«أهل البيت(ع) بنظرة وحدوية حديثة»

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

للقاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو

كتاب لا يقبل التقادم وباحث يرصد الواقع ويستشرف المستقبل

بقلم: د. يسري عبد الغني عبد الله(1)

الكتب نوعان: نوع تقرأه ثم تنحيه جانباً وقد تنساه تماماً، ونوع آخر تقرأه وتظل تفكر في محتواه وتعود إليه دائماً أي لا تنساه أبداً، لأنه يقول كلمة جادة رصينة، كلمة لا تنتهي بالمناسبة أو بالتقادم، كلمة تعيش دائمًا، ومن هذا النوع الكتاب الذي نحن أمامه في هذه السطور، إنه كتاب المفكر القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو، والذي عنوانه:(أهل البيت (ع) بنظرة وحدوية حديثة)، الصادر عن دار المحجَّة البيضاء في بيروت سنة 1429 هـ، 2008م. في 480 صفحة من القطع الكبير.

ولمفكرنا الكثير من المؤلفات والدراسات، والتي تتجاوز أكثر من أربعين كتاباً وبحثاً، نال من خلالها دكتوراه «الإبداع في فقه القضاء واليراع» من الإتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربيّة خارج الوطن العربيّ، في 18/1/2006م.(2).

ومفكرنا الكريم يضاف إلى كونه باحثاً أكاديمياً أنه أديب مبدع ومن إبداعاته الشعرية: فاطمة الزهراء وقصائد أخرى 1977م، سنابل الزمن وهو القسم الأول من ديوان شعره المنثور في العقيدة والمنهج والحياة 2002م، كما أن له مسرحية عن دِعبل بن عليِّ الخزاعيّ. دار الصفوة ـ بيروت 2002م.

وباحثنا الجليل له سيرة ذاتية ناصعة حافلة بالإنجازات العلمية والفكرية والدعوية، وأيضاً بالجهود الاجتماعيّة والإصلاحيّة والتربويّة والتوجيهيّة أهمها: ثانوية القاضي الدكتور يوسف محمد عمرو الرسميّة، مستوصف القاضي الدكتور يوسف محمد عمرو في بلدته المعيصرة. وتأسيسه للمؤسسة الخيريّة الإسلاميّة لأبناء جبيل وكسروان وللرابطة الثقافيّة في بلاد جبيل كما يمكن أن يعود إليها من أراد عبر موقع مجلة «إطلالة جُبيلية» على شبكة المعلومات الدولية لتعم الفائدة بإذن الله على القارئ الكريم وبالذات شبابنا الباحث عن القدوة والمثل الأعلى في زمن اختلطت فيه الأوراق، واختلط الحابل بالنابل.

 

وفي الواقع أن دراسة كتابات ومؤلفات مفكرنا العلاّمة يوسف عمرو، أمر ضروري وكذلك التعريف بها وبما تَضمُّ من آراء وأفكار وأبحاث أمر أكثر ضرورة، حتى يستفيد منها شبابنا الباحث عن معرفة جادة وأصيلة، وفي نفس الوقت فإن مفكرنا القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو في رحلته العلمية والدعوية يحتاج إلى درس علمي منهجي حتى يستقي منه أولادنا معنى الالتزام المعرفي والعلمي وقيم التسامح وسعة الأفق، أمدَّ الله في عُمره ووفقه إلى ما فيه خير العلم والفكر والمعرفة

أعود إلى كتابنا الذي نُعرِّف به في هذه السطور، نقول: يقرر المؤلف في مفتتح الكتاب أن حياة الأئمة الإثني عشر من آل رسول اللهP ودراسة مواقفهم وكلماتهم تجاه وحدة المسلمين، في مثل هذه الأيام العصيبة من حياة الأمة، لهو الدواء الناجع لداء الفرقة والعصبية والمذهبية والقومية، التي تعصف بالمسلمين، وتشتتهم وتذهب ريحهم، ويؤيد الأستاذ الجليل هذه الدعوة التي كأنها تنطلق من أيامنا الراهنة بكل ما فيها من تمزق وتعصب وصراعات مقيتة وتشتت، يؤيدها بمجموعة من الأحاديث المطهرة التي وردت عن رسول اللهP بحق آل البيت الميامين، والحث على التمسك بهديهم، ونلاحظ أن المؤلف قد خرّج هذه الأحاديث تخريجاً علمياً سليماً وهذا ما لا نجده في العديد من الدراسات أو الكتب التي تطالعنا في هذه الأيام.

