صفحات من ماضي وحاضر علماء الشيعة في بلاد جبيل وكسروان

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

علماء الشيعة في جبل لبنان في القرون الوسطى

من عام 617هـ ـ 1220م. ولغاية عام 862هـ ـ 1312م.

(الحلقة السادسة)

إعداد: رئيس التحرير

الكتابة والتحقيق عن علماء الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة في جبل لبنان بشكل عام وبلاد جبيل وكسروان بشكل خاص في القرون الوسطى صعب وعسير على الباحث لندرة المصادر. وقد قام العلاّمة الباحث الدكتور الشيخ جعفر المهاجر بهذا العمل الجليل من خلال كتابيه:» ستة فقهاء ابطال» وهو القسم الثاني من بحوثه حول: التأسيس لتاريخ الشيعة(1)، وموسوعته الأخرى وهي:»أعلام الشيعة» في ثلاث مجلدات صادرة عن المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة. ودار المؤرخ العربيّ ـ بيروت(2). عن الفقيه ابن ملّي البعلبكي. بتصرف. وكذلك عن كتاب «الوافي بالوفيات» للصفدي(3).

وأمّا عن باقي الفقهاء فهو حسب ما أوردها القاضي المهاجر عن مصدريها الآنفي الذكر. وأمّا عن العلماء من آل الجبيلي فالحديث عنهم يحتاج إلى مقالة أخرى في العدد القادم إن شاء الله تعالى. وإقتباسنا من الشيخ المهاجر كالتالي:

 

أ ـ الفقيه المجاهد الشيخ أحمد بن محسن المعروف بابن ملّي الأنصاري البعلبكي المولود في مدينة بعلبك عام 617هـ. الموافق 1220م. والمتوفى في بلدة بخعون التابعة لقضاء الضنيّة المعروف بقضاء طرابلس، والمعروفة آنذاك ببلاد الظنيين عام 699هـ. الموافق لعام 1299م. ومدينة بعلبك أثناء ولادة إبن ملّي كان يحكمها الأمير الأيوبيّ بهرام شاه بن فرّخ شاه والمشهور بالملك الأمجد (حكم من 578هـ. ولغاية عام 627هـ. أي من عام 1182م. ولغاية عام 1229م.)

كما كانت الغالبيّة العظمى من سكانها حنابلة مع بلدة يونين القريبة منها.

وأمّا الشيعة فكانوا أقليّة في المدينة وأكثريّة في قرى بلاد بعلبك في سلسلة جبالها الشرقيّة وفي قرى جبل لبنان أي سلسلة الجبال الغربيّة المحيطة ببعلبك وهو أول فقيه شيعي تنجبه مدينة بعلبك وهذا يكون دليلاً ومؤشراً على التحول الكبير الذي كان يجري في المدينة آنذاك سُكانياً وثقافياً.

وقد وفقه الله تعالى للدراسة والأخذ من الفقيه الشيعيّ إبن معقل الحمصي الذي إتخذ من بعلبك موطناً له(4) أيام الملك الأمجد الأيوبيّ الذي كانت له علاقة ممتازة بذلك الفقيه الكبير لشغف الأمجد الأيوبيّ بالشعر والآداب العربيّة، التي كان ابن معقل مرجعاً بها.

يقول الشيخ المهاجر:[« أنَّه في «بعلبك» التقى ابن معقل بتلميذه النجيب ابن ملّي. هذا اللقاء الذي يدين له هذا الأخير بكل شيء. بحيث يمكن إعتباره فرصة عمره. التي لولاها لما كان شيئاً مذكوراً والتي إستفاد منها خير إفادة(5)».

كما درس في دمشق على كبار علمائها في ذلك الزمان.

الجهاد في سبيل الله تعالى

نقل الشيخ المهاجر عن كتاب ذيل مرآة الجنان في أخبار سنة 658هـ أنّ «بعلبك»، ومن قبلها «دمشق» إستسلمت للغزاة التتار دون قتال. ولكنها كانت قد أُعدّت واستعدت لمواجهتهم بالمؤن والرجال والعتاد في قلعتها الشهيرة. مُعتمدة على حصانة القلعة التي لا تُطال، ثُمّ آلت الأمور إلى الصلح، بسعي من أحد أبنائها. وهي تقي الدين الحشائشي. وهو رجل بعلبكي المولد. إشتهر بمعرفته الواسعة بالحشائش الطبيّة. وبهذه الوسيلة إلتحق بحاشيّة هولاكو ولكن هذا الحل الإستسلامي لم يُطمئن النّاس، الّذين ملأت أسماعهم أخبار الفظائع الرهيبة التي ارتكبها التتر. فهرب الألوف منهم ملتجئين إلى الجبال القريبة.[«يقول اليونيني:» في سنة 658 (عندما استولى التتر) على الشام ـ كان هو ـ أي ابن ملّي ـ بجبال بعلبك. وأنّه جمع له عشرة الآف نفر ـ وأنّه تسمّى بالملك الأقرع. وأنّهم كانوا يتخطفون التتر في الطرقات. وخصوصاً في الليل. لأنّ التتر ما يركبون في الليل(6)».

