الإمام الحسين(ع) وإستمراريّة التغيير

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أ ـ التغيير في الأُمّة:

قال الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ سورة الرعد، آية:11.

الإسلام هو عقيدة التغيير، جاء ليرفع من شأن البشريّة، ويحمي الإنسانيّة من السقوط تحت مغريات الدُنيا، ومن سيطرة الشهوة على العقل، وجاء ليخرج النّاس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ويحثهم على القيم الحقة، فأنزل عليهم الشريعة السمحاء بواسطة سفرائه إلى الأرض الأنبياءR وبيّن لهم طريق الخير والشرِّ من خلال المنهج  القرآني وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً سورة الإسراء، آية:15. وأرشدهم إلى طريق الخير وحثهم عليه ورغبّهم به، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ سورة الحج، آية:14. وحذّرهم من طريق الشرِّ وتوعّدهم عليه بالنّار، قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ سورة  البقرة، آية:39.

ولما كانت الحجّة البالغة لله على عباده، ولما إتصف سبحانه بالرحمة والهداية، رسم لهم طريقين لا ثالث لهما، قال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا سورة الإنسان، آية:3.

ولمّا كان الإنسان كائناً قابلاً للتغيير والتطوير نحو الأفضل لَمَا إستحق المدح والثناء على لسانه تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ سورة آل عمران، آية: 110. ومن ألطافه ورحمته، أنّه تعالى لم يترك عمليّة الهداية بأكملها تقع على عاتق الإنسان، بل وضع المنهج والآليّة، وشجع على ذلك من خلال:

أولاً: الترغيب، أو ما نسميه المحفز، مثلاً مُضاعفة الحسنات، قال تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا سورة الإنعام، آية:160.

أو التجارة مع الله التي ليس فيها غش أو خداع، قال تعالى: ... هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... سورة الصف، آية:10،11.

وأيضاً من خلال وضع برنامج غذائي يحفظ الجسد والروح من الفساد، قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ سورة الأعراف، آية:157.

والصلحاء الّذين تمسكوا بالحقِّ كمبدأ ورفضوا الظلم كعقيدة ومنهج حياة وتجسيداً لإنسانيّة الإنسان والعمل على تحريره من نير العبوديّة للبشر إلى حرية معرفة الخالق وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ سورة الذاريات، آية:56. وعلى رأس هؤلاء الأنبياءR رسول الله مُحمّدبن عبد اللهP، حيث قال فيه تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا سورة الأحزاب، آية: 21.

فرسول الله أحد هذه الطرق إليه تعالى في الدعوة إلى الله ورفض الظلم وعدم التخلي عن الرسالة وترك الإسلام أو التنازل عنه مقابل المال والجاه والسلطة، وقد برز ذلك في صراعه مع القريشيين حين أرادوا أن يثنوه عن ذلك، فكان جوابهP، والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أن أهلك دونه.

ب ـ رسم المبادئ والتمسك بالحق ورفض الظلم:

وهذا الأمر رأيناه في ثورة الإمام الحسين(ع)، حيث التماهي في رسم المبادئ والتمسك بالحق ورفض الظلم، حيث قال(ع)، ... لا والله لا أعطيّهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرُّ إقرار العبيد... الطبريّ،ج3،ص:3183.

فالإمام الحسين(ع) إستمدَّ التغييريّة والإصلاحيّة من روح القرآن الكريم وسيرة جده رسول اللهP، حيث طرح في كربلاء شعاره المشهور وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمّة جدي صلّى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جديّ وأبي عليّ بن أبي طالب(ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني  وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين، بحار الأنوار، المجلسي،ج44، ص:328.

ج ـ فالإصلاح والتغيير الذي حمله رسول اللهP هو تغيير تأسيسي في وعي الفرد والمجتمع، وهما  النواة التي غرسهاP، في أُمته وأيضاً غرسها أوصياءه من بعده، فما كان بهذه النواة أن أينعت ونضجت وظهرت نتائجها في فرع الإمامة، إستمراراً لهذا التغيير في جسد وروح الأُمّة، وهذا ما يفسِّر أن الإسلام جاء محمدي الأصل حسينيّ البقاء والإستمرار.

من هنا إمتدت مسيرة التغيير متخذةً إنطلاقتها من معين النبوة رافدةً فروعها في خط  الإمامة ليسكب الإسلام مفاهيمه وتطوّره في بحر الثورة، لينعش الإنسان نوراً وعلماً وهدىً، وهذا ما ظهر في وصف رسول اللهP، لسبطه الحسين(ع)، إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة إذاً هذا التغيير والإصلاح في جسد الإنسانيّة وروحها تبلور بحكمة النبوة ولطف الإمامة وتحت رعاية الرحمة الإلهيّة.

ويمكن القول، أنّ الإسلام قد ظهر في شخصيتين عظيمتين كان لهما الأثر الكبير في تكوين الفرد والمجتمع، فمُحمّد بن عبد اللهP سيّد البشريّة ورسول العالمين، وسبطه الإمام الحسين(ع) ملهم الأحرار والثوّار، وعلى ضوء هذا التشابه في طينة كل منهما وأنّها أصلٌ واحد، ذلك من ناحية الجسد والروح والفكر، وهذا هو السرُّ الإلهيِّ في حفظ الرسالة المباركة، والذي ظهرت ترجمته على لسان نبيّه الأعظم محمّدP، الّذي قال: حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط فضائل الخمسة، ج3، ص:262. السّلام عليك سيدي يا أبا عبد الله نردد مناجاتك في كل زمان اللّهم أنت  ثقتي في كل كرب وأنت رجائي في كل شدّة، وأنت وليُّ في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة... فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة الشيخ المفيد، الإرشاد، ص:223.

والحمد لله ربّ العالمين.

مسجد الإمام عليّ(ع)، جبيل.

(الشيخ محمود حيدر أحمد)