الاختلال في التوازن الطبيعيّ

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

المهندس عدنان كاظم عَمرو أستاذ في المعهد الزراعيّ ـ الفنار. 

الحلقة الثانية:

 

إنَّ التأثير القاتل الذي تحدثه الكيماويات على الأعداء الحيويّة للآفات الزراعيّة، خصوصاً وإنّ هذه الأعداء أكثر حساسيّة لتأثير المواد الكيماويّة عنه عند الآفات.

وهذه يعني تفاقم الإصابة ببعض الآفات المستفحلة أصلاً وزيادة إنتشارها بعدما فقدت أحد أهم العناصر الطبيعيّة التي تحد من تكاثرها وزيادة أعدادها البيئة الطبيعيّة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل زاد الطين بلة بتحول آفات قبل المعالجة الكيماويّة في مستوى غير هام إلى مستوى ضار جداً للسبب نفسه والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ولعلّ أقربها إلى أذهاننا هو إحتلال الفرفور أو البرغش الأبيض من فصيلة الموقع المتقدم في عداد آفات الخضروات مثل(البيوت المحميّة ـ بندورة) وعلى الباذجان والحمضيات في منطقة الساحل اللبنانيّ وهذه الذبابة كما تعرف تنقل الأمراض الفيروسيّة وتهدر سنوياً مئات ليترات المُبيدات لمكافحتها دون جدوى.

والأمر نفسه ينطبق على دودة اللوز الأمريكي، وكذلك على حفارات الساق على الأشجار المثمرة وكان ظهور ذبابتي على أوراق وأغصان الزيتون في السنوات الأخيرة في منطقة المشرق العربيّ(جدول رقم1).

من المعلوم أنّ بعض المُبيدات له تأثيرات فيزيولوجيّة وسلوكيّة على الآفات نفسها تجعلها تزيد من قدرتها على التكاثر وتزيد من معدلات وضع البيض ونشاط الأفراد الناتجة ممّا يتسبب عنه تزايد أعداد الآفة تحت تأثير تلك المُبيدات بدلاً من تناقصها، ومن الأمثلة على ذلك تأثير الـ. د.د.ت والسفين في تنشيط وتزايد وتكاثر الكثير من العناكب والذبابة البيضاء، ولا يقتصر ضرر المُبيدات على الأعداء الحيويّة للآفات الزراعيّة، وإنما يقتل أيضاً الحشرات النافعة نحل ـ دودة  الحرير، والحشرات الملقحة تلك التي تتغذى من الأجزاء النباتيّة التي قد تلوثها المُبيدات فضلاً عن وصول متبقيات المُبيدات وأبخرتها إلى خلايا النحل أو إلى وحدات تربية الحرير، ممّا يتسبب في هلاك عدد كبير منها، ناهيك عن التلوث المباشر إلى غير المباشر لمنتجاتها.

كذلك يتأثر الإستخدام المُستمر للمُبيدات إلى تحويل الآفات الثانويّة إلى آفات رئيسيّة، وهذا نراه في الجدول رقم.

3 ـ التأثير السلبي على النبات:

نعرف أنّ الكثير من المُبيدات يسبب سموماً ضارة للنباتات  إنّ هذه النباتات هي كائنات حيّة كغيرها، فلا بُدَّ أن تتدخل هذه المواد الكيماويّة في سير أعمالها وفي وظائفها الفيزيولوجيّة مؤديّة إلى إحداث ما لا تحمد عقباه من تغيرات مختلفة مع إمكانيّة حدوث طفرات وراثيّة غير مرغوب بها وتشوه  في الصفات المنقولة بالتكاثر من جيل لآخر، نتيجة التأثير الخلوي لهذه المُبيدات حتى بالتركيزات المحددة والأقل من المميتة.

بالرغم من أعراض هذه السموم المورفولوجيّة ومن تدهور حجم الأجزاء النباتيّة وذبولها ومن ثُمّ موتها، إلاّ أنّ المقاييس الكميّة لهذا النوع من التسمم يتطلب الإعتماد على تفاعلات وتغييرات أكثر دقة مثل التأثيرات البيو كيميائيّة على أنزيمات الفسفرة أو كذلك معدل البناء والتمثيل الضوئي، ومدّة إطلاق الايتلين تحت الظروف غير المناسبة إضافة إلى الدراسات السيتولوجيّة داخل وخارج الأنسجة الحيّة.

