الحلقة الثالثة: ملف العشائر والعائلات الإسلاميّة

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

في متصرفيّة جبل لبنان

عشيرة آل شمص جذورها، نزوحها وأماكن تواجدها

بقلم الدّكتور عبد الحافظ شمص

 

من الواجب والضّروري، أن نكون جميعًا، في خدمة الوطن وإلى جانبه في كلّ أيّام حياتنا.. ودعوة الواجب هي في مكانها، باعتبار أنّ الوطن للجميع وليس لفئة واحدة أو عقيدة واحدة.. وهو بِأَمَسّ الحاجة لأبنائه أينما وُجدوا, وأن يكون الولاء للوطن مهما اختلفت المشارب والعادات والتّقاليد...

وانطلاقًا من واقعٍ، لا تزال تتكرّر صُوَره منذ القِدَم، ومن دون تغيير يُذكر، أنّ بعض العائلات العشائريّة لا تزال تعيش الولاء العائلي في المجتمع اللبناني، المتجذّر بكلّ تفاصيله في أطباع بعض أفرادها، لأنّه، على ما يبدو، لم يتبلور حتّى اليوم أيّ مشروع توحيدي ينتقل منه الولاء من العائلة والعشيرة إلى الوطن.. ولأنّ المحاولات الخجولة وغير النّاضجة التي يشهدها مُجتمعنا اللبناني مع الأحزاب والتّيّارات الموجودة، كانت في أكثريّتها ترتكز على فهمٍ مُشوّش للتقليد والحداثة في آن.. ولأنّ كثيرين مارسوا مشاريع التحديث لتدعيم مواقعهم التّقليديّة المهزوزة، أو لكسب مكان على خارطة هذه المواقع.. ولأنّ هذه المشاريع لم تكن في الأصل من النُّضج والتّجرّد بمكان، لتصل إلى أهدافها الوطنيّة السّامية...

ومهما يكن من أمر، فإنّ للعائليّة والعشائريّة إيجابيّات تتجلّى في أيّام المحن والتجارب، أهمّها، الإخلاص للوطن والدّفاع عنه وحمايته...

وهنا لا بُدّ من التّنويه بأنّه، وبحسب رأيٍ شائعٍ يُسجَّل لهذه العشائر بأنها لم تُشارك كبنية قائمة، بأيّ خلاف وطني مرّت به البلاد باعتبارات عديدة، أهمّها أنّ عسكر العشيرة كما هو معروف، لا يُقاتل لحساب أحد أو تحت سلطة أحد غير سلطة الزعيم الذي بدوره يلتزم بواجب الحفاظ على أمن الوطن وكيانه في كلّ زمان ومكان. ولم تنغمس في الطائفيّة لأنّه ليس لهذه مكان في التّربية العشائرية، ولم تشترك في أي قتال على الإطلاق على أساس طائفي أو مذهبي، وحافظت على العيش المشترك في جميع المناطق اللبنانيّة وفي مناطق نفوذها بالذّات.. وقد شكّلت في غياب الدّولة وبقواها الخاصّة، ضابطًا أمنيًّا وأخلاقيًّا رادعًا، ففرضت الأمن والأمان في مناطقها، وضبطت المخلّين به، وأصدرت الأحكام الرّادعة على من حاول الإخلال بالأمن أو التعدّي على أحد دون مبرّر، أو شذّ عن القاعدة.. وبقيت نتيجة ذلك، الطرقات العامّة والخاصة التي تمرُّ في مناطق العشائريّين في الهرمل وجرودها آمنةً وسالكة ومحميّة على مدى سنوات عديدة..

وفي هذا العدد من «إطلالة جبيليّة» نتحدّث عن عائلة شمص التي تعتبر أمّ العشائر اللبنانيّة..

جذورها التّاريخيّة وموطنها الأول..

