الدكتور علي تامر دعيبس

25/11/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد رئيس التحرير

الدكتور علي تامر دعيبس ابن بلدة زيتون الكسروانيّة، عالم وجهبذ من أعلام وجهابذة الرياضيات في فرنسا ولبنان، فهو رئيس قسم الرياضيات في جامعة ليون الفرنسيّة وفي الجامعة اللبنانيّة، ورئيس قسم الرياضيات، ورئيس لجنة الرياضيات، ورئيس لجنة الدراسات والبحوث الرياضيّة في الجامعة اللبنانيّة سابقاً. ومن المُهتميّن بترجمة علوم الرياضيات ومصطلحاتها إلى اللغة العربيّة، مصداقاً لقول الأديب اللبناني الكبير أحمد فارس الشدياق:

من فاته التَعريبُ لم يَدرِ ما العنا

ولم يَصل نار الحرب إلاّ المحارب

كان لمجلة «إطلالة جُبيليّة» ورئيس تحريرها القاضي الدكتور عَمرو هذا اللقاء معه عصر يوم الإثنين في منزل القاضي الدكتورعَمرو في جبيل الواقع فيه ٨/٧/٢٠١٩ م.

ـ نتوجه لسعادتكم بالسؤال عن بلدة زيتون

وتاريخ العائلة الكريمة وتاريخ الولادة؟.

أشكركم على إجراء هذه المقابلة معي بإسم مجلة «إطلالة جُبيليّة» وأقول جواباً على سؤالكم الأوّل:«زيتون قرية قديمة جداً. وجدت فيها نواويس وآثار تعود إلى تاريخ قديم، ولكن أيدي الجهلة دمرّت هذه الآثار، خاصّة ما كان منها ما يسمّى بضهر قوالة. وأعتقد أنّ آثاراً مهمّة ما تزال مطمورة في وسط زيتون بالقرب من الكنيسة.

عاش الموارنة والشيعة جنباً إلى جنب في زيتون منذ مئات السنين وفق ما رواه لنا كبار السن في خمسينيات القرن الماضي. وهم ينتمون إلى العائلات: خيرالله، إفرام، دعيبس، حيدر أحمد. ومع الأيام وفدت إلى زيتون عائلات أخرى: فهد، الحلاّني، الشوّاني. ومنذ أربعين سنة إلى اليوم ما انفكت زيتون تستقبل وافدين جدداً، وعدد ساكني زيتون غير المسجّل نفوسهم فيها هو اليوم أكثر من عدد ساكنيها المسجّلة نفوسهم فيها، وقد أتى هؤلاء من مُختلف المناطق اللبنانيّة. ولا يسعني إلاّ أن أذكر بالمناسبة أنّه ما سكن أحد في زيتون فترة إلاّ وبقي فيها».

شخصي وعائلتي

إسمي عليّ تامر دعيبس من مواليد زيتون سنة ١٩٤١م. والدي تامر خليل دعيبس ووالدتي سليمة رشيد كنج، وهما من أبناء بلدة زيتون. وما أعرفه عن عائلتي حقيقة يعود إلى مطلع القرن العشرين. أمّا ما يعود إلى قبل ذلك فقد حفظته عمّا رواه أجدادي ورجال القرية الطاعنون في السن، إذ لا وثائق لدينا بخصوص تاريخنا، لكنّه من المؤكد أنّ عائلتنا تعيش في زيتون منذ عهد بعيد، تنحدر عائلتنا الحاليّة من خليل دعيبس، وخليل يتحدّر من قبلان، وقبلان من دعيبس، ويُقال دعيبس من قبلان...، من الحاج حسين حيدر أحمد، والحال أني لا أعتقد أننا نعود إلى عائلة حيدر أحمد.

أنجب خليل دعيبس: دعيبس، عبّاس، تامر، حمود، وبنتين. في العام ١٩١٣ تزوج دعيبس من تميمة ناصر من قرية الحصين وانتقل للعيش معها في الحصين حيث بقي هناك طيلة حياته، وقد أنجب ولدين وبنتاً. وفي احصاء سنة ١٩٣٢ سجّل عائلته تحت إسم قبلان، بينما تسجّل والدي وأخوه حمود وأولاد أخيه عبّاس أنّهم من عائلة دعيبس، بذلك تكون العائلة قد انقسمت إلى قبلان في الحصين وإلى دعيبس في زيتون وهم جميعاً من أرومة واحدة.

أنا متزوج من هيفاء أحمد رضا حمود ناصر من الحصين، وعندنا أربعة أولاد على التوالي: سامية، سمير، سونيا، تامر.