4 ـ أضرار المُبيدات على صحة

الحيوان الزراعيّ والبريّ.

إنّ الحيوانات الزراعيّة مُعرضة لتأثير المُبيدات الزراعيّة بشكل مباشر من خلال وجودها في الحقول والمزارع أثناء عمليّة الرش خاصة عند إستخدام الطيران أو بشكل غير مباشر عن طريق تلوث العلف ومياه الشرب، وهذ ما حصل سنة 1993 لمجموعة من الأبقار في بسكنتا نتيجة تلوث العلف بإحدى الأدوية الزراعيّة المجهولة الإسم حتى الآن ونتيجة ذلك نفق عدد يقدر بحدود 40 إلى 50 رأساً.

إنّ أخطر المُبيدات التي يتلوث بها العلف أو الماء هي ذات التركيب الكيمائي الثابت والتي يمكن أن تختزنها الحيونات بتراكيز غير سامة، في أنسجتها أو ناتجها من حليب وبيض وغيرها، وهذا يعني حدوث تراكم لهذه المُبيدات الهدروكرونيّة المكلورة في أنسجة الأسماك والحيوانات وكذلك الحال بالنسبة لبعض المُبيدات الفوسفوريّة العضويّة التي تتمتع بقدر كبير من الثبات في البيئة مع القدرة على الإختزان في الأنسجة الدهنيّة، ومن الأمثلة على ذلك مُبيد الفوسفيل الذي يفوق الـ. د.د.ت في ذوبانه في الدهون، حيث يصل نصف عمره في التربة وفي النباتات والمُنتجات الزراعيّة والأعلاف إلى شهور عدة، وهذا ما حصل في مصر نتيجة التسمم بهذا المُبيد سنة 1971ـ1972 حيث كانت النتيجة نفق الآلاف من الجواميس والحيوانات الأخرى، إضافة إلى موت أعداد كبيرة من الغنم في أثناء مكافحة الجراد الصحراوي في بادية الشام.

إنّ تلوث الوسط المائيّ بالمُبيدات أصبح ظاهرة عامّة في العالم وخاصة بالـ.د.د.ت أو بطرق أخرى متعددة، وقد بينت الأبحاث أنّ الأسماك في نهر النيل تحتوي على نسب عاليّة من الـ.د.د.ت تفوق الحد المسموح به، أو بعض الكائنات الحيّة كالقشريات قادرة على إستخلاص المُبيدات الموجودة في الأوحال التي تغطي قعر البحيرات يصبح تركيزها في أجسام القشريات أعلى منه في الأوحال، وعندما تتغذى الأسماك بهذه القشريات فإنّها تزيد من تركيز المُبيدات داخل أجسامها التي تنتقل فيما بعد إلى جسم الإنسان، وكذلك إلى أجسام الطيور التي تتغذى عليها، بل أنّ المُبيدات تنتقل إلى بيض الطيور مما يؤدي إلى نفق الأجنّة وإلى ضعف القشرة مما يعرضها للكسر بسهولة.

إنّ خير مثال على تلوث الأسماك مباشرةً بالمُبيدات هو ما يحصل عندنا في لبنان حيث أنّ صياديّ الأسماك يستهلكون سنوياً بحدود 5 ـ6 من مُبيد اللانيت حيث يستعملونه في الطعم أثناء صيد السمك مع العلم أنّ هذا المُبيد أصبح من الممنوع إستعماله عالمياً في عمليات المكافحة.

إنّ المُبيدات ممكن لها أن تصل إلى الطيور مباشرة خلال الرش خصوصاً أثناء إستعمال الطائرات أو بشكل غير مباشر عن طريق تغذيتها على الحشائش والحبوب الملوثة وكذلك على النباتات المرشوشة، مع العلم أنّه في لبنان يستعمل سنوياً أطنان من مُبيد النوفاكرون على الكرمة ونحن نعرف الأهميّة الحيويّة للطيور في البراريّ والغابات، حيث إنّها تقضي على أعداد كبيرة من الحشرات الضارة، من هنا نرى كيف أضعفت المُبيدات الكيماويّة السّامة هذا الدور الحيويّ والذي ظهر جلياً في كل المناطق اللبنانيّة حيث أصبح وجود الطيور من النوادر وكلنا يعرف مظهر الجمال لهذه المخلوقات.