واقع المعلمين في لبنان ومشاكلهم

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد: الأستاذ منيف موسى الشوّاني(1)

1ـ المقدمة:

يذكرنا النظام التعليمي في لبنان بتمثال بُني في حقبات مختلفة فيه تأثيرات مختلف العوامل الإجتماعيّة، الطائفيّة والثقافيّة، ويعاني من الإهتمام بالكم على حساب الكيف، ومن إنعدام التوازن بين الخدمات التعليميّة للمناطق المختلفة. ففي القرى اللبنانيّة نشرت المدارس الإبتدائيّة تعليقاً «أولياً» يرضي حاجات المجموعات الريفيّة، بينما لم يتعد التعليم المتوسط البلدات الكبرى والمدن، واستطاعت قلة فقط من البرجوازيين إكمال دراستها الثانويّة والعليا، التي سمحت لها تبوّؤ المراكز الهامة(2). لكن منذ منتصف الستينيات، بلغ قطاع الخدمات درجة تشبعه، بعد أن كان سابقاً، أكبر مُستخدم، وكان نشاط صمام الآمان، الكافي في الهجرة نحو البلدان العربيّة النفطية، يتناقص كلما نما التعليم في البلدان العربيّة المجاورة. نتيجة لذلك إستمر إحتياط اليد العاملة غير المستخدمة في الإزدياد بين مخرجات نظام التعليم وسوق العمل الداخليّة(3).

2ـ التعليم الرسمي في لبنان:

يتجه اللبناني للإنفصال عن التراكيب المجتمعيّة الطائفيّة نحو الدولة الواحدة، وقد أكدّ هذه الحقيقة بحث ميداني أجري بين العامين 1988 و 1992 حول القيم الخلفيّة التي يتمنى اللبنانيون أن تنتقل إلى أبنائهم(4).لهذا تصبح المدرسة الرسميّة حاجة مجتمعيّة من الواجب البحث عن أسباب تراجع الإقبال عليها، وذكر نقاط الضعف والثغرات التي تعاني منها، ومن الملاحظ أنّ المشاكل التربويّة في لبنان متنوعة ويتشارك في بعضها القطاعان العام والخاص لكن من الصعب التطرق إليها جميعها في هذا البحث الصغير لذلك سنتطرق إلى مشكلات الجسم التعليمي وما يعانيه، وما تعاني التربيّة منه.

أ ـ دور المعلم:

المعلم الحديث مرشد ومعين، لا يجديه علمه الغزير في مهمته الصعبة، إن لم تطغ عليه خطة التعاون، فالمعلم الذي يملي مذاهبه إملاء، لا ينفع لأنّها تدخل من أذن وتخرج من أذن، فعلى التلميذ أن يبحث ويجد بمعونة أستاذه وإرشاده، لأنّ الذي يجده التلميذ بنفسه يبقى أما الذي يسمعه من معلمه فيذهب(5).

الطريقة التلقينيّة تعتمد على العقاب أكثر من الثواب ولوضعيّة  القهر هذه آثار مدمرة على التكوين النفسي والعقلي للإنسان لعل أبرزها هو الميل إلى التخلي عن إستقلال النفس الفرديّة ودمج النفس في شخص آخر للحصول على القوة التي تنتقص الأنا الفرديّة. وفي معظم الأحيان يخضعون خضوعاً أعمى لمتطرفين جعل منهم القهر ساديين ينحون إلى الحقد وإنتاج ثقافات الفتن المتنوعة(6).

بالإضافة إلى هذا يلعب المعلمون وبصورة واعيّة أو لا واعية لعبة الإصطفاء الإجتماعيّ وذلك من خلال ردود فعلهم تجاه التلاميذ في الصف وتقييمهم لهم، ومن خلال توجههم المهني لهم، وبكلام آخر من خلال إيديولوجيتهم التي جرى تحضيرها إبان أدائهم المهني(7).

يتجاوب المعلمون لا شعوريا» مع ملاحظات الأهل الزائرين (غالباً من الطبقة الوسطى والعليا) بإعطاء قسط من إهتمامهم ووقتهم لأبناء هؤلاء. وطرق التعليم يمكن أن تكون أيضاً ذات طبيعة نخبويّة. فأبناء الفئات الشعبيّة أكثر إلفة مع ما هو مادي ومحسوس.

وطرق التعليم تقوم على الإنطلاق من المجرد نحو «التطبيق». وهي أكثر تناسباً مع أبناء الفئات الإجتماعيّة الوسطى والعليا الذين إعتادوا التعميم(8).

