حوار غير خاص مع زوجتي - للدكتور نزار دندش

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الدكتور عبد الحافظ شمص

«لا يدَّعي أنّه في حرفة القلم، ومع ذلك، هو منها في سلامة الأداء.. يعتمد القصة القصيرة وسيلة تعبير فيطيعه التعبير وتنقاد له الوسيلة».

 

بهذا، بدأ هنري زغيب مقدّمة كتاب الدكتور نزار دندش حوار غير خاص مع زوجتي، الذي يضمّ عدّة قصص قصيرة، هي: الوطن الرّضيع، الحبّ والكهرباء، قطار الرغبات، البنات والأُمهات، غرام على حاجز طيّار، حوار جيلين، مزحة مع الزمن، مآسي الحروف، رحاب الصدفة ـ حكمة الملوك ـ يوميّات خادمة سيريلنكيّة.

الدكتور نزار دندش، الأستاذ المحاضر في كلية العلوم في الجامعة اللبنانيّة، يعتبر أن العلم لا ينتهي، وعلى الإنسان أن يُدرك معنى وجوده المادي على هذه الأرض من أجل أن يحيا كريماً، إن الكتابة، بحدّ ذاتها، حالة، تُرافق صاحبها طالما هو يتنفس ويأكل ويشرب. وأنّ الكلام الجميل والمفيد، بمعناه ومبناه، علامة من علامات الأدب والمعرفة التي تعني السمو والإرتقاء في الفكر والتعبير، وهو يبقى على الدهر وبرغم مرور الأيام...

والّذين سبقونا من أهل العلم والأدب والإختصاص تركوا لنا نتاجهم الكثير الذي لا يزول ولا تمحوه الأيام، تعلّمنا منه وَدَرَجِنا على الإنتفاع  به وخبرنا أهدافه ومراميه الطيبة.. ومن الواجب أن نحفظه ونلقنه لأولادنا وأحفادنا لكي يبنوا أنفسهم على الخير والمعرفة وليتحصنّوا ضد ما يدور حولهم من قضايا وأمور وتشعبات، يمكن أن تضرَّهم، فيما إذا لم يتداركوا سلبياتها قبل حصولها...

إنّ ما يؤكده علّم الدلالة من أن عوامل الإمتاع الأدبي والإرشاد البنيوي تتحقق من تذوق العمل والتركيز على جماليته الفنية من خلال جمال الفكرة وجمال اللفظة والعبارة والأسلوب، ومن جملة مفاهيم تتداخل في إطار البيئة الجماليّة لواقع العمل الفني.. وهنا، ولكي تظهر الحقيقة على سجلها البياني يمكن إظهار قيمة كل مقياس على تعبيره، بين الدلالة والبنية من واقع النقد الجمالي ونظريات مشاهيره كأرسطو وغوتيه وشلر وسواهم...

الدكتور نزار دندش، حلّق بجناحيه في فضاء واسع من المعرفة، مُخترقاً الحجُب، بثقة تامة وعنفوان ظاهر، بنص قصصي شامخ، فيه الجودة الظاهرة الحسيّة والذوقيّة التي يتلّمّسُها الإنسان المؤهل لتقبل الجمال، يستحق القراءة بتمعُّن لما يخزن في داخله من معان جميلة وجزالة محببة، لا يقلُّ جمالاً عما عودنا عليه وهو يسمو إلى عنوان الأدب الرفيع، الذي فيه الدفء المنثور على شكل ابداع، يُغلّفُ حضور انهمار المطر بعد انحباس.. وقد وصل الدكتور دندش إلى غايته في التعبير السردي بلغة مبسطة أقرب إلى الوداعة منها إلى ما عداها، يفهم المثقف حقيقتها ومرماها دون عناء ويتلقفها سمعاً وتلاوة.. لغة ممتعة قوية السبك والحبك والمزج، مما يؤكد حصافة الكاتب ومتانة الرؤية الشعاعيّة القاموس الذات كما للرؤيا الأدبيّة والتعبير المدرك الموجّه والرّامي إلى خلق المناخات الصافيّة أمام القارئ، ولتمنعه من الجنوح إلى مطالعة غير مجدية، تؤثر على نفسيّته فتطلّعها وتجنح بها إلى مسالك ضيقة لها أبعادها المنافيّة لكلّ تقدّم.

