الحلقة الأخيرة: المدارس القرآنية في بلاد جبيل وفتوح كسروان في القرن العشرين

11/10/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

حجولا ورأس أسطا

من العام 1928م. ولغاية عام 1948م. تقريباً

 تتابع مجلة «إطلالة جُبيليّة» في حلقتها السادسة والأخيرة حول المدارس القرآنيّة في بلاد جبيل في بلدتي حجولا ورأس أسطا. حرصاً منها على التمسك بكتاب الله تعالى وجعله إماماً ومنطلقاً  لنا في الحياة. مصداقاً لحديث رسول اللهP،» إذا إلتبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع وما حلَّ مُصدق ومن جعله إمامه قاده إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار(1)».

أ ـ مع الشيخ خليل محمد هاشم

في أوائل الستينيات من القرن العشرين طرق سمعي إسم الشيخ الجليل المرحوم خليل محمد هاشم مع إسم آية الله العلاّمة الشيخ حسين معتوق(قده)، حيث زارا منزل كبير العائلة المرحوم الحاج علي الحاج مُسلم عمرو مختار المعيصرة واستبقاهما قرابة أسبوع في ضيافته، كما زارا أيضاً أبناء عمنا آل أبي حيدر في سقي فرحت، الحصون ونزلا في ضيافة الحاج الأستاذ حسين محمد حسين حمد أبي حيدر ونزلا في ضيافته أياماً، كما زارا بعض القرى الشيعيّة الأخرى في بلاد جبيل. والغرض من تلك الزيارات كان نقل صورة صادقة عن حاجات المسلمين الشيعة في بلادنا وقضاياهم الإجتماعيّة والدينيّة إلى المرجع الأعلى الإمام السيّد محسن الطباطبائي الحكيم(قده)، في النّجف الأشرف.

كما سمعت إسمه الكريم يتردد أيضاً على مسامعي من بعض الحجاج من قريتي الذّين ذهبوا برفقته لتأديّة فريضة العمرة والحجّ حيث كان(رحمه الله تعالى)، قائداً لتلك الحملات. كما رأيته عن قُرب في قريتي عدّة مرات بمناسبة دعوته من بعض الأرحام في المعيصرة لإجراء عقود الزواج. كما وفقني الله تعالى، لزيارته في منزله القديم في شارع أسعد الأسعد في الشياح مع صديقي المرحوم السيّد عبد الله محمد الحسينيّ للإستفادة من بعض توجيهاته ونصائحه حول التبليغ الدينيّ في بلاد جبيل وفتوح كسروان وذلك في أواخر الستينيات من القرن الماضي فوجدته شيخاً مُهيباً يتلألأ النور من وجهه الطاهر قد تجاوز الثمانين عاماً وقد أثرت الأيام والسنون بصحته وقد استفدت في تلك الجلسة من دعائه لي بالتوفيق وقد حاولت جاهداً في هذا العام للقاء مع نجله المحامي الأستاذ محمد حسن للإستفسار منه حول حياة المرحوم والده ولتدريسه للقرآن الكريم في قرية حجولا بموجب رخصة قانونيّة صادرة في 21 آذار 1928م. وبالتالي قيامه بالتدريس في قرية رأس أسطا ولغاية عام 1948م. تقريباً. ومن ثُمّ في منطقة كرم رحال القريبة لمنطقة المتحف وفرن الشباك بعد عام 1948م. فلم نتوفق للقاء به بسبب سفره إلى أفريقيا الغربيّة لزيارة أبنائه..