ب ـ توزيع  الجسم التعليمي في لبنان:

يعاني قطاع التعليم الرسمي في لبنان من النقص في إعداد المدرسين في المناطق الريفيّة والنائيّة ومن زيادة العدد في المدن وضواحيها. وما زالت وزارات التربيّة تعتبر البيئات الريفيّة والنائيّة حقل اختبار للمعلم المبتدئ. وبعد سنوات من المران ينقل بنتائج خبراته إلى مدن كبرى وأحياء راقيّة وفقاً لطلبه وأحياناً بناء على أوامر الوزارة خدمة لمدارس جيدة.

وكلما كانت تقديرات المعلم أعلى أسرعت الوزارة تنفيذاً لطلباته إنحيازاً ـ لا شعورياً ـ للفئات المدنيّة(9). ويعاني أبناء المناطق الريفيّة من التأخر الدراسي بالنسبة لأبناء المدينة ونتائجها هي ترك المدرسة قبل الوصول إلى المراحل المتوسطة أو الثانويّة(10). وحتى في المدينة تعاني المدارس الرسميّة من سوء في توزيع نوعي. فيتراكم المتخصصون في إحدى المواد في مدرسة وتحتاج المدرسة القريبة إلى الإختصاصين أنفسهم والعكس بالعكس.

ج ـ تركيب الهيئة التعليميّة:

المعلمون في لبنان هم غالبيتهم الساحقة من مواليد الأربعينيات والخمسينيات والإبتدائيون منهم أكثر فتوة من الثانويين والتي تنجم كهولتهم عن المتوجبات الدراسيّة المطلوبة للإلتحاق بالتعليم الثانوي بالإضافة إلى أن الأساتذة الثانويين في غالبيته من المعلمين الإبتدائيين سابقاً(11).

والأسباب الرئيسيّة لفتوة التعليم الإبتدائي أولاً إنّ غالبية الإناث ينتسبن إليه وهنّ أكثر فتوة فيه، فمهمة التعليم أصبحت أكثر فأكثر نسائيّة ليس في لبنان فحسب بل في مختلف بلدان العالم حيث تصل نسبة الإناث العاملات في التعليم العام إلى أكثر من 90٪ وذلك بسبب المردود المتدني(12)،هذا من جهة، ومن جهة ثانيّة تلجأ الإدارة التربويّة سنوياً إلى التعاقد مع أشخاص غير مؤهلين للتعليم فيها لسد النقص. إلاّ أنّ هذا تسبب بهدر كبير، بشري ومادي وأتاح الفرصة لفئة من المعلمين فقدت الإنضباط والمسلكيّة لإستغلاله لأغراضها الخاصة(13).

د ـ قصور الإعداد والتدريب:

المعلم متعلم دائم، فلا يغني الإعداد المسبق عن التدريب المستمر أثناء الخدمة، في مراكز متخصصة وحسنة التجهيز، ويكملها الإرشاد ميدانياً، ضمن نظرية لا تفرق بين التربوي المنظّر والمدرس المنفذ فأقل المعرفة ضمن طريقة رسمت له تخلو من التجديد والإبتكار. خاصة وإن الثورة العلميّة التكنولوجيّة وسيل من المعلومات الهائل المتيسر الآن للإنسان ووجود شبكات هائلة من وسائل الإتصال والإعلام بالإضافة إلى العديد من التيارات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والفكريّة والتي تعدل بتسارع كبير النظريات والصيغ التربويّة. وجعلت المعلومات تسبق المعلم إلى التلميذ ومعلومات المعلم وطرائقه تتعرض للتقادم، ولا بُدّ للمعلم أن يتسلح أيضاً وبالإضافة إلى المادة بعلم النفس وطرق التدريس ووسائل تعليميّة ومناهج وتكنولوجيا التعلم وتاريخ التربيّة وأصولها لأن هذه المواد لازمة لمهمة التدريس(14).

والتربيّة أداة إحتفاظ وأداة تجديد، والتغير في العناصر الماديّة أسرع بمقارنته بالتغير في العناصر العقائديّة والفكريّة والعاطفيّة، يعبر عن التفاوت بين عناصر الناحيتين بالتخلف الثقافيّ(15). فالتربية التقليديّة في إعتمادها التكرار العقيم لخصائص الأجيال السابقة وإعتماد أساليبها على الذاكرة والإتجاهات النظريّة وتفضيلها الأسلوب التقليدي وتفريقها بين الدراسات الإنسانيّة العلميّة وبين التعليم العام والتعليم الخاص، المرتبط بإعداد نظري مولع بتعريب وتقليد نظريات من دول العالم المتطور غالباً لا يطبق في مدارسنا والقصور واضح في قدرات المعلمين التعليميّة وفي سوء إختيار المعلمين وعدم فعالية إعدادهم في كلية التربيّة ودور المعلمين والشروط القانونيّة القائمة في لبنان، التعاقد والتدرج الآلي وعدم إرتباط الترفيع بالشهادات العلميّة(16). ونلاحظ أيضاً الخلط بين الوظيفة الفنيّة للمعلم والوظيفة الإداريّة وإنعدام الجدية في التعاطي مع هذا الموضوع الذي يتوقف عليه مستقبل المجتمع اللبنانيّ(17).

