الشيعة في المتن الشمالي الرويسات، الفنار، الدكوانة

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: الشيخ محمد علي الحاج العاملي(1)

بعد الحديث عن الوجود التاريخي للشيعة في منطقة المتن الشمالي(2)، في بياقوت، والبوشريّة، وبرج حمود، وسن الفيل، ومجدل ترشيش، وصل المقام ـ استكمالاً للبحث في المحور العام: الوجود الشيعي في المتن الشمالي ـ للحديث عن الشيعة في: الرويسات، الفنار، الدكوانة.

إطلالة عامة

قبل التطرق التفصيلي لوضع الشيعة في كل منطقة على حدة؛ يهمنا الإشارة ـ إجمالاً ـ لكون الحضور الشيعيّ في هذه المناطق الثلاث، كان عامراً وكثيفاً قبيل الحرب الداخليّة اللبنانيّة، التي اندلعت في العام 1975م. حيث استوطن الشيعة هذه المناطق، وسواها من قرى، بلدات ومناطق الساحل، في ضاحية بيروت الشماليّة بشكل أساسي؛ وجاءت الحرب الداخليّة لتهجر الشيعة من هذه المناطق، بعد أن أسسوا فيها مساكنهم ومؤسساتهم الصناعيّة والتجاريّة والإجتماعيّة والتربويّة والدينيّة، وركّزوا أمورهم، وساهموا في إعمارها... ما أدى لإنتكاسة إنسانيّة كبرى لحقت بأبناء الطائفة الإسلاميّة الشيعيّة في لبنان.

ولتتوضح الصورة بشكل أفضل؛ لا بُدّ من إستعراض سكن الشيعة في بعض مناطق المتن؛ بشكل موجز، حيث أختار مجموعة قرى متنية، إنعدم فيها الوجود الشيعيّ بعد الحرب، ومنها:

برمانا: سكنت بعض العائلات من آل حلاوي في قرية برمانا، ذلك بعد تهجيرهم من بلدتهم كفركلا، في العام 1948م، وبقوا في برمانا حتى الحرب الداخليّة، فغادروها حفاظاً على أرواحهم في العام 1976م. بعد أن سكنوها لفترة، وأسسوا فيها مساكنهم ومؤسساتهم، واعتادوا عليها، وبعد أن نشأ فيها العديد من شبابهم، الّذين اصبحوا يعتبرونها موطنهم الأساسي، كونهم تربوا فيها...

انطلياس: توطنت عائلات شيعيّة في منطقة انطلياس، حتى أنّ الكثير منها ما زالت سجلات نفوس ابنائها فيها، بعد أن نقلوها من البقاع والجنوب إلى انطلياس، وطبعاً لم يكن يحصل ذلك لولا أنّهم توطنوا انطلياس بشكل كامل، إلاّ أن الحرب فرضت عليهم تركها.

ومن أولئك الّذين كانوا في انطلياس عدّة عائلات من آل بلوط، حيث فرضت عليهم الحرب اللبنانيّة ترك المنطقة، وقد سكن بعضهم الوردانيّة(قضاء الشوف)، وما زالو لتاريخه فيها، علماً أنّهم يقترعون في انطلياس.

كذلك فإنّ لآل المنذر أملاكاً لتاريخه في انطلياس و(تحديداً في حارة الغوارنة) وهم من الناخبين فيها، وإن كانت جذورهم من شمسطار(البقاع)، وبعد تركهم المنطقة رجع جزء منهم إلى شمسطار، في حين توّطن آخرون الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت.

الروضة: نتيجة قرب الروضة من بلدة الدكوانة وسواها من مناطق كانت مأهولة بالشيعة فقد سكنت العديد من العائلات الشيعيّة في منطقة الروضة.

ويُعرف من سكانها الوزير والنائب غازي زعيتر، كذلك فإنّ النائب السابق حبيب صادق سكنها من العام 1971م. وبقي فيها لغاية العام 1975م. بداية الحرب، حيث أن طبيعة الحرب فرضت عليه الخروج من المنطقة. ويقول صادق:«أنّ بعض القوى الوطنيّة نصحتني بترك المنطقة حفاظاً على حياتي»(3).

كما ويتذكر صادق بأنّه كان يسكن في آخر بيت من الروضة، وكان مُحاطاً بالأشجار. كما أنّه كان يسكن في نفس المبنى ابن شقيقه صادق صادق، والضابط مهدي الحاج حسن.

ولتاريخه ما زال يسكن الروضة الدكتور أحمد اللوساني، علماً أنّه كان قد سكن المنطقة قبل الحرب، ولعلّه آخر شيعيّ اليوم يسكن منطقة الروضة.

قرنة شهوان، عين عار: سكنت بعض العائلات من آل الحاج حسن(من البقاع)، قبل العام 1975م. بين قرنة شهوان وعين عار.

كما سكن آخرون قرى قريبة، حيث تولّدت لديهم فكرة بناء مسجد في قرية «مزرعة يشوع» إلاّ أنّ اندلاع الحرب حال دون ذلك.

