الإعاقات الجسديّة ونظرة الإسلام إليها

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

القوانين والتشريعات الصادرة بعد الحرب العالميّة الثانيّة وبعد تأسيس الجمعية العّامة للأمم المتحدة في 25 نيسان (ابريل) 1945 في مؤتمر سان فرانسيسكو راعت في تشريعاتها جانب المعوقين وضمنت لهم جانب الإحترام لمستقبلهم وجانب الضمان الإجتماعيّ والصحيّ لحياتهم. كما أنَّ الجمعيات والمؤسسات الخيريّة وشركات التأمين راعت هذا الجانب. ولسائل أن يسأل عن نظرة الإسلام إلى الإعاقات الجسديّة وعن التشريعات الحديثة الصادرة في هذا الباب حول شرعيتها؟. وقد سبق أن كتبت جواباً لإحدى الطالبات في أطروحتها حول هذا الموضوع في أوائل عام 2002م. وقد نشرت هذا البحث مجلة «الحكمة» الصادرة في شهر أيار 2002م. الموافق ربيع الأوّل 1423هـ(1) وسوف أعيد نشرها بإيجاز مع بعض الإضافات والتوضيحات.

أ ـ تمهيد

تنقسم الإعاقات الجسديّة التي تصيب الإنسان إلى قسمين: منها ما يكون بلاء لا إرادياً خارجاً عن إختياره وقراره ومشيئته، كالأمراض الوراثيّة، أو الإعاقات الناتجة من أمراض أصابت الإنسان في طفولته، كالشلل والعمى ونحو ذلك، أو تلك التي تصيب الإنسان صغيراً أو كبيراً دون أن يكون له يد في دفعها عنه على أثر الحوادث الطبيعيّة كالفيضانات ونحو ذلك، أو أن تصيبه سيارة أو طلقة نار على نحو الخطأ، أو يخطئ الطبيب في وصفه للدواء ونحو ذلك.

ومنها: ما يكون للإنسان إرادة في ذلك كالإصابات التي تحصل نتيجة مشاركته في الثورات والحروب فيصاب بعاهة دائمة، أو يشارك في بعض الأعمال الشاقة كالغطس لصيد اللؤلؤ بالوسائل التقليديّة، أو التنقيب في المناجم القديمة للبحث عن المعادن الثمينة بالوسائل البدائيّة ونحو ذلك من أعمال قد تسبب له إعاقة دائمة.

وأمّا الحديث عن نظرة الإسلام إلى الحالات الآنفة الذكر وغيرها، والحلول الشرعيّة لها مع مقارنته بالتشريعات الحديثة فيستوجب كتابة أطروحة بذلك، غير أننا سوف نوجز الجواب ونحصره من خلال العناوين التاليّة طلباَ للإختصار.

ب ـ نفي الحرج

مع بدء الدعوة الإسلاميّة وقيام الدولة الإسلاميّة الأولى في المدينة المنورة كان الدفاع عن حياض الإسلام ودولته يستدعي الجهاد في سبيل الله تعالى. والتأهب الدائم لحمل السلاح. وكان أصحاب الإعاقة الجسديّة لا يستطيعون المشاركة في هذا العمل المبارك، لأنَّ الحرب في تلك الأيام كانت تتطلب قوة بدنيّة وصحة سليمة، فنزل قوله تعالى: برفع الحرج عنهم، حتى لا يشعرون بعقدة النقص إزاء إخوانهم المجاهدين، أو التقصير عن القيام بواجب الجهاد في الآية الكريمة: }لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا { سورة الفتح، الآية17.

كما أنّ نفي الحرج عن أصحاب الإعاقة الآنفي الذكر في الجهاد رتب آثاراً أخرى في واجباتهم العباديّة التي تتطلب الكثير من الجُهد والتعب على تفصيل معروف في الأبواب الفقهيّة المقررة والمعروفة عند المذاهب الإسلاميّة، كالصيام والصلاة والحج وغيرها من أبواب.

