات نسائيّة كثيرة منذ فجر إستقلال لبنان عام 1943م، ولغاية تاريخه ضد العنف الأُسريّ أقرَّت الحكومة اللبنانيّة قانون العنف الأُسريّ المؤلف من سبع وعشرين مادة بمرسوم جمهوريّ رقم: 4116 صادر في:28 ايار 2010م. لمناقشته وتصديقه حسب الأصول المرعيّة الإجراء.

ومن أبرز المرجعيات الدينيّة التي وافقت على هذا القانون بكامل مواده الآنفة الذكر البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي بموجب كتاب صادر عن أمين سره الخوري نبيه الترس مُوجه إلى رئيس اللجنة البرلمانيّة المسؤولة النائب سمير الجسر بتاريخ 17 أيار 2011م.

وأمّا مطران طائفة الروم الأرثوذكس في لبنان جورج خضر بمقالة له في صحيفة «النهار» الصادرة في 2 تموز 2011م، فوافق على المشروع الآنف الذكر طالباً من المسلمين النظر إلى هذا المشروع بنظرة موضوعيّة حديثة قائلاً:» إنّ ما يُفرحني أن الخلاف بيننا ليس الخلاف بين المسيحيين والمسلمين ولكن بين المتشددين وأهل التطور والنمو والإستقبال. والفريقان في كل ديانة من الديانتين 2».

وأمّا دار الإفتاء في الجمهوريّة اللبنانيّة برئاسة المفتي الدكتور محمّد رشيد قباني فقد عقدت إجتماعاً مع عدد من مفتي المناطق وقضاة الشرع وحضره أئمة وخطباء المساجد وأمين الفتوى وعميد كلية الشريعة في جامعة بيروت الإسلاميّة صدر عنها بيان أعلنت فيه رفضها لمشروع القانون لكونه» يتضمن مخالفات شرعيّة دينيّة خطيرة، مُستشهدين على رحمة الإسلام للمرأة بقول النبيّ(ص)، ما أكرم المرأة إلا كريم وما أهانها إلا لئيم 3.

وقد أيدَّ موقف دار الفتوى عدّة جمعيات وهيئات إسلاميّة كان منها موقف جمعية الدعاة الإسلاميّة في الطريق الجديدة ـ بيروت برئاسة مرشدها الشيخ محمد بن درويش أبو القطع النقشبندي وغيرها من جمعيات.

وقد ردّ على موقف دار الفتوى ومفتي الجمهوريّة اللبنانيّة رئيسة المجلس النسائي الباحثة في قضايا المرأة في الإسلام الدكتورة أمان كبارة شعراني في صحيفة «السفير» الصادرة في 4 آب 2011م.

وأمّا موقف علماء المسلمين الشيعة في لبنان فلم يصدر لغاية تاريخه موقف رسمي للهيئة الشرعيّة في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى. نعم صدرت بعض الدراسات والمقالات الشارحة لموقف الإسلام من المرأة وحقوقها في الحياة العائليّة الكريمة البعيدة عن العنف. والداعيّة لدراسة المشروع. وللتحفظ على بعض مواد القانون الآنف الذكر والمواد المخالفة للشريعة الإسلاميّة أهمها ما صدر عن العلاّمة السيّد علي فضل الله والعلاّمة الشيخ عفيف النابلسيّ والعلاّمة الشيخ يوسف سبيتي وفضيلة الشيخ مُحمّد علي الحاج العامليّ وفضيلة الشيخ مُحمّد قانصو.

والحديث في هذا الباب واسع وطويل وفتاوى الفقهاء في هذا الباب كثيرة أهمها ما جاء في مقدمات الحياة الزوجيّة. منها ما جاء في كتاب فقه الشريعة لآية الله العظمى السيّد محمُد حسين فضل الله{، في الجزء الثالث في المسألة 578 حيث قال:«الأجدر بالمرأة أن تختار الرجل المؤمن ذا الأخلاق الحسنة، وتدع التزوج بغير المؤمن، وبخاصة سيئ الخلق وشارب الخمر، فقد ورد في الحديث المأثور عن النبيّ(ص)، أنّه قال:» إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(1).

