الحلقة الخامسة:المدارس القرآنيّة في بلاد جبيل وفتوح كسروان في القرن العشرين

24/5/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 (الحلقة الخامسة) الصوانة وعلمات

من العام 1920م ولغاية عام 1960م.

 

 تتابع مجلة «إطلالة جُبيليّة» نشر حلقاتها حول المدارس القرآنيّة في بلاد جبيل وفتوح كسروان في القرن العشرين، حرصاً منها على التمسك بكتاب الله تعالى وجعله إماماً وَمُنطلقاً لنا في الحياة مصداقاً لحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم): «إذا إلتبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مُشفع وما حلّ مُصدِّق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار».

أ ـ مع الشيخ خليل حسن سليمان شقير:

حكاية المرحوم المعلم خليل حسن سليمان شقير المولود في بلدة بدنايل قضاء بعلبك عام 1895م والمتوفى في قريته الصوانة قضاء جبيل في 14 آب 2003م، مع القرآن الكريم، حكاية الصبر والإيمان والتمسك بالمثل العليا للأخلاق التي جاء بها الإسلام: وتبدأ الحكاية بهجرة المرحوم والده مع عائلته الصغيرة من الصوانة ـ علمات إلى بلدة بدنايل البقاعيّة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي للعمل في الزراعة. حيث قاده طموحه للرزق الحلال للسفر إلى الولايات المتحدة للعمل هناك وترك عائلته مؤقتاً في بدنايل أُسوةً بسائر المهاجرين اللبنانيين آنذاك للولايات المتحدة الأمريكيّة، غير أنّ تدهور صحته لم يساعده على البقاء في تلك البلاد، فرجع إلى بدنايل ليتابع عمله بها حيناً وأحياناً أخرى في بلدة رياق متوكلاً على الله تعالى.

رزقه الله تعالى من زوجته المرحومة سليمة ضامن شقير أربعة ذكور وهم: محمود ونايف ومحمد وخليل. وأثناء وجودهم في بلدة رياق للعمل في الزراعة في أوائل الحرب العالميّة الأولى، إنفجرت قنبلة قديمة مدفونة في تلك الأرض الزراعيّة فأصابت خليل شظيّة منها برجله اليمنى فذهب به والده واشقاؤه إلى طبيب عربي هناك، فوصف له بعض المراهم العربيّة. وقد تفاقم وضع رجله كثيراً مما إضطر الطبيب الآخر المعالج له في مستشفى زحلة إلى بتر أسفل الساق والقدم منها. عندها قرر والده واشقاؤه إكمال تعليمه في مدرسة الأخوة المريميين «الفرير» بعد تعلمه للقرآن الكريم وبعض مبادئ اللغة العربيّة في بلدة بدنايل في مدرستها الإبتدائيّة. وذلك حتى يستطيع مواجهة شظف العيش من خلال التعلم والتعليم.

وبعد أن وضعت الحرب العالميّة الأولى أوزارها واستتباب الأمن في البلاد عاد المعلم خليل شقير مع أشقائه الثلاثة الآنفي الذكر إلى بلدتهم الصوانة ـ علمات في عام 1920م، بعد إستقراره مدّة قصيرة في الصوانة ـ علمات وبناء على طلب أهالي بشتليده ذهب لتعليم أبنائهم مبادئ اللغة العربيّة والقرآن الكريم في عام 1921م، حيث بقي بينهم قرابة العشر سنوات. ومن ثُمَّ إنتقل للتعليم في بلدة رأس أسطا لمدة خمس سنوات حيث نرى أن معظم أهالي قرى بشتليده وفدار ورأس أسطا والمزارع التابعة لهم من طلابه والذين يحفظون له الإحترام والتقدير.

وقد تعرّض (رحمه الله تعالى) في السنة الخامسة من تدريسه في بلدة رأس أسطا إلى دخول قوى الأمن الداخلي عليه في مدرسته الصغيرة وطلبهم منه التوقف عن التدريس بعد ذلك اليوم لعدم حصوله على الرخصة القانونيّة آنذاك، فتوجه إلى معالي الوزير المرحوم السيد أحمد الحسينيّ طالباً منه أخذ إذن رسميّ بفتح مدرسة قرآنيّة في بلدة مشّان وفي بلدة الصوانة ـ علمات.

فاعتذر السيد عن الإستجابة للطلب، غير أنّ ولده المرحوم السيد مصطفى الحسينيّ أسرَّ إلى المعلم خليل بحديث سريِّ، طالباً منه توقيع عريضة من الأهالي يطالبون بها وزارة المعارف آنذاك بإعطاء الإذن الرسميّ بإفتتاح مدرسة قرآنيّة.

وهكذا كان، حيث صدرت الرخصة بموجب المرسوم رقم 1774 المؤرخ في 26 كانون الثاني 1938 بفتح مدرسة قرآنيّة (دينيّة) في قرية مشّان.

وقد مارس التدريس(رحمه الله تعالى) في بلدة مشَّان بغرفة صغيرة قرب المسجد القديم وفي الصوانة ـ علمات من 21 شباط 1941 ولغاية عام 1947م. دون مقابل إلاّ رضا الله تعالى، وأجر زهيد كان يتقاضاه من بعض أولياء الطلبة.