 

ب ـ مع الحاج حسين محمود حيدر أحمد

وقد وفقنا الله تعالى، للقاء مع أحد طلاب مدرسته في بلدة رأس أسطا الحاج محمود حيدر أحمد مؤسس مطعم «كرم الخيرات» عصر يوم الجمعة الواقع في 31 آب 2012م. حيث جلسنا معه جلسة عائليّة برفقة بعض أرحامه وأبنائه في منزله الجميل قرب مطعمه الكائن في أوّل البلدة. وقرأت الفاتحة عن روح ولده الشهيد الشيخ عماد حيدر أحمد الذي إستشهد فوق تراب جبل عامل عام 1999م. دفاعاً عن المُقدَّسات والكرامة ولبنان. وبعد شرب القهوة معه كانت حصيلة اللقاء والحوار ما يلي:

ـ الحاج حسين بن محمود بن محمد بن حسن المعروف بأبي ضاهر من آل حيدر أحمد، ولادة قرية رأس أسطا في 10/7/1935/. الأم: زينب خليل حيدر أحمد. الزوجة: الحاجة زينب خطّار حيدر أحمد. الأبناء:1) وسام (أبو حسين) موظف في الجمارك. 2) علي يعمل في الأعمال الحرة في سويسرا. 3) الشهيد الشيخ عماد بكالوريوس من جامعة آزادي ـ طهران ـ الجمهورية الإسلاميّة. 4) ربيع صاحب شركة عقاريّة. 5) سامر بإدارة مطعم كرم الخير في رأس أسطا. 6) كوثر(أم عماد) زوجة حسن مجيد حيدر أحمد. 7) عبير زوجة رشاف حيدر أحمد. 8) ريما عزباء. 9) سمر عزباء.

وعند سؤاله عن دراسته أجاب: لقد وفقني الله تعالى للدراسة على يدي المرحوم الشيخ خليل هاشم عامي 1945 ـ 1946م. في منزل المرحوم محمود أسعد علي حيدر أحمد. حيث درست عليه القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربيّة والحساب وكان يأتي ماشياً كل يوم من قريته طورزيا إلى قريتنا رأس أسطا أيام الصيف والحر الشديد وفي أيام الشتاء والمطر والثلج.

وكان (رحمه الله تعالى) يقدّر الطالب الناجح والمتفوق. كما كان شيخ قريتنا وشيخ المنطقة كلها يصلّي على الأموات ويصلّي بنا صلاة الأعياد ويقوم بإجراء عقود الزواج. وقد أجريت عقد زواج إبنة عمي الحاجة زينب على يديه عام 1967م.

ولم يكن في منطقتنا شيخ آخر يشاطره في هذه الأعمال أبداً غير المرحوم الشيخ أحمد همدر الذي كان إمام قرية بشتليدا وفدار الفوقا ويقوم بتعليم الأولاد القرآن الكريم واللغة العربيّة في مزرعة العين  التابعة للقرية الآنفة الذكر في منزل المرحوم حسين أسعد حيدر أحمد.

وكان عطاء النّاس للمرحوم الشيخ خليل هاشم على تدريسه لأولادهم ولإجرائه عقود الزواج لهم وغير ذلك من قضايا دينيّة هو تقديم الهدايا له من البيض  والحليب واللبن والبرغل والعدس والكشك والزبيب والعسل وغيرها من هدايا من إنتاجهم الشخصيّ. وكذلك كان أهالي مزرعة العين وبشتليدا يقدمون للمرحوم الشيخ أحمد همدر أمثالها من هدايا!!.    

ج ـ مع المحامي الأستاذ علي حسن حمادة

صديقنا العزيز المحامي الأستاذ علي حسن حمادة(2) أتحفنا بهديتين جميلتين يوم الخميس في 30 آب 2012م.

الهدية الأولى: تعريفنا بالأستاذ الألمعيّ الدكتور ناظم علي خضر ملحم حمادة(3) نجل المرحوم الشيخ علي خضر مؤسس المدرسة القرآنيّة الثانيّة في حجولا عام 1939م.

والهدية الثانيّة: مقالة تاريخيّة جميلة تؤرخ للمدرسة الآنفة الذكر ولأيام دراسته على يدي الشيخ علي خضر ولمدرسته القرآنيّة تحت عنوان:»مدرسة تحت السنديانة(4)». وهي تؤرخ للمدرسة القرآنيّة الثانيّة في حجولا المجاورة في 29 آذار 1939م. 