وعنه(ص)، أنّه قال:«من شرب الخمر بعدما حرمها الله على لساني، فليس بأهل أن يزوج إذا خطب»(2). كما أنّ الأجدر بالرجل أن يختار المرأة المؤمنة العفيفة ذات المنبت الحسن، فقد ورد عن الباقر(ع) أنّه قال:«أتى رجل النبيّ(ص)، يستأمره في النكاح، فقال رسول الله(ص): إِنكح، وعليك بذات الدين، تربت يداك»(3). وفي حديث آخر أنَّ النبيّ(ص)، قام خطيباً فقال:«أَيُها النّاس إياكم وخضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال(ص): المرأة الحسناء في منبت السوء»(4).

ب ـ موقف الإسلام من العنف الأُسري

الإسلام هو أُطروحة الله تعالى، للإنسانيّة جمعاء لذلك فقد حرّم الله تعالى، العنف الأُسري وإكراه الزوجة وإجبارها بالتنازل عن حقوقها الشرعيّة، وحقها في حضانة أطفالها، وإكراه البنت أو الأخت على الزواج بمن لا تحب أو يترك الزوج زوجته كالمعلقة دون نفقة أو طلاق أو معاشرة زوجيّة بالمعروف في آيات كثيرة وأحاديث شريفة كثيرة سوف نورد في هذه العجالة بعضها كدليل أنّ الإسلام هو دين العدالة والمساواة حيث لا يُفرّق بين الذكر والأنثى إلاّ من خلال وضعهما الفسيولوجي. كما لا يجوز للزوج إجبار زوجته على خدمته وخدمة أطفاله وخدمة والديه وضيوفه أو مصادرة أملاك زوجته وحقوقها الماليّة ونحو ذلك.

قال الله تعالى:}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ سورة النساء، آية:1.

فهذه الآية الكريمة تؤكد حقيقة المساواة بين الجنسين أمام الله تعالى وأمام الشريعة الإسلاميّة وأنّ العدالة في هذه المساواة لن تتحقق إلاّ من خلال تقوى الله تعالى.

وقال الله تعالى، مُحرّماً العنف الأُسري:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا{ سورة النساء، آية: 19.

وقال الله تعالى مُحرّماً العنف الأسري ومنع الزوجة بعد طلاقها وإنتهاءِ عدتها الشرعيّة من الزواج بزواج آخر من قبل زوجها السابق أو من قبل أرحامه أو أرحامها.

قال الله تعالى:}وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{ سورة البقرة، آية:231 و232.

ومما جاء في خطبة نبيّنا محمّد(ص)، في حجة الوداع:«.. فعليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكتاب الله، فأتقوا اللهَ في النساءِ واستوصوا بهنَّ خيراً (5).

وعن كتاب عقاب الأعمال، قال رسول الله(ص): من أَضرَّ بامرأة حتى تفتدي منه نفسها، لم يرض الله تعالى له بعقوبة دون النّار، لأنَّ  الله يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم (6).

وعن المصدر نفسه الآنف الذكر، قال رسول الله(ص): الا وأنّ الله ورسوله بريئان من مُختلعات بغير حق، الا وأنّ الله عزّ وجل ورسوله بريئان ممن أضرَّ بأمرأة حتى تختلع منه (7).

ج ـ دراسة لإيجابيات القانون الآنف الذكر وسلبياته كأنموذج للبحث:

وللقانون الآنف الذكر إيجابيات شرعيّة يوافق عليها الإسلام كما له بعض السلبيات التي لا يوافق عليها الإسلام مُستشهداً على ذلك بالكتاب والسُنّة.

وبالمتفق عليه عند قضاة الشرع من الشيعة الجعفريّة ومن الأحناف وتفضيل هذا الإستدلال والإستشهاد يحتاج إلى كتابة أطروحة بذلك أو إلى مؤتمر خاص بذلك ولنتكلم عن هذه الإيجابيات والسلبيات في هذه العجالة:

أولاً: تحريم الجرائم المعروفة في قوانين البلاد العربيّة بجرائم الشرف والمعاقبة عليها كإقدام الرجل على قتل زوجته أو إحدى قريباته مُتهماً إياها بجريمة الزنا دون رجوعه للقضاء كما جاء في الفقرات:6 و7 و8 و9 من المادة الثالثة وهذا شيء إيجابي وجيد.

ثانياً: ما جاء في الفقرات: 1 و2 و3 من المادة الآنفة الذكر من العقوبة للرجل إذا حضَّ زوجته أو إحدى قريباته على التسول أو على الدعارة وهذا شيء إيجابي وجيد.