ج ـ العطف والإحترام

كما أنّ الإسلام أوجب على المسلمين العطف والإحترام لأصحاب الإعاقة والعاهات تسليماً لقضاء الله تعالى، حمداً لله تعالى على معافاته لنا من هذا البلاء إذ لو شاء الله تعالى أن يبتلينا بمثل هذا لابتلانا. كما أوجب على الدولة الإسلاميّة والمجتمع الإسلاميّ الأخذ بيدهم نحو الصحة والعافيّة والفضيلة، وتوفير حاجاتهم الطبيعيّة من الغذاء والسكن والدواء والزواج والحياة الكريمة كإيجاد فرص العمل لهم والمشاركة في الفنون والعلوم وحفظ القرآن الكريم والحديث الشريف ونحو ذلك. كما أنشأ المسلمون عبر تاريخهم الطويل مئات الوقفيات الشرعيّة. التي يعود ريعها لذوي الإعاقة الجسديّة أو العقليّة، في شتى بقاع العالم الإسلاميّ. كما أنّه في القرن العشرين تمَّ إنشاء مئات المؤسسات الصحيّة والتعليميّة الحديثة التي تهتمُّ بهم وفق المبادئ الأخلاقيّة الإسلاميّة وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها:[« قال رسول اللهP: أكرموا ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم(2)».

ومنها: ما جاء في أصول الكافي عن الإمام جعفر الصادقQ، عن آبائه الطاهرينR، عن رسول اللهP: قال الله عزَّ وجل: }الخلق عيالي فأحبهم إلي ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم{(3).

ومنها: ما جاء في أمالي الشيخ الصدوق:» قال رسول اللهP: من كفى ضريراً حاجة من حوائج الدنيا، ومشى له فيها يقضي الله له حاجته، أعطاه الله براءة من النفاق وبراءة من النّار، وقضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا، ولا يزال يخوض في رحمة الله حتى يرجع(4)»].

والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

د ـ تجاوز عقدة النقص

كما أنّ الإسلام أراد أن يأخذ بيد اصحاب الإعاقة نحو الثقة بالله تعالى وبرحمته والثقة بأنفسهم. ووعدهم على رضاهم بقضاء الله تعالى وبرحمته من خلال الثواب العظيم الذي ينتظرهم يوم القيامة ما يخفف من حزنهم وقلقهم النفسي. وقد نبغ من أصحاب العاهات في التاريخ الإسلاميّ الكثير خلال أربعة عشر قرناً. حيث يتجاوز عددهم الألوف.

وأوّل هؤلاء كان الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم وكان ضريراً. وكان رسول اللهP، عندما يغادر عاصمته المدينة المنوّرة يستخلفه عليها أميراً ووالياً وإماماً للجماعة، في بعض الأحيان.

وخلاصة البحث: إن الإعاقة التي يبتلي بها الإنسان بشكل غير إختياري كشلل الأطفال والأمراض الوراثيّة، أو من خلال الكوارث الطبيعيّة، أو شبه إختياري من خلال إضطراره للعمل في ظروف سيئة كأعمال المناجم وأعمال البناء هي موضع عبرة وإحترام من الإسلام لأنّها أتت نتيجة وجود الإنسان وكفاحه في هذه الحياة. كما يجب أيضاً تحذير النّاس وتوعيتهم من خطرها ومعالجتها قبل وقوعها كشلل الأطفال والأوبئة كالملاريا وغيرها. وإيجاد العلاج الدائم لصاحب الإعاقة. وإيجاد فرص العمل الشريفة التي تحفظ له كرامته حتى لا يكون عالة على مجتمعه. لذلك يجوز لنا الأخذ بجميع التشريعات والقوانين الدوليّة الحديثة التي تحافظ وترعى شؤون صاحب الإعاقة الجسديّة أو العقليّة وحاجاته الإنسانيّة. اللّهم إلا بعض موادها التي بها تحريم حلال كمنعه من الزواج أو تحليل حرام كالسماح له بشرب الخمر أو بيعها والتجارة بها.