ونتيجة للأحاديث التي أخرجها أصحاب الصحاح والسنن في هذا الشأن، فقد توجه معظم علماء المسلمين، وأئمتهم، وقادتهم، وفقهائهم، ومتكلميهم، وأدبائهم خلال القرون الأولى للأخذ من مدرسة أهل البيت(ع)، ومن هؤلاء العلاّمة والمؤرخ ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفى سنة 656 هـ. 1258م، في مدينة بغداد حاضرة العالم الإسلامي، وغيره من العلماء الأجلاء المشهود لهم بالعلم والصلاح، يرجعون جميع العلوم الشرعية للمذاهب الأربعة، ولمذهبي الشيعة الإمامية، والزيدية، والمذاهب الكلامية، وهي: المعتزلة، والأشاعرة، والشيعة الإمامية، ومدارس تفسير القرآن الكريم، وقراءاته، وطرق الصوفية ومدارسها، ومدارس علوم النحو والعربية في البصرة، والكوفة، وبغداد إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، عن طريق أئمة أهل البيت (ع) بشكل عام، وعن طريق الإمامين عليِّ بن موسى الرضا، وجعفر بن محمد الصادق(رضي الله عنهما) بشكل خاص، وعن طريق تلامذة أمير المؤمنين، وهم: أبو الأسود الدؤلي، وعبد الله بن العباس، ومحمد بن أمير المؤمنين المعروف بابن الحنفية، كما ورد في شرح نهج البلاعة لابن أبي الحديد.

وهذا، إن دلّ فإنما يدلُّ على إيمان جمهور المسلمين في القرون الأولى بمرجعية الأئمة المطهرين من آل البيت (ع)، تماماً كإيمانهم بمرجعية الكتاب والسنة، ووجوب التمسك بهما.

ويؤكد ما ذهب إليه مفكرنا الجليل، وما ذهب إليه ابن أبي الحديد، تأييد فقهاء المسلمين وعلمائهم في العراق والحجاز لثورة الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (ع) بالفتوى، والمال، والرجال في سنة 121 هـ. 738م، وكان على رأس أولئك العلماء أبو حنيفة النعمان(ع)، وقد تحدث المؤلف خلال الفصل الأول من كتابه حول هذه المسألة عند كلامه حول الشهيد زيد(ع)، وبعض الفقهاء عبّر عن مرجعية أهل البيت(ع)ووجوب مودتهم بالشعر والنثر، ومنهم الإمام محمد بن إدريس الشافعي(ع)، وكذلك أمير أهل الحديث عبد الله بن المبارك عندما تكلّم عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع)، وأيضاً الفقيه ابن الحجاج الذي كتب عنه شعراً، وأبو الفضل يحيى بن سلامه الخصفكي المتوفى سنة 553 هـ. 1158م، والذي له قصيدة طويلة مشهورة في مدح الأئمة الإثني عشر، رواها الحافظ سبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 هـ.1256م، في كتابه: تذكرة الخواص. وبالطبع لا يمكن تجاهل ما كتبه الإمام مالك بن أنس، والإمام أبو حنيفة النعمان(رحمهما الله) عن جعفر الصادق(ع)، وإشادة بعلمه الغزير البعيد عن الغلو والغلاة.