ضهور الشوير: كانت منطقة ضهور الشوير مصيفاً للكثير من العائلات السياسيّة الشيعيّة، فقد كان يستوطنها صيفاً الرئيس عادل عسيران، والوزير كاظم الخليل، وأحد أقاربهما كامل عسيران.

كما كان يصطاف فيها أيضاً عائلات شيعيّة من آل بيضون، وعائلات أخرى من آل الخليل.

مع العلم بأنّه في بعض الأحيان كان يسكن الوزير كاظم الخليل صيفاً في برمانا أو بكفيا(4).

كما أنّه عقب إنتهاء الحرب الداخليّة، وبعد إنجاز المصالحات وإعادة المهجرين لم يعد من تهجر إلى المناطق التي سكنوها، وأهلوها... حيث أنّهم كانوا قد ركّزوا أمورهم في أماكن أخرى، ما أدى لأن يتقلّص الحضور الشيعيّ في المتن الشمالي عما كان عليه قبيل الحرب.

التنوع الطائفي: مصدر غنى أم سبب للحساسيات

وقد كان الأجدى التفكير بالفوائد الوطنيّة والإجتماعيّة التي تعود جراء تنوع الطوائف في المتن الشمالي، لأنّ الحضور الشيعيّ في المتن يضفي على المنطقة صبغة وطنيّة مميزة بخلاف الاقتصار على الحضور المسيحيّ فقط... وطبعاً هذا الكلام يسري على كل المناطق دون استثناء وعلى كل الطوائف أيضاً، لأنّه حان للجميع أن يدرك أهميّة التنوع، والحفاظ على العيش المشترك، ومدى الفوائد التي تعود من جراء ذلك.

وأن اتجاه الشيعة في المتن لإنشاء مؤسسات قبل الحرب هو خير دليل على ارادتهم الطيبة للمساهمة في تطوير واقع المنطقة، ويكفي استعراض الجمعيات والمراكز الدينيّة والثقافيّة والإجتماعيّة التي انشأوها، لمعرفة هذا التوجه حيث نلحظ العديد من المؤسسات على امتداد مناطق سكن الشيعة في المتن.

أ ـ الرويسات

تحوي منطقة الرويسات أكبر تجمع بشري شيعي على مستوى المتن الشمالي، حيث يقطن فيها اليوم قرابة العشرين ألف نسمة من الشيعة، وهم من العائلات البقاعيّة بشكل رئيسي.

كما أنّ بداية السكن في الرويسات شأنه شأن بقية المناطق المتنية الساحليّة، في ضاحية بيروت الشرقيّة، حيث تزامن التوافد إليها بعد مطلع النصف الثاني من القرن الماضي من الجنوب والبقاع.

وكان أهالي المنطقة قد بادروا لبناء مركز دينيّ قبل الحرب، وذلك برعاية المرجع الدينيّ العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله{.

وعن تلك المرحلة يتحدث الشيخ أحمد كوراني قائلاً:»في بدايات السبعينيات كُلِفتُ من قبل السيّد محمد حسين فضل الله لإفتتاح مسجد الرويسات، والصلاة فيه، حيث صليت يوم العيد على الرمل(5)».

وعن المرحلة التي تلت إنتهاء الحرب الداخليّة يتابع الشيخ كوراني:«وثُمّ بعد عودة الدولة، وبسط الشرعيّة سلطتها، وتحديداً يوم العاشر من محرم، فقد أحيينا المناسبة، وقد قرأ مجلس العزاء الشيخ عبد الوهاب الكاشي، في حين أنني ـ الكلام للشيخ كوراني ـ تحدثتُ بموعظة، كما كان الجيش اللبنانيّ حامي المكان، وكان المحيط مشجراً...».

كما أنّ الشيخ عبد الرسول حجازي أمَّ مسجد الرويسات لفترة قبل 1975م. وبعد إنتهاء الحرب فقد نهض القاضي الشرعيّ الشيخ علي المولى بمهمة إعادة ترميم المركز، وذلك برعاية المرحوم العلاّمة الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

وعقب حرب 2006م. باشرت جمعيّة الباقيات الصالحات ببناء مجمع في منطقة الرويسات، حيث افتتح المسجد من عدّة سنوات، ويؤمّه اليوم عالم دين من الجنسيّة التونسيّة.

ب ـ الفنار

استوطنت عشرات العائلات الشيعيّة منطقة الفنار، ذلك منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وقد كان السكن في هذه المنطقة بشكل أساسي لأهالي منطقة البقاع وتحديداً أبناء عشيرة آل زعيتر، ولم تقتصر المنطقة على آل زعيتر فحسب، بل هناك عائلات أخرى، ولكن بأعداد قليلة.