ثالثاً: ما جاء في الفقرات: 4 و5 من المادة الآنفة الذكر من العقوبة للرجل إذا أكره زوجته على الجماع بالخداع ونحو ذلك فهذه العقوبة لا داع لها لأنّها تزيد الطين بلة وتجعل من الحياة الزوجيّة بعد ذلك العقاب جحيماً لا يطاق. لذلك نستطيع أن نقول أن إجبار الزوج لزوجته على الجماع دون رغبتها يكون من الأسباب التي تساعدها على طلب الطلاق منه أمام القضاء الشرعيّ تحت عنوان: سوء العشرة الزوجيّة.

رابعاً: تكليف أحد المحامين العامين الإستئنافيين في كل محافظة بتلقي الشكاوى المتعلقة بحوادث العنف الأُسري ومتابعتها أو الرجوع إلى المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي بذلك. كما جاء في المادة الرابعة والخامسة من هذا القانون مخالف للدستور اللبنانيّ ولميثاق العيش المشترك بين الطوائف اللبنانيّة. وللشريعة الإسلاميّة وللآداب الإسلاميّة التي تحضُّ على إصلاح ذات البين والستر وغضِّ النظر عن بعض الأمور. وبالإمكان إقتراح مادة أخرى عوضاً عن تلك المادتين الآنفتي الذكر موافقة للدستور اللبنانيّ ولميثاق العيش المشترك ما بين اللبنانيين وللشريعة الإسلاميّة والآداب الإسلاميّة بالصيغة التاليّة:

يكلّف أحد المحامين العامين المنتدبين لدى المحاكم الشرعيّة الجعفريّة والسُنيّة والدرزيّة ـ «وهم حسب العرف اللبنانيّ ينتمون إلى مذهب المحكمة المنتدبين إليها «بالتعاون مع قاضي شرع جعفريّ وسنِّي وقاضي مذهب درزي لتلقي الشكاوى المتعلقة بحوادث العنف الأسريّ ومتابعتها بالإصلاح بين ذات البين أو بطلب الطلاق أو بإرجاع تلك الشكاوى حسب الأصول المرعيّة الإجراء بعد موافقة النائب العام وقاضي الشرع الآنفي الذكر إلى القضاء المختص.

وخلاصة الكلام:

إنَّ بعض صور الحياة الزوجيّة في لبنان وفي العالم العربيّ تأثرت تاريخياً بالعادات والتقاليد البدويّة الجاهليّة عند القبائل العربيّة، كجرائم الشرف التي تحدث في عالمنا العربيّ أو إجبار الزوجة وإكراهها على خدمة والدي الزوج وأقربائه أو ضيوفه أو إجبارها على العمل بالزراعة أو الصناعة ومصادرة حقوقها الشرعيّة والإقتصاديّة والإنسانيّة. كما تأثرت أيضاً بالعادات الأوروبيّة والأمريكيّة بإهمال الزوجة لواجباتها نحو زوجها وأطفالها وإنشغالها باللهو والفساد.

وإنشغال الزوج بمعاقرة الخمرة والميسر. أو الإدمان على المخدرات وإجباره لزوجته أو لإحدى قريباته على التسول أو على الدعارة. لذلك ينبغي عقد مؤتمر عام لقضاة الشرع الشريف من المسلمين السُنّة ومن المسلمين الشيعة الجعفريّة ومن قضاة المذهب الدرزي لدراسة هذا القانون دراسة موضوعيّة وتعديله والمجيء بقانون جديد يرمي إلى حماية النساء من العنف الأسري موافق للشريعة الإسلاميّة وللقوانين الحديثة لرفع الحيف والظلم اللاحق للمرأة في مجتمعاتنا العربيّة.

وللإستفادة من قانون الأحوال الشخصيّة في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، التي حمت المرأة من العنف الأسري ودافعت عن كرامتها ومستقبلها في الحياة من خلال أكثر من عشرين شرطاً موجوداً في عقد الزواج ومن خلال قانون الأحوال الشخصيّة في جمهوريّة إيران الإسلاميّة والذي فيه محافظة على حقوق المرأة ومعاقبة على العنف الأُسري.

والحمد لله ربِّ العالمين

د. يوسف محمد عمرو