 

مدرسة تحت السنديانة

تحية شكر وتقدير أتوجه بها للقاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو على «إطلالته الجُبيليّة» الرائعة، والتي تحيي لنا تراث الآباء والأجداد، تلك الحضارة المتمثلة بسيرة رجالاتنا الكبار في منطقة جبيل، من أدباء وحقوقيين ورجال دين وعلم، ونُخبة ممن شغلوا مناصب إداريّة وقضائيّة عالية، تفوقوا فيها، وكانوا المثال والقدوة.

أخصُّ في رسالتي الحاضرة ما كان في مجال التعليم، أي ما سبق أن أشارت إليه مجلتكم الغرّاء في عددها الثالث تحت عنوان «الشيخ حسن همدر» ص 94. وهو النشاطات العلميّة في قرانا الجُبيليّة الفقيرة المتواضعة، سيّما ما كان يعرف منها بـ «مدرسة تحت السنديانة» على أيدي بعض الناشطين في تلك الفترة ومنهم المرحوم الشيخ أحمد همدر والمرحوم الأستاذ علي خضر حمادة.

ولتأكيد أن «مدرسة تحت السنديانة» لم تكن إسماً مسمّى، بل إنّها كانت بالفعل حقيقة قائمة وموجودة، فلا بُدّ لي وبسطور أن أُقدِّمَ الدليل على ذلك بوصفي من بلدة حصنعار التابعة لمختارية حجولا، حيث كنت وأنا بعمر الست سنوات أذهب إلى المدرسة في قرية حجولا أي لمسافة نصف ساعة سيراً على الأقدام، لأتلقى العلم على يد الأستاذ المرحوم  علي خضر حمادة الذي هو من قرية داعل، البترون.

كانت المدرسة عبارة عن غرفة واحدة قديمة فوق قبوه تسمى العلّية بجوار جامع القرية الحالي يمضي فيها فترة الشتاء والربيع من كل عام.

إلاّ أنّه بحلول فصل الصيف. ونظراً لوجود سنديانة ضخمة ومعمّرة عند أطراف جبانة القرية، فقد كان ينقلنا الأستاذ علي خضر حماده، لمتابعة الدراسة تحت هذه السنديانة لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، بعد أن إستعان بالطلاب، وكان عددنا يناهز العشرين، فقمنا ببناء جدار وبأعمال حفر لإزالة الإنحدار وانشأنا ساحة واسعة حول جذع الشجرة الضخم، أحطناها بشريط من المقاعد الصخريّة لا يزال منها بقايا لغاية تاريخه، وربما أنّ تسمية «مدرسة تحت السنديانة» أخذت مُنطلقاً من مدرسة علي خضر حماده في قرية حجولا.

كان الأستاذ علي خضر حمادة شديد الحرص، وغيوراً على مدرسته وطلابه بشكل لافت بحيث لا يدع فرصة إلا وينتهزها لتمكين الطلاب من فهم الدروس بما فيه عقد جلسات مع الأهالي لمعالجة الحالات الصعبة، وعلى سبيل المثال، وبعد أن استعصى عليه أمر أحد الطلاب فقد نظم بحقه قصيدة مطلعها:

«أعباس عليك العلم صعبٌ

وما سهلٌ سوى شرب الحليب»

كان يشدد الأستاذ حمادة على تعليم طلابه الصرف والنحو وتصريف الأفعال، وعلمهم قواعد الكتابة والإعراب والحساب، وكان يُقسِّم طلابه في الترتيب إلى صفوف، وإنه اثناء تسميعه الدروس يقف أمامه كل صف دفعة واحدة، فيضع من يجيب بتفوق على أوّل يمين الصف، يتلوه إلى اليسار التلميذ الأضعف، ومن ثُمّ الأضعف. وقد كان الأستاذ بهذه الطريقة يشّجع الطلاب على التنافس، بحيث أنّه يستبدل يومياً أثناء تسميع الدروس، مركز كل مقصّر بالأشطر!!.