ـ ماذا عن دراستكم الإبتدائيّة والثانويّة في لبنان؟

دخلت مدرسة القرية في سن الثامنة، وفي آذار سنة ١٩٥٦ ذهبت إلى بيروت حيث تسجّلت في مدرسة السلام، وتقدّمت في تلك السنة في إمتحانات الشهادة الإبتدائيّة الرسميّة فنجحت. عندئذ تسجلّت في الكليّة العامليّة في بيروت، وقد حصلت بعد ذلك بثلاث سنوات على الشهادة التكميليّة الرسميّة، وبعد أربع سنوات حصلت على البكالوريا القسم الأوّل والبكالوريا القسم الثاني ـ فرع الرياضيات. والجدير بالذكر أني رسبت في البكالوريا القسم الأوّل ممّا أضاع عليّ سنة دراسيّة واحدة. وقد كان رسوبي على النحو التالي: كان معدّل النجاح مئة وعشرين علامة، وكانت علامة الإستحقاق سبعة وكانت كل علامة دون الخمسة على عشرين لاغية. كان مجموع علاماتي مئة وستة وخمسين علامة، لكنّ علامتي في الأدب الفرنسي كانت أربعة ونصف على عشرين، علامة لاغية «مقاسة بميزان الذهب».

بعد حصولي على البكالوريا القسم الثاني، تقدّمت إلى إمتحانات الدخول إلى دار المعلمين العليا. نجحت في اختصاص الرياضيات ورحت أدرس الرياضيات في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة لأنّ دراسة هذا الإختصاص كانت هناك. وبعد أربع سنوات حصلت على إجازة تعليميّة من هذه الكليّة. وبما أنّ علاماتي كانت جيّدة قرّرت كلية العلوم إعطائي منحة للتخصص في الخارج.

ـ ماذا عن دراستكم في فرنسا والتخصص العلمي؟

أقول جواباً على سؤالكم الثالث: كان قدومي إلى مدينة ليون في فرنسا في الرابع عشر من تشرين الأوّل سنة ١٩٦٩، حيث تسجلّت في دبلوم الدراسات المُعمّقة في الرياضيات البحتة. وقد وجدت أنّه ينقصني الكثير في مجال اللغة وفي المجالات الرياضيّة، فرحت أخصّص جلّ وقتي لسدّ النواقص باللغة الفرنسيّة ومتابعة دروس ما يُلقى علينا من محاضرات والبحث عن موضوع أكتب عنه دراسة يتوجّب عليّ النقاش والدفاع عنها في آخر العام الدراسي.

وفي حزيران سنة ١٩٧٠م. تمكّنت من النجاح في المواد الخطيّة والدفاع عن الدراسة التي كنت قد أعددتها، فحصلت على شهادة دبلوم الدراسات المُعمّقة بتقدير جيّد.

في تشرين من السنة نفسها رحت أحضّر الدكتوراه حلقة ثالثة، وبما أنّ موضوع الدراسة التي كنت أعددتها في دبلوم الدراسات المعمّقة كان غنيّاً، فقد فتح ذلك أمامي فُرصة تحضير الدكتوراه على الموضوع نفسه موسّعاً. وقد حصلت على شهادة الدكتوراه بعد ذلك بثمانية أشهر بتقدير جيّد جداً وبتهنئة اللجنة الفاحصة.

بعد حصولي على هذه الشهادة خيّروني في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة بين الحصول على مركز مُعيد في الكليّة أو تحضير دكتوراه دولة في فرنسا، اخترت تحضير دكتوراه دولة، وهكذا فقد عُدّت إلى مدينة ليون ورحت أعمل في مجال البحث، وبعد سنة أعطوني مركز أستاذ مساعد في الجامعة فرحت أُدرّس وأبحث. وبعد أربع سنوات تمكّنت من الحصول على دكتوراه دولة في الرياضيات، وبعد ذلك بعام عدّت إلى بيروت حيث تمّ تفريغي كأستاذ مساعد في قسم الرياضيات.

ـ ماذا عن تدريسكم في الجامعة اللبنانيّة

وغيرها من جامعات رسميّة وخاصة؟

وعن مؤلفاتكم في علم الرياضيات؟.

جواباً على السؤال الرابع أقول: بدأت التدريس في كلية العلوم في الجامعة اللبنانيّة في تشرين الثاني سنة ١٩٧٧م. برتبة أستاذ مساعد، وفي سنة ١٩٩٥م. حصلت على رتبة أستاذ. درّست طيلة ثلاثة عقود مواد التحليل الرياضي في الحلقة الأولى والحلقة الثانيّة من الإجازة في الرياضيات. شاركت في مختلف اللجان الأكاديميّة بخصوص التعليم والبرامج والبحث العلمي والتحكيم، وشغلت مركز رئيس قسم الرياضيات لمدة سنتين وترأست لجنة الدراسات والبحوث، وعملت عضواً في المجلس العلمي الإستشاري في رئاسة الجامعة.

درّست الرياضيات في معهد العلوم التطبيقيّة. وقد كلّفني رئيس المعهد يوسف أبو نادر يومذاك بإدارة شؤون الرياضيات في المعهد وبالإشراف على امتحانات الدخول إلى المعهد... وقد شاءت الظروف أن أدرّس في الثانويات: سنة في ثانوية جب جنين وتسع سنوات في الإنجيلية الفرنسيّة. وقد درّست سبع سنوات في جامعة ليون في فرنسا وسنة في جامعة سُبها في ليبيا.

