الشرف، العلم، الولاية هم أنتم أهل بيت النبوّة

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم المفتي الدكتور الشيخ سليم اللبابيدي(1)

إنّ الصراع بين الحقِّ والعدل والإحسان من جهة والباطل والهيمنة والغطرسة والجبروت من جهة أخرى قائم مع كل الأنبياء والأصفياء على مدار التاريخ، وكان ولا يزال الباطل يعتمد على الماديات والقوى الملموسة بينما نجد أن أهل الحقِّ اعتمادهم على صاحب الحقِّ أي على الخالق عزّ وجل. وقد طال هذا الصراع وسيبقى إلى أن ينتهي برجل من آل محمد(ص)، يملأُ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.

وقد وجدنا أن الأمر انقسم إلى اتجاهين عرف بالقرآن والسلطان وكان للقرآن أهله وحماته وكان للسلطان وجنده وحزبه فريقه الذي عُرِفَ به حتى أنّه أصبح الحقُّ وأهله يعرفان بصلتهما بالآخر وعلى مدار التاريخ كان الباطل وحزبه اكثر عدداً وعدّة ولكن أخذ الله على نفسه عهداً أن ينصر أهل الحقِّ وجنده هم الغالبون مهما كانت الظواهر الماديّة عكس ذلك.

وقد وجدنا رسول الله(ص)، قد حارب الظلم والجبروت مهما كبر هذا العدو ولو كان القوة الأكبر أو الأوحد في عصرها.

تمثل ذلك بقوة الروم في ذلك الزمان بعد أن إنتصروا على الفرس وقتلوا مندوبي رسول الله(ص)، إليهم فكان لا بُدّ لأن يخرج إليهم قبل هجومهم على المدينة وخرج إليهم في غزوة تبوك التي كانت المواجهة الأكبر فالعدو هو الروم وحلفاؤهم من الغساسنة العرب وهم مئات الآلاف، والمسافة هي الأبعد وما تعودت العرب على مثل هذا ولكن لا بُدّ من القدوة بأن على المُسلم الحقِّ أن يواجه الباطل مهما كبر أو بَعُد أو عَظُم ودائماً لا تقل أن همي كبير بل ليكن لسان حالك أنّك مع ربِّ كبير (وهو القاهر فوق عباده) ومن يكون مع رسول الله(ص)، في هذا الصراع الكبير والبعيد الذي يهرب فيه كثير من القوى ولكن شعار رسول الله (ص)، حين قيل له تخلف فلان أو المجموعة الفلانيّة يقول: «إن يكن به خيرٌ يلحقه الله بنا وإن كان غير ذلك فقد أراحنا الله منه». وقد ترك أمير المؤمنين عليّاً كرم الله وجهه أميراً على المدينة ليطمئن إلى الساحة الداخليّة. وفي الوقت الذي وجدنا قوى تهرب من الخروج والحركة رأينا عليّاً(ع)، يُسارع في اللحاق برسول الله للمشاركة بالقتال.

وروى سعد بن أبي وقاص قال: خلّْفَ رسول الله(ص)، علي بن أبي طالب(ع)، في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان، فقال:«أمّا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيِّ بعدي»(2).

من هنا نجد أن تحديد الفئتين فئة الحقِّ والعلم والولاية والفضل لآل هارون هذه الأُمّة آل مُحمّد(ص) وأهل البغيِّ والباطل والجبروت. فأهل الحقِّ هم أهل القرآن هم أهل الشرف والولاية والعلم من أتباع مُحمّد وآل مُحمّد ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين.

اليوم ما زال الأمر على المنهج نفسه، باطل يتباهى بالقوة بالعدد والإمكانيات وحمل الباطل والفتنة، ومنهج إسلام ووحدة على منهج النبوّة متمثل بدين الله على المنهج النبويّ وسيرة آل البيت والتابعين همهم نصرة الدين وإعلاء كلمة الله لتكون هي العليا.

وقد كان من بعد موسى(ع)، يعرف العلم والفضل في آل هارون حتى أنّ القرآن الكريم مدح السيّدة مريمO، (يا أخت هارون) وما زال معلوماً عندهم.