واستعارته لهذا اللقب الغريب لنفسه كان للمحافظة الأمنية على نفسه ولالقاء الرعب في نفوس التتر ولأمور أخرى لا نعلمها. وقد إتخذ «ابن ملّي» قرى جبل لبنان وقرى الجبال الشرقيّة لبعلبك مركزاً له وللمجاهدين معه حيث أنّ رجاله كانوا يتسللون إلى المدينة من مخابئهم في الجبال، يتصيدون كل عابر من عسكر التتر. فإذا انكشف أمرهم أسرعوا عائدين إلى مكانهم في الجبال القريبة التي تغطيها الغابات. كما شكك الشيخ المهاجر بالعدد عشرة الآف الآنف الذكر لتناقضه مع الواقع السكانيّ آنذاك.

نهاية المطاف

وكانت معركة عين جالوت التي حدثت في شهر رمضان لسنة 658هـ. الموافق لشهر أيلول 1259م. بين جيوش المماليك أعادت قلب ميزان القوى في بلاد الشام. حيث إندحر التتر وانهزموا عن هذه البلاد. وقد سيطر المماليك على بلاد الشام وجرت تصفيّة حسابات قديمة بين أمراء المماليك بين بعضهم وبينهم وبين أهالي هذه البلاد، أُهرقت فيها دماء كثيرة.

فضلَّ ابن ملّي الذهاب إلى الديار المصريّة مُتخفياً طلباً لسلامته وخوفاً من أعدائه واستقرَّ في أسوان مدّة يدرس في المدرسة «الباباسيّة» كما إنطلق من مصر في تطواف جديد في بلاد الشام والعراق حيث انتهى به الأمر والإستقرار في قرية «بخعون» في منطقة من شمال جبل لبنان عُرفت تاريخياً بإسم «جبال الظنيين» وتعرف اليوم بإسم «الضنيّة» حيث تقوم عدّة قرى شيعيّة، يقطنها أحفاد المهاجرين الشيعة الأولين إلى جبال لبنان حيث توفي ودفن في تلك القرية الجبليّة الصغيرة في جمادى الأولى من سنة 699هـ. الموافق لسنة 1299م.(7).

ب ـ المبارك بن يحيى الغسَّاني الحمصي (المتوفى سنة 658هـ. 1256م)

الحمصي» نسبة إلى حمص، المدينة في وسط سورية. فقيه، عارف بالأنساب.

أحد أخوين من أواخر المثقفين الشيعة في حمص قبل أن تتأثر بالتغيّرات السياسيّة الأساسيّة، الناشئة من دخول السلاجقة في الصورة السياسيّة للمنطقة، ثانيهما مُحمّد بن يحيى (...) ترجم له اليونيني في ذيل مرآة الزمان، قال:» كان فاضلاً أديباً وله معرفة تامة بالأنساب. وهو أحد مشايخ الشيعة». هرب من حمص بسبب غزوة غازان، فاتجه إلى جبل لبنان وتوفيّ هناك.

«ذيل مرآة الزمان: 1/385، كتابنا: التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية ص 101(8)»].

ج ـ حسين بن موسى ابن العود (المتوفى سنة 761هـ. 1359م)

فقيه، كلَّ ما نعرفه عنه مصدره نص إجازة رآها عبد الله أفندي، مصنّف رياض العلماء في تبريز كتبها مُحمّد بن موسى بن الحسين بن العود للمترجم له، ويبدو أن المجيز أخ للمجاز له. وقرأ عليه كتاب السرائر لابن ادريس الحلّي. قراءة أتمها بتاريخ 16 رجب 761.

أهميّة هذه المعلومة. أنّها قد تكون إحدى الإشارات النادرة إلى واحد من فقهاء الشيعة في كسروان من لبنان الّذين طوّحت النكبة بذكرهم ولم نعرف عنهم إلاّ بعض الإشارات إلى بني العود مشايخ الشيعة في كسروان.