كما تكلّم المؤلف عن موقف الإمام محمد بن عليّ بن الحسين وشقيقه الشهيد زيد(رضي الله عنهما) في المغيرة بن سعيد ولعنهما له ورفضهما له ولجماعته من الرافضة الغلاة. وعن الفارق الكبير ما بين الشيعة والرافضة مُستشهداً بكلام ابن عبد ربّه الأندلسي في «العقد الفريد» والقاضي النعمان المصري في كتابه «دعائم الإسلام» وبكلام أهل البيت(ع)، ولعنهم للغلاة وبراءتهم منهم.

ومن خلال ما تقدم نذهب مع المؤلف إلى أن مرجعية أهل البيت(ع) ومدرستهم كانت موضع اتفاق وإجماع ما بين فقهاء الأمة وعلمائها بشكل عام، وعند مدرسة أهل المدينة ورأسها الإمام مالك بن أنس، وتلميذه الإمام الشافعي، وعند مدرسة أهل العراق ورأسها الإمام أبو حنيفة بشكل خاص.

يذهب المؤلف إلى أنه في أيامنا هذه واجب على علماء المسلمين على مختلف مذاهبهم وآرائهم، احترام المدارس التي جعلت مرجعية أهل البيت(ع) ومدرستهم موضع اتفاق وإجماع ما بين فقهاء الأمة وعلمائها بشكل عام، كما يجب علينا احترام أئمتها الكرام، والأخذ والاستفادة منهم، وفق ما جاء في فتوى الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر محمود شلتوت(ع)، الصادرة عن الأزهر الشريف في القاهرة، 17 ربيع الأول 1378 هـ. 1958 م، والتي تعرض لها المؤلف في الملحق الثاني من الكتاب.

هذا الكتاب الجاد المحترم حول أئمة أهل البيت(ع) وموقفهم من الوحدة الإسلامية، كان في الأصل مجموعة مقالات قام عالمنا الجليل بنشرها في مجلة «الوحدة الإسلامية»، الصادرة عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان، ويذكر المؤلف أن هناك بعض المقالات في المجلة الآنفة الذكر، وقد نشرها في الفصل الأول من الكتاب، وهي عن الإمام محمد بن علي الباقر، والإمام علي بن موسى الرضا، والإمام محمد بن علي الجواد(رضي الله عنهم أجمعين)، كما أضاف في خاتمة هذه المقالات بعض الكلمات التوجيهية المروية عنهم برواية ابن شعبة الحرّاني في كتابه (تحف العقول عن آل الرسول P) حتى يعمُّ نفعها ويستفاد منها في تهذيب النفس وتربيتها على طاعة الله تعالى، وفي آداب الأخوة والجماعة والوحدة الإسلاميّة.

يضاف إلى ذلك بعض البحوث اللصيقة بها، كدور جامع الكوفة بالعراق واعتباره أول جامعة للوحدة الإسلامية، وكدور الحوزة العلمية في النجف الأشرف وعلمائها في الوحدة الإسلامية، ويشير المؤلف إلى أن هذا البحث ألقي في ندوة أقامها «تجمع علماء المسلمين في لبنان» في مركزه الرئيسي في 20/ 5/2003م، تحت عنوان: دور الحواضر الإسلامية في الوحدة الإسلامية، وحول الشعائر الحسينية التي يمارسها ملايين الشيعة الإمامية الإثني عشرية، في شهر مُحرم من كل عام، وفي شتى بقاع العالم، منذ قرون بعيدة، ودورها في الوحدة الإسلامية، كما أضاف عالمنا الكريم حواراً مُهمّاً أجرته معه إحدى المجلات العراقية حول المهديّ المنتظر|، وجعل هذه البحوث مُرتبة ضمن الفصلين الأول والثاني من هذا الكتاب الذي نعرض له.