أمّا في تاريخنا الإسلاميّ فقد وجدنا أن العلم والشرف والفضل والولاية بقيت في آل بيت مُحمّد (ص)، لم ولن تغادره حتى آخر الزمان فمن أراد الفضل والحق كان في محبتهم وولايتهم ومن أراد الباطل مع أعدائهم خسر الدُنيا والآخرة. ولم نجد منصفاً من العلماء والفضلاء في تاريخ الأمّة الإسلاميّة إلا وأعاد الفضل لهم. ولا نجد من أراد خير الدنيا والآخرة إلاّ وتنافس بمحبتهم لأنّها من صلب الإيمان ولا إيمان حق وصدق بدون هذه المحبة وقد أخبرنا رسول الله(ص)المرءُ يحشر مع من أحبَّ». ونحن نعلم فضلهم ومكانتهم وولايتهم وشرفهم ونتقرب إلى الله بمحبتهم وولايتهم سائلين الله أن يجمعنا بهم على حوض النبيّ(ص)، ويحشرنا في زمرتهم في الفردوس الأعلى وإني وجدت مُرضاة الله لا تصل إلاّ عن طريق رسول الله(ص)، وأن طريق آل بيته الكرام هي أوصل الطرق إليه فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وإني لا أملك عملاً أحب إليّ من محبتهم .. سائلاً الله تعالى أن يحشرنيّ معهم ولا يُحرمني أجرهم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين(3).

الهوامش:

مفتي فلسطين في لبنان والمهاجر وعضو مؤسس في تجمع العلماء المسلمين في لبنان.

أخرجه البخاري ومُسلم والنسائيّ.

يقول رئيس تحرير «إطلالة جُبيليّة» القاضي يوسف محمد عمرو الّذي يؤيد ما ذهب إليه سماحة المفتي(حفظه الله تعالى)، أحاديث كثيرة واردة عن رسول الله(ص)، منها: 1ـ أخرج محبّ الدين الطبريّ في ذخائر العقبى عن ابن عباس(رض) قال: لما نزلت: }قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى{ سورة الشورى، الآية 23، قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودتهم؟

قال(ص): عليٌّ وفاطمة وابناهما. أخرجه أحمد في المناقب. ثُمَّ قال الطبريِّ وروي أنّه (ص)، قال: إنَّ الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي، وإني سائلكم غداً عنهم. أخرجه الملا في سيرته(ذخائر العقبى، ص 67).

أخرج الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه بسنده عن ابن عباس(رض)، قال: قال رسول الله(ص): النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب إختلفوا فصاروا حزب ابليس(مستدرك الصحيحين، ج3، ص 129).

أخرج مُحبُّ الدين الطبريّ في ذخائره عن عمر بن الخطاب(رض)، أنّ النبيّ(ص)، قال: في كل خلوف من أُمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف المغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإنَّ أئمتكم وفدكم إلى الله عزَّ وجل فانظروا بمن توفدون. أخرجه الملا(ذخائر العقبى، ص 170).

أخرج أحمد بن حنبل في مُسنده بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ(ص)، قال: أُوشك أن أُدعى فأجيب وإني تارك فيكم كتاب الله عزَّ وجل، وعترتي وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا بما تخلفوني فيهما.(المُسند لأحمد بن حنبل، ج3، ص 17، المطبعة الميمنية بمصر 1313هـ.).

وأخرج أيضاً أحمد بن حنبل في مُسنده بإسناده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله(ص)، إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماءِ والأرض وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض(نفس المصدر السابق، ج5، ص 182).

في مشكاة المصابيح عن ابي ذرّ(رض) قال وهو آخذ بباب الكعبة: سمعت النبيّ(ص)، يقول: إن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك. (رواه أحمد (ينابيع المودّة للقندوزي الحنفيّ، ص 27).

عن الزمخشري في الكشاف ج2، ص 82. والفخر الرازي في تفسيره، ج7، ص 165 والحمويني في فرائد السمطين قال رسول الله(ص):

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد مات شهيداً

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد مات مغفوراً له

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد مات تائباً

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد بشره ملك الموت بالجنّة ثم منكر ونكير

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد يزف إلى الجنّة كما تزف العروس إلى بيت زوجها

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد فُتح له في قبره بابان إلى الجنّة

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة

ألا ومن مات على حبِّ آل مُحمّد مات على السُنَّة والجماعة

ألا ومن مات على بغض آل مُحمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله

ألا ومن مات على بغض آل مُحمّد مات كافراً

ألا ومن مات على بغض آل مُحمّد لم يشم رائحة الجنّة

(عن كتاب ينابيع الموّدة للحافظ سليمان القندوزي الحنفيّ، ص 5)

وإلى ما تقدم من كلام أشار إليه الإمام الشافعيّ(رض)، بقوله:

يا آل بيت رسُول اللهِ حُبّكم

فَرضُ من اللهِ في القرآنِ أَنزَلهُ

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ لَهُ

(عن المصدر السابق، ص 3).