وبالإضافة إلى مسألة التعليم فقد كان الأستاذ علي خضر حمادة مُحبّاً للعلم والمتعلمين وكان بارعاً في مبادئ اللغة العربيّة، يختزن في ذاكرته كمّاً وافراً من القصائد الشعريّة لأهم الشعراء، ظلّ يحفظها عن ظهر القلب لغاية وفاته بحادث سيارة في مدينة طرابلس سنة 1987م. عن عُمرٍ يناهز 79 عاماً.

و ـ كلمة أخيرة

والكلمة الأخيرة التي سوف أختم بها هذه البحوث هو أنّه قد بقيَّ علينا تحقيقات وبحوث أخرى عن القرى التالية: 1ـ بشتليدا. 2) الحصون. 3 و4 و5) سقي فرحت وفرحت وبزيون. 6 و7) عين الدلبة وعين جرين. 8) أدونيس. 9) غوشريا التابعة لقرية يحشوش. 10) قرقريا. 11) المغيري. 12) أفقا. 13) زيتون. 14) إكمال الحديث عن مدينة جبيل. 15) عمشيت وكفرسالا. 16 و17) مدرستا المقاصد الإسلاميّة في قريتي عين الدلبة وبشتليدا. 18) إجراء مقابلة مع مندوب وممثل جمعية التعليم الدينيّ الإسلاميّ في بلاد جبيل وفتوح كسروان. 19) إجراء مقابلة مع مندوب جمعية القرآن الكريم في بلاد جبيل وفتوح كسروان. 20) اللقلوق والمزارع التابعة لها. 21) مزرعة السيّاد والمزارع التابعة لها. حتى نستطيع من خلال التحقيقات التي تعتمد على الذاكرة الشعبيّة وعلى بعض الوثائق النادرة أخذ صورة صحيحة عن تعلّم القرآن الكريم وتعليمه عند المسلمين في بلاد جبيل وفتوح كسروان في القرن العشرين.

وقد صرفت النظر عن متابعة البحث والتحقيق حول ذلك نظراً لضعف الصحة والحال وقلّة المال. ولأنّ ورثة بعض أولئك الأساتذة الكرام لم يعيروا لهذه البحوث قيمة؟.

سائلاً الله تعالى أن يوفق بعض الباحثين لإكمال هذه البحوث في المستقبل إن شاء الله تعالى. 

ثواب الأعمال وعقابها، للشيخ دخيّل، عن كتاب النوادر، ص 22.

المحامي الأستاذ علي حسن حمادة مواليد حصنعار   التابعة لمختاريّة حجولا ـ قضاء جبيل 1936م. إجازة في الحقوق من جامعة بيروت العربيّة. عمل رئيس قلم من الفئة الثالثة، شغل بقسم منها رئيس قلم دائرة تنفيذ طرابلس لمدة 14 سنة لغاية 1997، حيث تقدّم بإستقالته للتفرغ للمحاماة كمحام للإستئناف في نقابة محامي الشمال.

الدكتور ناظم نجل الشيخ علي خضر ملحم حمادة مواليد قرية داعل قضاء البترون في 15/9/1954م. أستاذ في كلية  إدارة الأعمال في الفرع الرابع ـ الجامعة اللبنانيّة ـ طرابلس.

أوردت هذه المقالة التاريخيّة الجميلة لما فيها من مصداقيّة. كما أنّ الأستاذ علي حمادة يغلب على ظنه أنّ المرحوم الشيخ علي خضر ملحم حمادة هو تلميذ للمرحوم الشيخ خليل هاشم. الذي سبقه للتدريس في قرية حجولا أحد عشر عاماً إذ أنّ رخصة المدرسة القرآنيّة للشيخ خليل مؤرخة في 21 آذار 1928م، ورخصة المدرسة القرآنيّة للشيخ علي خضر مؤرخة في 29 آذار 1939م.!!!.