«رياض العلماء/2/182، الحقائق الراهنة /59. كتابنا: التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية / الفصل المخصص [«جبل لبنان»، «أعيان الشيعة» 6/182 ـ 183» (9).

د ـ أحمد بن إبراهيم الكسرواني(المتوفى سنة 757هـ/ 1356م)

الكسرواني» نسبةً إلى كسروان من مناطق لبنان.

فقيه، من تلاميذ الشهيد الأوّل مُحمّد بن مكي الجزينيّ (المتوفى سنة 786هـ/1384م.)، التقى به وأجازه في الحلّة بتاريخ 12 شعبان 757هـ. وفيما خلا ذلك فإننا لا نعرف عنه ما يُذكر.

ورد إسمه في المصادر (الكروانيّ). وهو تصحيف واضح ولا ريب أنّه «الكسروانيّ» وقد إقترح السيّد الأمين في أعيان الشيعة تصحيحه إلى الكوثراني). وهو تصحيف بعيد. فضلاً عن أنّ قرية «الكوثريّة» في جبل عامل التي يُنسب إليها بناءً على هذا التصحيح، قد مُصرّت بعد زمانه.

والكسروانيّ أحد التعبيرات النادرة عن الحياة العقليّة في منطقة كسروان بعد نكبة سنة 712هـ/1312م.

«أعيان الشيعة 2/483 ـ 84، كتابنا: جبل عامل بين الشهيدين فصل «الكرك(10)».

هـ ـ الحسن بن أحمد بن يوسف الكسروانيّ. عُرِف بـ ابن العشرة. (المتوفى سنة 868هـ/1457م)

الكسروانيّ» نسبة إلى كسروان من جبال لبنان ما يزال يُعرف بالإسم نفسه.

فقيه، أحد روّاد النهضة العلميّة العامليّة.

أصله من كسروان كما تشهد نسبته. والظاهر أنَّ آباءه ممن شردتهم نكبة الشيعة في هذا الجبل سنة 705هـ/ 1305م. فنزلوا بلدة الكرك المجاورة.

قرأ على تلاميذ الشهيد الأوّل مُحمّد بن مكي الجزينيّ (المتوفى سنة: 786هـ/1384م): الحسن بن أيوب الشهير بابن نجم الدين الأعرج، ومحمد بن علي بن نجدة، وعلي بن محمد بن مكّي، وعلي محمد بن عبد الله العريضي، والأرجح أن قراءته على ابن نجدة والعريضي كانت في جزين، وأجازه بالرواية نظام الدين علي أحمد النيلي، وأحمد بن فهد الحلّيِّ.

هو باعث النهضة العلميّة في الكرك أو كرك نوح، التي انجبت من بعد العديد من رجال العلم ذوي الأثر في وطنهم وفي إيران.

تتلمّذ عليه: محمد بن الإسكاف الكركي/ محمد بن علي الجباعيّ، محمد بن محمد ابن المؤذن الجزينيّ، محمود بن أمير الحاج، علي بن هلال الجزائريّ، محمد بن أحمد الصهيونيّ. توفي في الكرك(11)».

و ـ مفيد الدين الأحواضي الشيعيّ المتوفى عام 674هـ. الموافق لعام 1275م.

قال الصفدي في كتاب «الوافي بالوفيات»:[« مفيد الدين الأحواضي الشيعي» محمد بن الجمال بن أبي صالح عبدالله بن أبي أُسامة مفيد الدين الأحواضي رأس الشيعة الغُلاة وقدوتهم، مات بقرية حراجل في جبل الجُرد وقد قارب الأربعين، سنة أربع وسبعون وست ماية، وكان كثير الفنون لكنّه أحكم المنطق والفلسفة»(12).

ز ـ أحمد بن الشيخ الإمام الفقيه العالم جمال الدين عبد الله بن عبد الملك بن ابي أُسامة الحلبي المتوفى عام 674هـ. الموافق لعام 1275م.

قال الصفدي في كتاب «الوافي بالوفيات»:[« الشيخ الإمام العالم الفاضل، مفيد الدين. توفي في مستهل جمادى الأولى بقرية حراجل مaن جبل لبنان، من أعمال بعلبك، ومولده في العاشر من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وستمائة، كان علاّمة في علم الأصول وعلم المنطق والعلوم الحكميّة وتصدّر وصنّف. كان اشتغاله في علم الأصول على والده وفي علم المنطق على الشيخ شمس الدين خسرو شاهي العجمي والشيخ فخر الدين بن البديع النبدهي. إشتغل في ذلك في شهور سنة خمس وخمسين وعمره إذ ذاك ثماني عشرة سنة ـ رحمه الله»(13).