يتحدّر آل شمص من قبيلة «مذحج المذحجي» العربيّة اليمنيّة، ومنها «خسعم» والصحابي الجليل «هاني بن عروة»، ومسلسل نزوحهم وتفرّقهم في البلدان هو عينه، مسلسل نزوح وتفرّق أبناء عمومتهم آل حماده.. فبعد انهيار سدّ مأرب في اليمن، نزحت العشيرة إلى الكوفة في العراق، ثمّ إلى بلاد العجم بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب، Q، ومن هناك إلى سلمية في سوريا، فجبل لبنان مرورًا بالهرمل وفي بعض بلدات وقرى البقاع، كما إلى عدّة مدن في دول عربيّة وأجنبيّة منها مصر والعراق بحيث توجد منطقة تسكنها العشيرة فقط.. وفي محافظة حمص في سوريا توجد أيضًا بلدة جميع سكّانها من عشيرة شمص. وبالطّبع إلى بيروت والجنوب اللبناني بحيث حُرّف هناك حرف «الصّاد» إلى «سين» فعُرفت بعائلة شمس..

وقبل تفرّق العشيرة كانت أوّل بلدة جمعتهم إلى جانب إخوتهم وأقاربهم، بلدة «قمهز» في كسروان، حيث كان تجمّعهم وعملهم. وقد علم حاكم منطقة كسروان العسّافي التركماني بقدومهم، وكان يَعرف عنهم أنّهم أصحاب بأس وقوّة وشجاعة، فدعا كبارهم واجتمع بهم واتّفق معهم على محاربة مقدّمي «جاج» و «بشرّي» و «جبيل» الذين كانوا من ألدّ أعدائه.. ويسبّبون له المشاكل والحروب بصورة دائمة. فوافق أفراد من العشيرة على طلبه. وبعد أن مدّهم بالمال والسّلاح شنّوا هجومًا شاملاً على أماكن تواجد المقدّمين واشتبكوا معهم في معارك قاسية. خرجوا بعدها مُنتصرين، وقد بقي مقدّم جبيل محاصرًا يردّ ضرباتهم إلى أن فازوا به وجلبوه مع أنصارٍ له إلى الحاكم، الذي أمر بسجنهم ومن ثم قتلهم.. وبعد ذلك دعا العشيرة إلى الإجتماع في قلعة جبيل فلبّوا الدعوة، وطلب إليهم اختيار أحدهم لتسلّم مقاليد المنطقة وجباية الضرائب من سكّانها، فلم يُوفّقوا في بادئ الأمر.. وبعد مشاورات وأخذٍ وردّ تمّ اختيار أحد أقربائهم اسماعيل حماده الذي اشترط موافقة جميع إخوته وأبناء عمّه في العشيرة الشّمصيّة، فكان له ما أراد، وقد بايعه الجميع وألبسوه عباءة المشيخة وقلّدوه السّيف.. منذ ذلك الحين أصبح للعشيرة قدْرٌ كبير من الأهميّة على صعيد المنطقة حيث الجاه والقوّة والعدد والعدّة.. وقد استوطن أفراد هذه العشيرة بلاد جبيل وكسروان، والبحيرة، الواقعة بين قرية بئر الهيت وبين قرية مشّان، وقد تزوّج أحد أبنائها، وأنجب (دندش)، (ناصر الدّين)، (محمّد علّوه)، (علاّم). وقد وفقني الله تعالى لكتابة بحث حول ذلك حيث تبيّن لي أن هناك عائلات كريمة أخرى تنتمي إلى جدنا شمص. نسأل الله أن يوفقنا لطباعتها ونشرها في المستقبل.

انتشرت عشيرة آل شمص في لاسا ولحفد ومراح جديد قرب البترون.. كما أقاموا في مشّان وعين الدّلبة وفي فتري وفرحت وفرات وجبيل وبلاط وكفرسالا وأدونيس ويحشوش وفي غيرها من القرى والبلدات في جبيل وكسروان.