وفي بلدة مشَّان وفقه الله تعالى، بالزواج من المرحومة عدوج حسين حمزة شمص ورزق منها بأربعة ذكور وهم: 1ـ الحاج علي متزوج من المرحومة آمنة علي حمود شقير وأنجب منها: عماد وسليمان وسامي وحمزة وخليل ومريانا وأوذاد وزينب وإنتصار وسلام وهنادي.. كما تزوج الحاج علي بعد وفاة زوجته الأولى بالسيدة إنعام حسين حمية. 2ـ المرحوم إبراهيم متزوج من فايزة شمص ورزق منها: جهاد وياسر والمرحوم نايف وحسين وأحمد ويسرى وجيهان ونسرين. 3ـ سمير متزوج من السيدة كيتا شفيق الحلاّني ورزق منها: محمد وحسين ومهدي وزهراء وهبة. 4ـ حسن متزوج من السيدة سهير شحيتلي وعنده منها إبنتان وهنّ: آية وغدير. 5ـ جميلة متزوجة من عفيف عوّاد. 6ـ نعيمة متزوجة من محمود وهبي. 7ـ سامية كانت متزوجة من المرحوم بديع ديب الحاج حسن.

في عام 1947 توقف المعلم خليل عن التدريس في بلدتي مشّان والصوانة ـ علمات بسبب رغبة الأهالي بإرسال أولادهم للدراسة في المدارس الرسميّة(1).

ب ـ مع مدرسة علمات الرسميّة:

أساتذة مدرسة علمات الرسميّة التي أُسست أيام متصرفيّة جبل لبنان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. [أيام المتصّرف نعوم باشا بسعي من مساعده حسن بك كاظم عمرو(2)] كان لها دور كبير في حياة علمات والقرى المجاورة لها في التربيّة والتعليم وفي تعليم القرآن الكريم. من ألمع هؤلاء الأساتذة في تعليم القرآن الكريم واللغة العربيّة ما بين الحرب العالميّة الأولى والحرب العالميّة الثانيّة كان: الشيخ محمد الحر، الشيخ محمود عباس العامليّ، الشيخ إبراهيم داود خاتون، الشيخ إبراهيم شمس الدين، حسن الزين. وكلهم من جنوب لبنان وأمّا علي خليل حيدر أحمد فهو من بلدة علمات ووالد الشاعر نجيب حيدر أحمد.

وقد حظيت بلدة علمات ـ الصوانة والقرى المجاورة بوجود الأستاذ الحاج سلمان علي العيتاوي مديراً لها ومدرساً بها منذ عام 1951م ولغاية عام 1960م.

وقد تكلّمت عنه(رحمه الله تعالى) في العدد الأوّل من مجلة«إطلالة جُبيليّة» الصادر في أيلول عام 2010 تحت عنوان، من أعلامنا: الدكتور الحاج سلمان العيتاوي. كما تكلّم عنه تلميذه الأستاذ محمد علي عوّاد في أطروحته حول علمات حيث قال: «ولهذا الأخير فضل كبير على النشء في الخمسينيات، وكنت آنذاك من عداد تلاميذ المدرسة، أيامه تقدمنا لنيل الشهادة الإبتدائيّة. وكان يُدرِّس في مدرسة بيتية خاصة ولبعض تلاميذ القرية كل من خليل حسن سليمان شقير. وهو اليوم من المسنين الأجلاء في القرية، ومن المرحوم علي ديب نكد عوّاد شقيق الضابط المتقاعد حميد نكد عوّاد. وكانت مواد التدريس القراءة والكتابة وبعض مبادئ أصول الحساب. ويتم التعليم في اللغة العربيّة دون سواها، وتكتمل عند ختم جزء عمَّ في القرآن الكريم وفي المرحلة الإبتدائيّة(3)».

 

مقابلة مع الرقيب المتقاعد الحاج علي الولد الأكبر  للمرحوم الشيخ خليل شقير ظهر يوم الأحد الواقع في 18 آذار 2012 في منزله في الصوانة. وهو من مواليد الصوانة 1941م. بتصرف.

 راجع كتابنا «التذكرة أو مذكرات قاضٍ» ج1، ص: 122ـ123، حيث قلت: [«أنّ المرحوم خالنا إستطاع عندما كان مساعداً للمتصرف نعوم باشا أن يقنعه في صرف مبالغ من المال لبناء بعض المساجد والمدارس الرسميّة للشيعة في متصرفيّة جبل لبنان وهي مساجد، 1ـ المعيصرة، 2ـ الحصون، 3ـ علمات، 4ـ شمسطار، 5ـ الهرمل، 6ـ حومين التحتا عند أرحامه من آل همدر، 7ـ ومدرسة علمات الرسميّة وغيرها. بتصرف»].

دراسة حول تاريخ علمات وجوارها ـ بعض النواحي الإقتصاديّة والإجتماعيّة والتربويّة. 1800م ـ 1935م للأستاذ محمد علي حيدر عوّاد، ص: 51.