. . . بهيئة إنسان!!

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: مدير التحرير المسؤول الدكتور الشيخ أحمد محمد قيس

يُعرّف المناطقة(أهل المنطق) الإنسان بأنه حيوان ناطق، وذلك لإشتراك الإنسان بالخصائص الغرائزية مع الحيوان وافتراقه عنه بالنطق، ولكون سائر الحيوانات لا تملك ولم توهب هذه النعمة، لإن النطق حالة من البيان أو التعبير اللفظي عن مشاعر وأحاسيس ومدارك الإنسان، وهذا ما أكده الشارع المقدّس من خلال قوله تعالى:}الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَسورة الرحمن، الآية 1 ـ4)، وهذه النعمة الإلهية للإنسان جاءت من باب التكريم لهذا المخلوق الفريد لما وُهب وعُجن بصفات وإمكانات إذا أحسن الإنسان الإستفادة منها قد تحمله وتسمو به إلى أعلى الدرجات وأقرب المنازل من المولى سبحانه وتعالى، وهذا ما تمّ تأكيده من خلال قوله تعالى:} وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{(سورة الإسراء، الآية 70)، ولقد مثّل ذلك: النموذج الأول،والقدوة الحسنة، والفرد الأكمل رسول الله(صحيث ارتقى بإنسانيته الى مستوى رفيع لم يبلغه قبله أحد ولن يبلغه بعده أحد صلوات الله عليه وعلى آله، وهذا ما أكده أيضاً المولى سبحانه بقوله: }ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{(سورة النجم، الآية 8 ـ 9)، وهذا المعراج النبوي المحمدي لما أمكن الوصول إليه لولا خُلق وصبر ومُجاهدة النبي الأكرم (صلنفسه الشريفة وللناس من حوله، وهو القائل (ص): (أدبني ربي فأحسن تأديبي)(1)، لذلك جاءت الشهادة الإلهية الخالدة بحق النبي (ص) : }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{(سورة القلم، الآية 4). والجهة الوحيدة التي تمثّلت هذه الأخلاق المحمدية قولاً وفعلاً، هم آل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين الذين نهلوا من هذا المعين الإلهي المحمدي الصافي، وسقوا منه أتباعهم ومحبيهم والأمّة الإسلامية، أو قل العالم بأسره، لذا نرى أن في الأمة من إرتوى، وهنالك من ارتشف، وهنالك أيضاً من زهد وابتعد لفساد طينته وسوء منقلبه.

لذلك ليس غريباً أن نجد من يدّعي الإسلام ويدعي التشيُّع والولاء لله وللرسول وآل بيته في الوقت الذي يقوم بتصرفات تأنف الوحوش الضارية عن القيام بها، أو يمارس أساليب الإستبداد على زوجته وأولاده بشكل يستجير بالله فرعون منها، أو يتصرف معهم ويحرمهم من أبسط الحقوق الإنسانية والتي لم نسمع عنها في أيام آبائنا الأوّلين ولم تخطر على بال العالمين، لا يستسيغها عقل ولا يتصورها آدمي، ولم تخطر على قلب بشر ولم يشهدها حجر ولا مدر.

كل ذلك بحجة أنه الزوج الذي أولد إغتصاباً من زوجته أولادها، وبحّجة أنه المسؤول القانوني والشرعي عن الأسرة الأسيرة تحت نير هذا الوحش المستبد، متسلحاً بهذه الحجج وبزيّه الرسمي الذي يحول بينه وبين الناس من التعرض له لردعه عن هذه الوحشية الهمجية البدائية والتي صدقاً أقول لم ألحظها في عالم الحيوانات والضارية منها تحديداً.!! ومتسلحاً أيضاً بمفاهيم واعتبارات عشائرية قبلية جاهلية تجعل القيم والأخلاق والدين تحت أقدامها، فلا وازع من الله، ولا حرمة لدم، أو عرض، أو مال، أو أي شيء آخر سوى تنفيس هذا الإحتقان الشيطاني الخبيث، وعلى من؟ على زوجته المسكينة وأولاده الأبرياء الأنقياء الذين باتوا أسرى هذا الوحش المدعو والدهم.

فالزوجة والأولاد كل يوم هم في شأن، تارةً في مستشفى للعلاج من أذى جسدي، وتارة مستجيرين باللجوء الى بعض الناس للتخفي، وتارة أخرى يعيشون هاجس موعد حضور الوحش الى المنزل لإعادة الكرّة والبدء من جديد.

وهكذا أيامهم وسنو أعمارهم تمضي وتدور في فلك هذا المخلوق الذي لا إسم يليق به سوى الوحش الشيطاني. وهو من مصاديق الآية القرآنية: } فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث....{(سورة الاعراف، الآية 176)، والأمر الذي يزيد في الطين بلة، أنه لا حلّ معه في قضاء شرعي أو مدني أو عسكري، إذ أن المسألة معقدة الى درجة تحتاج لحلها تدخل شخصيات من مستوى رؤساء أو قادة أو جهات أمنية رفيعة المستوى تعمل على حماية هؤلاء المساكين على مدار الساعة ولفترات طويلة الأمد، عسى وعلّ أن يجعل الله سبحانه لهم فرجاً ومخرجاً عن هذا الطريق.

وإلاّ، فإلى الله المشتكى وعليه التوكل، فهو مغيث المستغيثين، وناصر المظلومين، ومفرّج كربة المكروبين، وراحم المساكين والمستضعفين من النساء والولدان المغلولين بحبال هذا الشيطان الغشيم.

وانصياعاً لله وللرسول في رفض الظلم وأهله، وعملاً بوصية الإمام علي (ع) لولديه الحسنين (ع) القائلة:(...... وقولا بالحق واعملا للأجر وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً....)(2).

أحببت أن أثير هذا الأمر في مقالتي رفضاً للظلم وأهله، وعسى أن تحرك ضميراً حياً يمكن له المساعدة الحقيقية في هذا الموضوع، أو أن يعتبر منها كل من ألقى السمع وهو شهيد.

الهوامش:

رواه ابن السمعاني في أدب الإملاء والإستملاء، ص 1. كما رواه محمد تقي المجلسي في روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج1.

من وصية الإمام علي لولديه الإمام الحسن، والإمام الحسين(ع)، قبيل إستشهاده وهذه الوصيّة طويلة ومشهورة جداً وتتضمن معاني سامية حري بنا جميعاً مراجعتها وتدبرها دائماً.