العمل شعار المؤمن

01/09/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

قال الله تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً{ سورة النحل، آية:97.

وقال رسول الله: إنَّ الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.

وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع):إعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً، وإعمل لاخرتك كأنك تموت غداً.

تعاطى الإسلام مع العمل ببعديه الدنيوي والأخروي بشكل مميز عن باقي الرسالات السابقة له، كما أنّه شرَّع القوانين والأحكام بغية وضع الحلول العمليّة بشكل متقدم على كل القوانين الوضعية اللاحقة.

فكان بحق أرقى وأسمى نموذج أو قانون يَسنُّ في الحث على العمل، وتنظيم العلاقات الناتجة عنه، لدرجة أصبح العمل في الإسلام نوعاً من العبادة.

من هنا نفهم الحديث القائل: الكاد على عياله كالمتشحط بدمه في سبيل الله.

فكما أنَّ الجهاد في سبيل الله هو من نوع العبادة، كذلك الكدَّ في العمل الحلال أو المباح هو جهاد أيضاً.

وإعتبار أنّ العمل نوع من أنواع العبادة، فهو واجب على كل مُسلم صحيح البدن وعاقل، إذ أنَّ قيمة المرء بما يمتهن من مهنة، كما ورد عن الإمام عليّ(ع): قيمة كل إمرئ ما يحسنه. ولا يوجد في الإسلام مهنة وضيعة طالما أنها في الموارد المشروعة، وتغنى صاحبها عن بذل ماء الوجه وسؤال النّاس.

ولكون العمل عبادة، فمن واجب كل مُسلم التفقه بدينه وخصوصاً في الجوانب التي تلتقي مع نوع المهنة التي يزاولها هذا المسلم، فالصحفي أو الكاتب يجب عليه مراعاة ما من شأنه عدم إشاعة الفتنة أو التفرقة بين المسلمين، إذا أن الفتنة أشدُّ من القتل، والتاجر عليه مخافة الله في تجارته، حتى لا يصبح حاله كالفاجر همه الوحيد الربح عن أي طريق كان، إذ أنّ مجادلة الرجال بالسيوف أهون من طلب الرزق الحلال بحسب تعبير الإمام الصادق(ع)، والعامل الحرفي يجب عليه الإخلاص في أداء عمله إذ أنّه مؤتمن وعليه أداء الأمانة، لأنّ من غشنا فليس منّا، كما قال النبيّ.

وهكذا سائر الميادين والتي أفرغ لها الفقهاء فصولاً خاصة في كتبهم وتحديداً في كتب المعاملات.

وكما أنّ الإسلام حثَّ على العمل وأمر به، كذلك نظمَّ العلاقة بين الأجير ورب العمل، ورتبَّ على كل منهما حقوق وواجبات، منها على سبيل المثال الأفضل عدم إستئجار الأجير قبل الإتفاق معه على الأجرة، كما أن الأفضل المسارعة لدفع أجرة الأجير عند الإنتهاء من عمله بشكل مباشر عملاً بالمقولة: إدفع للأجير أجره قبل أن يَجفَّ عرقه.

هذا لجهة رب العمل أو المستأجر، أما لجهة الأجير فإنه مطالب بالقيام بعمله على أفضل وجه، وهذه الحادثة التي حصلت مع النبيّ الأكرم، توضح لنا هذا المعنى: نزل رسول الله حتى لّحدّ سعد بن مُعاذ(رض) وسوّى عليه اللّبن، وجعل يقول: ناولني حجراً، ناولني تُراباً رطباً، يَسدُّ به ما بين اللّبن، فلما فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال: إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء ولكن الله يحبُّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه.

أو كما عبّر الإمام عليّ(ع): إعمل عمل من يعلم أن الله مجازيه بإساءته وإحسانه. وهذا القول يُشعر بأهمية الإخلاص في العمل إذ أنّه يمكن في كثير من الأحيان أن لا  يكون رب العمل مشرفاً على العمل بشكل مباشر، لذا يجب على العامل أن يخلص في أداء هذا العمل لأن الشاهد عليه هو الحاكم العليم بالسرائر.

هذا بشكل عام، لكن هنالك نقطة مهمة ينبغي التوقف عندها والإشارة إليها، ألا وهي(البطالة) أي عدم العمل، هذه الآفة الخطيرة والتي أصابت وتصيب معظم المجتمعات لا سيما الإسلاميّة منها تنطلق بالأغلب من مصدرين، الأوّل: الأنظمة الحاكمة من خلال سوء رعايتها للبرامج الإجتماعيّة الإنتاجيّة والتي توفر مصدراً مهما من فرص العمل.

الثاني: التكاسل أو اللامبالاة بالعمل والإعتماد على الغير بخصوص تأمين المعاش، وأخطر ما في هذا الأمر تبريره تحت عناوين إيمانية سامية، الهدف من ورائها خداع النّاس لتبرير هذا التقاعس عن العمل، بإسم التوكل على الله الرزاّق سبحانه.

وأبرز نموذج عن هذا النوع من المسلمين بحسب التاريخ الإسلاميّ كان إبن لأبي الأسود الدؤلي (واضع علم النحو في اللغة العربية)، يقول أبياتاً من الشعر تنسب إليه:

جرى قلم القضاء بما يكون

فسيّان   التحرك  والسُكونُ

جنون منك أن تسعى لرزقٍ

ويرزق في غشاوتِه الجنينُ

فهذا الشاعر يدعو إلى عدم التحرك والعمل لأنّ الرزق مضمون من الله، وبالتالي فإن أي تحرك بإتجاه تحصيل المعاش بحسب هذا الشاعر، هو ضرب من الجنون؟!. فمن أين أتت هذه المفاهيم البعيدة عن روح التشريع الإسلامي كبعد السماوات عن الأرض؟ الجواب لن يكون سوى البلادة أو التكاسل المغلّفة بالمفهوم الإسلامي الراقي، وهذا القرآن الكريم ما إنفك يدعو للعمل في معظم آياته وسوره، وفي معظم الأحيان كان الإيمان مقروناً بالعمل كقوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى سورة  النجم، آية: 39و40.  

أو كما عبّرت عنه السُنّة الشريفة بأن الإيمان ما وُقر في القلب وَصَدّقهُ العمل. فلا إيمان بلا عمل، من هنا كان شعار المؤمن العمل.

وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ سورة التوبة،آية:105.

المدير المسؤول

الدكتور الشيخ أحمد قيس.