فلسفة الحجِّ في الإسلام

11/10/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

آية الله الشيخ حسن طرّاد

والحكمة في تشريع هذه العبادات على هذا الوجه هو تأثيرها الإيجابيّ في تقوية الرابطة الإيمانيّة وترسيخها في حقل النفس لتشد المكلف وبإستمرار بسلك العبوريّة إلى الذات الإلهيّة المُقدسة فلا يتجاوز حد الإطاعة لها والإستقامة في خط عبادتها والخضوع المطلق لإرادتها مهما كانت الضغوطات أو الإغراءات المقتضيّة بطبعها للإنجراف عن نهج العبوديّة القويم وصراطها المستقيم.

وذلك لأنّ الإتيان بالعمل تقرباً لله سبحانه وإنقياداً لإرادته، إذا إستمر المُكلف عليه فهو يقي ارتباطه به فكرياً وروحياً ونفسياً ويؤدي ذلك بطبعه إلى إنحصار تصرفاته في إطار إطاعته لله تعالى وعدم تجاوزه حد عبوديته له في كل الأوضاع والأحوال وإذا اتفق تجاوزه له بتأثير بعض العوامل الضاغطة فسرعان ما يعود نهج الإطاعة والإستقامة ـ من باب التوبة ليطهر نفسه بها من أدران المعصيّة كما أمره الله

تعالى ورغبة فيها بقوله سبحانه:}إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ{ سورة البقرة، آية: 222.

وبذلك ندرك أنّ فلسفة تشريع العبادات بمعناها الخاص وكيفيتها المحددة هي ترسيخ الرابطة الإيمانيّة وتقوية ملكة العبوديّة والخضوع لله سبحانه ليبقى الإنسان المكلف على حالة صلة به وصلاة له بكل عمل يمارسه قربة لله تعالى.

وهذه النتيجة الإيجابيّة وهي الإتصال بالله دائماً هي المعبر عنها بالتقوى التي هي روح العبادة وقلبها النابض المحرك لشخص العابد في طريق الكمال والسعادة كما أراد الله سبحانه.

ولذلك اعتبر نبيُّ الإسلام الصلاة المجردة عن روح التقوى الناهيّة عن الفحشاء والمنكر شبحاً بلا روح ولا يترتب عليه سوى التعب والسهر كما اعتبر الصوم المجرد عنها بحكم العدم حيث لا يترتب عليه سوى الجوع والعطش وكذلك فريضة الحج التي لا تثمر لمؤديها صفة التقوى كما أراد الله سبحانه لا يترتب عليها سوى التعب وخسارة المال والوقت اللذين يُبذلان في سبيل تأديتها.

وقد بيّن الله سبحانه أن التجمل بصفة التقوى هي الغاية الأساسيّة المقصودة من تأديّة فريضة الحج بعدّة آيات من كتابه المجيد.

منها قوله تعالى:} وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى{ سورة البقرة، آية 197.

لأنّ هذه الآية واردة في سياق الحديث عن فريضة الحج.

ومنها قوله تعالى في معرض الحديث عن بعض شعائر الحج وهو الهدي:}لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ{ سورة الحج، آية 37.

وإذا نظرنا إلى العبادات الخاصة من خلال جوهر  الغاية المقصودة منها نجدها مشتركة في هذا الجوهر ومتحدة في الروح وإن اختلفت بالخصوصيات المميزة وقد مرّت الإشارة إلى القاسم المشترك بينها وهو التقوى المُستفادة من نصوص الكتاب والسُنّة الواردة في مقام بيان الحكمة والغاية المُستهدفة من تشريعها.

ونتيجة إشتراكها في الغاية الأساسيّة العامّة هي حصول التفاعل والتكامل فيما بينها لتشبه بذلك أعضاء الجسم الواحد حيث يؤدي كل واحد منها دوره الخاص به ويساعد غيره على القيام بدوره، فهي مضافاً إلى مساهمتها في تحقيق الهدف المُشترك وهو التقوى والخضوع المطلق بكل الممارسات الإختياريّة لإرادة الله التشريعيّة، نرى لكل واحدة منها فائدتها الخاصة بها.

 

 

هذا البحث مأخوذ من مقدّمة لسماحته} لكتابه: (فلسفة الحجّ في الإسلام)، ص 10 ـ 11ـ 12. ط. دار الزهراء ـ بيروت 1998م. 1418هـ. الطبعة الأولى.