وما أن أشرف القرن السّابع عشر على نهايته، حتّى كانت نقمة الأمراء والولاة تبلغ أوجها، جرّاء أمور كثيرة، منها عدم تسليم الأموال الضرائبيّة التي يُجبيها قريبهم من آل حماده إلى الولاة في صيدا وطرابلس ودمشق، فكان هؤلاء الولاة يشنّون الحملات المتتالية على بلداتهم وقراهم ويخرّبونها ويقتلون المئات منهم، حسب «تاريخ الأعيان في جبل لبنان».. وزاد الطّين بلّة قيام الأمير يوسف الشهابي بعدّة حملات عسكريّة ضدهم بحجج واهية لا أصل لها ولا تستند إلى حقيقة، تسانده قوّات السلطة العثمانيّة، ممّا اضطر بعض أبناء العشيرة للنّزوح وترك أرزاقهم وبيوتهم للنّهب والتّدمير، إلى البقاع وإلى بعض جرود الهرمل التي عصيت على جنود الأمير يوسف. وأقام قسم كبير منهم في بوداي وشعت والكنيسة ونبحا واللبوة والهرمل وزبّود والخرايب والزّرايب والدّورة وإيعات ومقنة وبعلبك وشمسطار وفي بلدة القصر القريبة من الحدود السوريّة.. وقد نزح بعض أبناء جُبّ بشير شمص إلى دمشق وأقاموا في منطقة الصّالحيّة.. وبشير هذا كان واحدًا من أربعة إخوة: مشرف، عسّاف، سعدون، أسعد. وقد كبُر عددهم وحافظوا على مكانتهم الإجتماعيّة والتجاريّة والإقتصاديّة والعلميّة.. وقد نبغ العديد من أبناء العائلة على صعيد الهندسة والطبّ والمحاماة والصحافة والأدب والشعر والفنّ.. وكما سبق ففي شمال العراق توجد قبيلة من آل شمص قرب جبل سنجار.. وفي محافظة حمص في سوريا أيضًا، كما انتشروا في بلاد الإغتراب، الولايات المتحدة الأمريكيّة، كندا، البرازيل، أستراليا، المكسيك، فرنسا، الأرجنتين، ألمانيا، الباراغواي، وغيرها... وفي اليمن لا يزال هناك عدد منهم في جبل سُمّي على اسمهم يُدعى جبل شمص، وفي فرنسا قرية صغيرة تُدعى Chamas.. وقد وُجدت رسالة من رئيس بلديّة تلك القرية يُثبت أنّها سُميّت على اسم أحد الأشخاص الشرقيّين، الطبيب شمص.

تُعتبر عشيرة شمص من أكبر العشائر اللبنانيّة مع فروعها وأبناء عمومتها.. دندش، علّوه، علاّم، ناصر الدين وغيرهم... وتنتشر عشيرة شمص وأولاد عمهم في معظم القرى والمدن اللبنانيّة، ويربو عددهم على المائة ألف نسمة.. والمعلوم أنّ لبنان هو في قلوب الجميع يفدونه بالأرواح.. وإنّ معظم العائلات العشائريّة متّفقة ومنسجمة، تذود عن حياضه وتُحافظ على أمنه وسلمه والتّاريخ أثبت، بما لا يقبل الشكّ، إخلاصهم وثباتهم وتفانيهم في سبيل وحدة الصفّ والوحدة الوطنيّة، وهم يعملون بصدقٍ واخلاص لما فيه خير لبنان وتقدّمه ووحدته واستقراره.

يبقى أنّ على الدّولة اللبنانيّة، الإهتمام الجدّي بأمورهم الحياتيّة والصحيّة والإجتماعيّة والتربويّة والمعيشيّة، وتقديم الرعاية لهم وإشعارهم بأنّ دولتهم منهم ولهم، أينما وُجدوا دون تمييز بين منطقة وأخرى وطائفة وأخرى.