هـ ـ الإعداد والتدريب في خطة النهوض التربوي:

نلاحظ الإهتمام الجدي في خطة النهوض التربوي بالإعداد والتدريب من خلال الأبحاث والمؤتمرات، ففي مؤتمر إعداد المعلمين التربيّة المتكاملة الذي عقد في «فندق لاسيغال ـ الزلقا «إعتماد التنوع في طرائق التعليم والإفساح للقيام بنشاطات إختياريّة تربويّة(18). وتضمين مناهج الإعداد تنمية الروح النقديّة عند المعلم، وروح المبادرة والبحث العلمي. فليس هناك من طريقة تعليم واحدة بل هناك طرائق عدّة. وإن أفضل طريقة هي النابعة من داخل المعلم، ومن صميمه. فبقدر ما يمكن أن يستخدم عناصر التشويق والوسائل التعليميّة اللازمة وخلق المناخ المؤاتي للتعليم عن طريق كسب ثقة تلاميذه واحترامهم ومحبتهم، بقدر ما يكون معلماً ناجحاً وإلا فإن جميع طرائق التدريس لا تضمن له أن يكون ذلك المعلم الناجح(19).

ويبقى دور كلية التربيّة في الإعداد لخطة النهوض التربويّ خاصة وإن مشروع الخطة حصر إعداد المعلمين الجدد لجميع المراحل والمواد بإستثناء مواد الرياضة والموسيقى والرسم، في كلية التربيّة في الجامعة اللبنانيّة ولها الحق وحدها في منح شهادة كفاءة خاصة بكل مرحلة من مراحل التعليم الرسميّ بما يعزز مستوى المدرسة الرسميّة. ولم نسمع بحوار أو نقاش أو مشاركة أو مقترحات أو توصيات لكلية التربيّة في خطة النهوض التربويّ خاصة وأن تجارب متعددة في دول  العالم الثالث لمشاريع تنموية قائمة على دراسات ومخططات جزئيّة لم تتجاوز السطح معظم الأحيان، خططها مستوردة من الخارج معظمها ذات طابع دعائي استعراضي فشلت في الإرتقاء بإنسان ذلك المجتمع(20).

وتطرح الخطة وصعوباتها على الصعيد الإجرائي ـ التقني ضرورة تدريب المعلمين الموجودين في الخدمة، من القطاعين العام والخاص، مشكلة آلية هذا التدريب، ومدته وتوقيته والحوافز التشجيعيّة للمشاركة فيه، وإلزاميته، مع ما يستتبع ذلك كله من إنعكاسات ومضاعفات علاوة على مشكلة تدريب المدربين(21).

3ـ الخاتمة:

هذا هو واقع الهيئة التعليميّة في لبنان ومشاكلها وما وصلت إليه خطة النهوض التربوي التي نأمل إشراك أوسع قاعدة فيها خاصة كلية التربيّة. وأن يكون المدربون والمتدربون على علاقة وثيقة بما يعد من مناهج ودراسات ونأمل أيضاً بإشراك الأساتذة والمعلمين في الثانويات والإبتدائيات الرسميّة والخاصة بالحوار الدائر وإيصال التوصيات إليهم فيشكل تعويضاً عن التدريب المستمر أثناء الخدمة ومن اللافت للإنتباه أن مختلف الإضرابات المطلبيّة للمعلمين لا تهدف بمجملها إلا لتحسين الأوضاع المعيشيّة ونادراً ما تتطرق إلى تحسين تأديّة العمليّة التربويّة وتوفير التدريب المستمر للمعلمين وإيجاد مراكز مهنية تهتم بالتربيّة المستديمة(22).

وربما يشكل هذا بديلاً عن النقاش الذي يدور يومياً حول الراتب وملحقاته فتعود التربيّة ومشاكلها لتشكل المحور الأساسي للحوارات الدائرة في مختلف مدارسنا الرسميّة.