عندما نكتب عن آل البيت(ع)

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: د . يسري عبد الغني عبد الله(1)

عندما نكتب عن حياة الصالحين ومنهم آل بيت رسول الله الهادي البشير(ص)، فإنه من الأفضل أن نضع في الاعتبار أننا لا نكتب في التاريخ أو نُسّطر دراسات أكاديمية بالمعنى الذي خبرناه، ولكن نريد أن نلقي الأضواء الناصعة على تاريخ هؤلاء الأجلاء، وبمعنى آخر نقدّم المواقف الجليلة الباهرة في حياتهم العامرة بالقيم والأخلاقيات النبيلة، مع مراعاة أن بعضهم أخذ حظه من الكتابة والإعلام، والبعض الآخر مرّ عليه أهل التأريخ مرورًا عابرًا أو كما يقولون: مرور الكرام، بالرغم من أن له دوراً مهماً وخطيراً، سواء في بناء الدولة، أو في السلوك الرفيع للمؤمن العابد العامل.

ومن ثمّ علينا إذا أردنا إنصافاً لتاريخ كثير من الشخصيات التي أَثّْرت في حياتنا الإسلامية عبر العصور المختلفة، سواء بالجهاد في ميدان الكفاح والنضال من أجل الحقِّ والحرية والعدالة، أو بالكلمة الصادقة المُعّبرة في ميدان الدعوة بالتي هي أحسن، أو بالسلوك في محراب العبادة، أن نؤدي واجب الوفاء نحوهم، عن طريق إظهار وإبراز مزاياهم وخصائصهم، فكتابة التاريخ أمانة في عنق الكاتب، ومن منطلق العقيدة يقدّم الكاتب أو المؤرخ على حمل هذه الأمانة، مراقباً الله جلَّ علاه في كل كلمة يخطها، بل في كل حرف يكتبه ..

ولكي يكون الكاتب أميناً مع نفسه أولاً ومع القارئ المفضال ثانياً، وصادقاً في الوقت نفسه مع تاريخ الشخصية التي يكتب عنها، فعليه أن يعايش معظم المراجع والمصادر التاريخية المعتمدة الموثوق بها المحايدة غير المنحازة، معايشة فحص وتمعن وتدقيق، ينقب عن خبر هنا، وحكاية هناك، حتى يستوفي كل ما وعته هذه المراجع أو تلك المصادر، ثم يأخذ في بلورة أخبارها وحكاياتها في مقال مركز تركيزاً دقيقاً أميناً، ليس فيه بسطة تمل القارئ، ولا ضيق يخل بالتاريخ وصدقيته، وإنما على الكاتب أن يضع سيرة حياة الشخصية التي يتناولها في إطار من الأمانة التاريخية، يعطيها حقها من الإنصاف، ويحفها بهالة من الصدق، وبهذا يقدم للقارئ نماذج مضيئة من أسلافنا، وما كانوا عليه من عظمة وجلال، وكيف كانوا يستمدون أفعالهم من قيم الإسلام الحنيف، ويرتكزون في تصرفاتهم على مبادئ دين الحبِّ والرحمة والحقِّ والخير والسماحة، وبهذا سادوا الدنيا، وفتحوا البلدان بعون الله وتوفيقه..

مطلوب من الكاتب أن يعكس في كتاباته عن آل البيت (رضوان الله عليهم)، كيف كانوا يقيمون حياتهم على الحُبِّ والأخوة والمودة والتسامح والتراحم والإيثار والتكافل والتضامن وعدم إقصاء الآخر مهما كانت الظروف والملابسات، فلا نبالغ إذا قلنا أنهم ملائكة في محراب العبادة، وفرسان في ساحات إحقاق الحقِّ وإعلاء قيم الإنسانية النبيلة، يجاهدون النفس بالصيام والقيام، ويجاهدون كل باغ متجبر متكبر ظالم بالعزيمة والقوة والإرادة، جمعوا بين مقاومة شهواتهم، ومقاومة أعدائهم في الوقت ذاته، سيان الشيوخ منهم والشباب..

على أهل القلم أن يقدّموا لشبابنا الباحث عن القدوة والمثل الأعلى في هذه الأيام القلقة المختلطة المضطربة، أن يقدموا لهم نماذج من الشباب المسلم الذي أَحبَّ الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم المبعوث هدى ورحمة للعالمين (ص)، أشدَّ من حُبِّه لنفسه وأهله، وقدَّم روحه ودمه تحت راية الله جل شأنه، لإعلاء قيم الحقِّ والخير، مؤثراً الآخرة عن الدنيا الفانية، ورضوان الله جلَّ شأنه على زينة الحياة ومتاعها.

ولا مانع على وجه الإطلاق أن نُعرّف شبابنا بشيوخ من السلف الصالح بلغوا من الكبر عتياً، ومع ذلك لم تمنعهم شيخوختهم، من أن يصوموا النهار ويقوموا الليل، ويلّبوا نداء الجهاد والعمل والاجتهاد من أجل واقع أفضل للبلاد والعباد..

نحن في حاجة ماسة لأن نكتب عن تاريخ الشباب منصفين له، كما ينصف التاريخ الشيوخ، ويجب ألا يكون ذلك مقصوراً على عهد المصطفى الأمين (ص)، وعهد خلفائه الراشدين، وإنما هو يمتدُّ في أعماق التاريخ، ويبحث عن حامل السلاح والراية في الميدان، كما يبحث عن حامل المصحف الشريف في المحراب، ويستقصي سيرة حياة كل منهما في صدق وأمانة وإنصاف.

وإذا وجدنا هذه الشخصيات، وهي في البرزخ الآن، تطلُّ علينا من شرفات الخلود والأبدية، تعاتبنا على أننا لم نقدّرها حقَّ قدرها، أو ننصفها غاية الإنصاف، فإنه علينا بالمسارعة للاعتذار لها، وإبلاغها بأننا لم نقصر تجاهها، ولم نكتف بالنظرة العجلى لتاريخها، وإنما بذلنا أقصى ما يبذله مُسلم مُجتهد، يضع تاريخ أُمته في سماء عقيدته وإيمانه، فإن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران..

وعلى المؤرخ أو الكاتب عندما يزجي للتاريخ عملاً يجب أن ننظر إليه على أنه بذل جُهداً محترماً في حدود جهده وطاقته ووسعه، وقد ألفى من خلال عكوفه على مراجع التاريخ، واختلاف الروايات عند المؤلف الواحد، أن هذا التاريخ بحاجة إلى تنقيته من الشوائب، وإخراجه في صورة جديدة تزيل ما علق به من الهنات التي وقع فيها أهل التأريخ..

وعلى المؤرخ أو الكاتب أن يخفض قلمه دائمًا وأبدًا تحية لكل شخصية قدمها أو كتب عنها من أهل التقوى والصلاح والعلم والعمل، فقد أتيحت له فرصة غالية أن يواكب التاريخ الإسلامي المجيد مع أبطاله وأمجاده وعظمائه، وأن يتملى في سلوكهم المثالي الرشيد، وهم يستضيئون بالقرآن المجيد، ويستنيرون بالسُنَّة النبوية المُطهّرة، ويستهدون بالقيم والمثل والأخلاق التي نادى بها الإسلام الحنيف، وما أحوجنا جميعًا وبالذات شبابنا الصاعد أن يترسم خطاهم، ويتلمس طريقهم، ويسير على هداهم، فقد حملوا أمانة هذا الدين، وأدوها أفضل أداء.

الهوامش:

خبير في التراث الثقافي من جمهورية مصر العربيّة.