وقبل الحرب لم يتم إنشاء أي مؤسسة شيعيّة في الفنار، سوى المركز الإسلاميّ الذي تمَّ تشييده برعاية العلاّمة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله{، ونتيجة ما جرى فيه خلال الحرب، فقد تمَّ إعادة ترميم وتأهيل المسجد، ذلك تحت إشراف المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى وبعض الفعاليات الدينيّة. ولم يعد يرعاه العلاّمة السيّد فضل الله{، وهو يتألف من مسجد وقاعة ومنزل للعالم الدينيّ.

ومنطقة الفنار اليوم تعتبر ثالث أكبر تجمع شيعيّ في المتن الشمالي، بعد منطقة الرويسات التي تحوي أكبر تجمع ـ كما اسلفنا ـ ثُمّ تليها منطقة برج حمود في المرتبة الثانيّة.

ويسكن اليوم الفنار عدّة آلاف من الشيعة، هم على الأعم من أهالي البقاع اللبنانيّ.

ج ـ الدكوانة

كانت منطقة الدكوانة محط رحال الكثير من العائلات الإسلاميّة الشيعيّة، التي قدمت من الجنوب اللبنانيّ بشكل أساس، كما سكنها ـ ولكن بنسبة أقل ـ عائلات جبيليّة وبقاعيّة، وتزامن ذلك في نفس المرحلة التي حصل فيها قدوم الشيعة إلى الرويسات والفنار وبقية المناطق في ضاحية بيروت الشماليّة. ـ أي في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين ـ واستمرَّ ذلك حتى سقوط تل الزعتر، بعد فرض الحصار، وتالياً فقد تهجرت العائلات الإسلاميّة الشيعيّة من منطقة الدكوانة بالكامل، وكان ذلك في العام 1976م.

وخلال تواجد الشيعة في الدكوانة، ونتيجة لحاجة المجتمع لمركز إسلاميّ ـ ديني، حيث تزايد الحضور، وأضحى وجود مسجد وما يلحق به ضرورة ملحة...؛ فقد تمّ بناء مركز اسلامي، وذلك من قبل(جمعية الإرشاد الدينيّ الخيريّة الإسلاميّة) هذه الجمعيّة التي كان مقرها في الدكوانة، وتأسست في مطلع السبعينيات، قد ترأسها العلاّمة الشيخ محمد مهدي شمس الدين{، وقد كان هذا المركز برعاية الشيخ محمد مهدي شمس الدين أيضاً، وأمَّه لفترة، ثُمّ خلفه شقيقه الشيخ عبد الأمير شمس الدين. وكان مركز الدكوانة يضم مسجداً وحسينيّة، ومكتبة عامّة.

ولاحقاً تمَّ شراء أرض لإنشاء مدرسة شبه مجانيّة، وجرى البدء بالإجراءات القانونيّة، حيث تمّ الإستحصال على الرخصة لإنشاء وافتتاح المدرسة، ولكن سرعان ما اندلعت الحرب الداخليّة البغيضة، ما أدت لإعاقة ذلك، بل أدت لتهديم المركز الإسلاميّ في الدكوانة بالكامل.

والأمر المؤسف هنا، أنّه بعد إنتهاء الحرب الداخليّة، لم تتم إعادة بناء هذا المركز الإسلاميّ، وهذا بخلاف مساجد المنطقة الأخرى، حيث تمت إعادة بناء مسجد الرويسات، وتمَّ ترميم مساجد: البوشريّة والفنار وسن الفيل وبرج حمود...

وفقدان منطقة الدكوانة لمعلم إسلاميّ، مثل المسجد والمركز الذي كان قبل الحرب، يمثل خسارة ليس للشيعة فحسب، بل للتنوع الذي كان يمكن أن يضفي على المنطقة رونقاً مميزاً. ويكون مصدر تنوع وغنى.

الدكوانة قبل الحرب في ذاكرة الشيعة

الكتابة عن الدكوانة تختلف عن الرويسات والفنار، حيث أنّ الوجود الشيعيّ الحاضر بارز فيهما. والشيعة اليوم لديهم مؤسسات، وسكنهم مُعتد به في المنطقتين، بخلاف الأمر بالنسبة لمنطقة الدكوانة، حيث أنّ المسجد الذي كان عامراً فيها قبل الحرب اللبنانيّة، لم يتم إعادة تشييده، فضلاً عن أنّه تمَّ بيع الوقف الذي كان فيه، ما أدى لعدم إقبال النّاس على العودة للمنطقة، على إعتبار أن وجود مؤسسة دينيّة شيعيّة في الدكوانة تؤدي لتشجيع النّاس على العودة لأملاكهم، ولذلك لم يبقَ من العائلات الشيعيّة اليوم في الدكوانة إلا القليل...؛ وهذا ما يفرض الإضاءة ـ بشكل مضاعف ـ على وضع الشيعة السابق في المنطقة إلا أنّ المقام لا يسمح بذلك، لكن يبقى للدكوانة الكثير في ذاكرة الشيعة، في مرحلة حساسة من تاريخ الطائفة الشيعيّة، ولبنان، ويبقى مسجدها شاهداً على تلك المرحلة رغم عدم إعادة تشييده.