زميلنا في اتحاد الكتّاب اللبنانيين الدكتور نزار دندش، دخل في التجربة، وهو الإختصاص في علم الفيزياء، المتفرّغ لتدريس هذا العلم في الجامعات منذ سنوات عديدة.. وقد أراد بذلك أن لا يقف عند حدّ من حدود العلم، فقد أصدر العديد من الأعمال الأدبيّة والقصصيّة التي أبرزته ككاتب يمتلك مقوّمات النجاح، وكقاصّ له خبرة في محاكاة العقول وفي تدبيج وتزويق الرواية وتقديمها بقالب مشوق له مقوماته ومكوّناته الأدبيّة والعلميّة.. فالدكتور نزار دندش ابن بيئة لها تاريخها النضالي ولها قيمها الإنسانيّة النابعة من أصالة ذات جذور، تقدر وجود الإنسان، وتجهد وتعمل لخيره وخير الجميع.

من اصداراته: هل من كائنات عاقلة خارج الوطن؟ (علوم مبسطة. ـ  كتاب البيئة (موسوعة بيئيّة مُصغّرة)، المرشد في الغذاء (النافع والضار في طعام الإنسان)، صحتك بصحتك، بالإشتراك مع خبيرة التغذيّة كارلا يردفيان، سموم في طعام الإنسان، السموم الخفيّة في منازلنا، التلوّث الكهرومغناطيسي وصحة الإنسان، حوار غير خاص مع زوجتي وقصص أخرى، استراتيجيّة، والتكتيك في الشطرنج، دور العرب في تطوير مفهوم العلم، (أطروحة في مجال الفلسفة)، حوار في الممنوعات(رواية). ما هو العلم؟ سيرة التفكير العلمي(فلسفة علوم)، مؤلفات عديدة في الفيزياء العامة(كتب جامعيّة)، و أطروحة الفيزياء...

الخوض في غمار الأدب والمعرفة والخبرة لدى الدكتور نزار دندش يقودنا إلى نتيجة واحدة، وهي الوصول إلى مبتغى يتمنّى الوصول إليه وإدراكه كل أديب وكل قارئ في آن... فالجوانب القصصيّة الفنيّة التي اعتمدها في السرد والتعبير وَخَلّق المناخات والأجواء التي تشدّ القارئ إلى واقع يعيشه أو يتمناه، هي جوانب تستحق الإشادة والتنويه، لأنّها أعطت كل ما يحتاجه القارئ في مختلف المستويات العلميّة والثقافيّة وفي كل المجتمعات وليس في منطقة معينة أو زمان معين، فهو عَمِل على صياغتها بشكل أدبي وعلمي، يُحَفزُ على الإقتداء بمعاييره المتفرّدة والخالية من الشوائب والتلاوين التي دَرَجَ على تضمينها بعض الكُتَّاب والقصاصين أعمالهم لجذب القارئ ومن ثم لحرفه عن جادة الصواب، إمّا لغاية، وإمّا لجهل غير مسبوق في الصياغة أو السرد...

نزار دندش خرج من دهاليز الإتكاليّة أولاً ومن سراديب التقليد، فكان العالم الذي يُميّز بين جيد الأشياء ورديئها... وبذلك نجح في تقديم قصته ـ حوار غير خاص مع زوجتي ـ والأمانة تقضي بأن نكون منصفين في تقويم عمله الأدبي الذي هو غذاء الروح، والتنويه بإبداعاته وبجهوده المبذولة من أجل تنوير أذهان القرّاء الّذين هم سبب نجاح وتقدم كل كاتب، والدكتور نزار دندش بعمله هذا وبغيره من الأعمال الأدبيّة والعلميّة الراقيّة كسب مودة قرائه، وهو يعتبر فتح الآفاق أمام عقول وقلوب أبناء المجتمع محلياً وخارجياً، ولن ننسى منطقتنا البقاعيّة التي هي بأمسّ الحاجة إليه وإلى  أمثاله من المبدعين الذين يمتهنون الكتابة  ويوزعون المعارف في ذاكرة كل من يريد أن يعرف المزيد.. وقد كشف الدكتور دندش عن قوّة ومتانة أفقه الفضائي اللامتناهي الذي يخلق مشاعر الفرح والغبطة في العقول النيّرة التي تزخر بالحكايا وبأحلام الذكريات..

كل هذه العناصر المتلألئة هي التي جذبته إلى فردوس الكتابة، وقد اُعطيّ القوة والقدرة على التفاعل والتعامل مع المعاني التي تموج بالشذى، تترجّعُ كلماتها وسطورها على الشفاه وتتجاوز حدود الواقع.

وأخيراً، فإنّ حقيقة العمل الموضوعيّ لا تتعدّد ولا تختلف في جوهرها عن حقيقة المعرفة التي هي حاجة كيان، تتمثل باشخاص موهوبين، ومعرفة الظروف التي تحبط بهم، وكيف يعيشون في أوطانهم.. والكاتب يحمل همّ الجميع، وهو حاضر أبداً، لا تمرُّ به مسألة إلاّ ويشعر بها قبل غيره لأنّه شديد الحساسيّة، هذا ما يُميّزه ويبرزه في مجتمعه.