ويأتي الفصل الثالث ليضم مجموعة من المقالات، والكلمات حول آباء النبي P، وحول النبيِّ والأئمة المطهرين من آل محمد(ع)، ألقاها مفكرنا الكبير في مناسبات متعددة، وبعضها كتبه وألحقه بهذا الفصل، طلبًا للثواب من الله تعالى، عن الحمزة بن عبد المطلب، وعن عقيل بن أبي طالب، وعن سيدة النساء فاطمة الزهراء، وابنتها السيدة زينب الكبرى(ع).

أما الفصل الرابع، فهو مطالعة سريعة حول الشبهات التي أثارها فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الأسبق، في خطبة الجمعة التي ألقاها في 15 من شهر ذي القعدة سنة 1418هـ. 1997م، والتي حرَّم بها الوحدة الإسلاميّة، والدعوة إليها، ما بين أهل السُنَّة والجماعة، والشيعة الإمامية لأسباب ذكرها، وقد قام مفكرنا الجليل بالرد على شبهاته تلك، طالبًا منه مطالعة ومراجعة مصادر الشيعة الإمامية الإثني عشرية قبل الحكم عليهم، ونحن نتفق مع المؤلف في ضرورة أن نتقي الله جميعًا في وحدة المسلمين، ووحدة أراضيهم وبلادهم.

هذا، وقد ألحق باحثنا الكبير بالكتاب ثلاثة ملاحق على درجة كبيرة من الأهمية: الملحق الأول عن صلح الإمام الحسن بن عليّ الذي عقده مع معاوية بن أبي سفيان، في سنة 40 هـ. 660م، وهذا الملحق عبارة عن مطالعة في كتاب (صلح الإمام الحسن: أسبابه، نتائجه) للأستاذ العلاّمة السيد محمد جواد فضل الله(ع)، والذي أثار حوله عدد من الكُتّاب الشبهات، زاعمين أن ذلك الصلح تضمن تنازلاً من الإمام الحسن بن عليّ عن حقه في الخلافة إلى معاوية تقربًا إلى الله تعالى، في حقن دماء المسلمين، ولعلّ القارئ لهذا الملحق المهم يلاحظ أن الباحث قد أطال في قراءته لهذا الكتاب، ليعرّف القراء أن الإمام الحسن بن علي عاش مظلوماً ومات مظلوماً، ولا زال إلى أيامنا هذه مظلوماً من الكُتّاب والمؤرخين، وإنه أُجبر(ع) على ذلك الصلح من قبل المتخاذلين من قادة جيشه والمتواطئين مع معاوية، تمامًا كما أُجبر والده من قبل على إيقاف القتال عندما رُفعت المصاحف من قبل أهل الشام، وكما أُجبر أيضاً على التحكيم، وعلى أن يكون ممثله في التحكيم أبا موسى الأشعري.

والملحق الثاني: خصصه مفكرنا عن الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت(ع)، شيخ التقريبيين، وعن فتواه الشهيرة عن جواز التعبد بالمذهبين الشيعي الزيدي، والشيعي الجعفري، إسوة بالمذاهب الفقهية الأربعة.

والملحق الأخير: هو حوار أجراه مع أستاذنا الجليل الأستاذ جلال شريم حول كتابه القيم: الوحدة الإسلامية في مواجهة التحديات ـ النجف الأشرف نموذجاً، وتمّ نشر الحوار في مجلة: الوحدة الإسلامية، بالعدد 39، والصادر في شباط (فبراير) 2005م.

وبعد: فهذه سطور قليلة عرّفنا بها هذا الكتاب، وبالطبع هذا لا يُغني عن الاطلاع عليه حتى تعمّ الفائدة، وليعرف القارئ عن قرب أهل البيت الميامين(ع)، وتاريخهم النضالي العظيم، وعطائهم العلمي والحضاري الذي قدموه للمسلمين ولسائر الناس.

تحية تقدير واحترام إلى القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو على جهوده العلمية المتميزة، داعين الله سبحانه وتعالى أن يجعلها في ميزان حسناته، وأن يعطيه من عليائه الصحة والعافية والأمن والسداد والتوفيق لخدمة العلم والفكر الوسطي الأصيل.