ماذا عن أبحاثكم ومؤلفاتكم باللغة العربيّة؟

جواباً على سؤالكم أقول: عملت في مجال الأبحاث عشر سنوات فقط، إذ أنّ الظروف في لبنان كانت وما تزال لا تتيح الفرصة لينكب الإنسان على البحث العلميّ. وقد تمكّنت من نشر أحد عشر بحثاً في الرياضيات في مجلاّت في دول الغرب. وخارج البحث العلمي رحت أهتم خاصّة بعد أن أُحلت على التقاعد بموضوع كتابة الرياضيات باللغة العربيّة. وفي هذا الموضوع لا يسعني إلاّ أن أذكر ما قاله أحمد فارس الشدياق:

من فاته التعريب لم يدر ما العنا

ولم يصل نار الحرب إلاّ المحارب

على أي حال كتبت بين تأليف وترجمة أكثر من سبعمئة صفحة رياضيات ستنشر تحت عنوان «فصول من دنيا الرياضيات».

إهتمامي بكتابة الرياضيات والعلوم بلغة العرب كانت نتيجة إقتناعي الراسخ الناتج عما مررت به من تجارب على مدى أكثر من نصف قرن. إنّ العرب لن يتمكنّوا من التقدّم في المجالات العلميّة والتقنيّة ما لم تتوّطن العلوم في ديارهم. وهكذا توطين لا يمكن أن يحصل حقّاً إلاّ بلغتهم، ولغتهم ليست عاجزة أبداً عن استيعاب ما شئنا من علوم ومعارف... ومع الأسف الشديد العقل العربيّ العام في هذه الأيام ليس علمياً.

ـ ماذا عن أسرتكم الكريمة؟

وجواباً على سؤالكم حول أسرتي أقول:

لدي أربعة أولاد: سامية تحمل إجازة في العلوم الطبيعيّة وتعمل محاضرة في كلية العلوم في الجامعة اللبنانيّة.

سمير شهادة هندسة من الجامعة اللبنانيّة ودبلوم دراسات متخصصة في التقنيات ودبلوم في الإدارة، ويعمل مستشاراً في شركة فرنسيّة ولديه مؤسسة استشارات في المغرب العربيّ.

سونيا تحمل إجازة في إدارة الأعمال وتعمل في سفارة فرنسا في الأردن.

تامر يحمل شهادة هندسة من جامعة باريس السادسة ودبلوم دراسات متخصّصة في التقنيات ويعمل في شركة إستشارات كبرى في باريس.

في النهاية نصيحتي أقول: الشعب الذي يفوته قطار العلم، يصعب عليه اللحاق بركب التطوّر والتقدّم.

وختم كلامه بالقول: يوجد في بلدتي زيتون كفاءات مُختلفة ونذكر من هؤلاء:

ـ في مجالات الهندسة: أمين علي حيدر، جهاد علي الحلاّني، سمير علي دعيبس، روّاد كامل الحلاّني، تامر علي دعيبس، أحمد عصام دعيبس الذي سيتخرّج العام القادم، ووسام وليم دعيبس الذي سيتخرّج العام القادم أيضاً.

ـ في مجال التمريض والاستشفاء: وليد وليم رشيد دعيبس، مروان محمود الحلاّني.

ـ في مجال التعليم الثانويّ: ميرنا محمد دعيبس، سلام منيف الشوّاني، حميد علي حيدر، جورج فهد.

ـ ومن بين حملة الشهادات الجامعيّة نذكر: إيمان منيف الشوّاني، سليمة محي الدين دعيبس، رمزة حسين الشوّاني.

ـ وممّن يعملون في التعليم على المستوى الجامعي نذكر: أمين علي حيدر، سامية علي دعيبس، فادي طانيوس فهد.

ـ من اساتذة الجامعة المتقاعدين نذكر: الدكتور جورج عيسى، الدكتور علي دعيبس، ومن أساتذة الثانوي المتقاعدين نذكر: الأستاذ منيف الشوّاني.

من الواضح أنّ أهل زيتون يندفعون بقوّة نحو تعليم أبنائهم وبناتهم، وهم لا يتردّدون في تحمل أعباء تعليمهم، وهؤلاء الأبناء والبنات يطمحون لنيل الشهادات وأنفع الخبرات، فمنهم من يردّد أنّه سيسافر لتحضير شهادة دكتوراه في الخارج ومنهم من يردّد أنّه سيسافر للخارج لتحضير شهادة عُليا على الرغم من أنّ أهله لا يملكون مالاً لمساعدته في ذلك، لكنّه يريد أن يشتغل ويدرس وهو على استعداد لقبول أي عمل في مطعم، أو في مقهى أو في الحراسة لمتابعة دراسته.

لا شكّ أنّ هذا الجوّ العام يبشر بالخير ويبعث الأمل في النفوس بعد سنوات عجاف من الإحباط.

 


رئيس التحرير مع د. دعيبس ورئيس البلدية وليم دعيبس