مع الشاعرين السيّد جعفر الأمين والشيخ محمد جعفر همدر

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إمتاز جبل عامل وأهله خلال ألف عام بالنبوغ في شتى حقول المعرفة والفنون والآداب(1). ولم يكن عطاء العامليين مقتصراً على لبنان فقط بل إنتشر في دمشق وحلب وبغداد والنجف الأشرف وأصفهان وقم المقدسة ومشهد وطهران والبحرين. وفي القرن العشرين إنتشر في القاهرة من خلال الشيخ محمد علي الحوماني، وفي ما وراء البحار من خلال المخترع والفيلسوف اللبناني الكبير حسن كامل الصباح، ومن خلال الفيزيائي والفلكي اللبناني الكبير الدكتور يوسف مروة والمهندس رمال رمال وغيرهم من الأعلام.

والمطارحات الشعرية ما بين العامليين وطرائفها كانت موضوع إهتمام الأديب العامليّ المرحوم الشيخ علي مروة حيث جمعها في كتابه: «طرائف العامليين» وأعطى حيزاً منها للشاعرين العامليين السيد جعفر الأمين ولابن شقيقته الشيخ محمد جعفر همدر وذلك من صفحة 199 ولغاية الصفحة 205 (2). فمن هما الشاعران الأمين وهمدر؟

أ ـ الأديب السيد جعفر الأمين

هو نجل الإمام السيد محسن الأمين الحسينيّ العامليّ المولود عام 1910م، في دمشق حيث كان والده الإمام الأمين المرجع الأكبر للمسلمين الشيعة في سوريا ولبنان. وجذوره من بلدة شقراء قضاء بنت جبيل. كما كان لأشقائه دور كبير في الحياة الأدبيّة والفكريّة والتاريخيّة في سوريا ولبنان وهم: القاضي الأديب السيد عبد المطلب الأمين، والأديب الشاعر السيد هاشم الأمين، والمؤرخ العلاّمة السيد حسن الأمين(رحمهم الله تعالى).

ومن خلال  شعره وأدبه الساخر عُرِف عنه أنّه ثالث الثالوث الساخر الذي طبع جبل عامل في منتصف القرن العشرين بأدبه وفنه وشعره الناقد مع زميليه الشاعرين موسى الزين شرارة وعبد الحسين عبد الله.

وقد إمتاز عن زميليه(رحمهما الله تعالى) بعمله في ملاك وزارة التربية الوطنية آنذاك بتأسيسه للمدارس الرسميّة وتربيته للطلاب على حُبِّ المعرفة.  وتعليمه للأجيال وتنشئتها حيث كان المؤسس الأوّل لمدرسة شمسطار الرسميّة ومديرها في قضاء بعلبك وبقي بها لغاية عام 1946م حيث نقل منها إلى مدينة حلبا في قضاء عكار وبقي بها سنوات نُقِلَ بعدها إلى بلدته شقراء ومديراً لمدرستها حيث بلغ سن التقاعد فيها عام 1972م.

وكان من تلامذته الذين رثوه بعد وفاته عام 1981م، الأستاذ طلال سلمان صاحب صحيفة «السفير» ودولة الرئيس السيد حسين الحسينيّ وثلة كبيرة من الصحفيين والمتأدبين الذين لم ينسوا فضله وأثره في محاربة الجهل عن مناطقهم المحرومة.

له ديوان شعري جمعه نجله الأستاذ أكرم بعد وفاته تحت عنوان: «ديوان جعفر محسن الأمين»(3).

قال الشيخ علي مروة عنه: «هو من الأدباء الّذين عمروا سوق الأدب في الخمسينيات من القرن الفائت، وله بين اخوانه صولات وجولات كانت ولم تزل حديث العامليين لا سيما القصائد التي تبادلها مع الأديب نور الدين بدر الدين، وهو إلى ذلك كثير الأصدقاء يلتف حوله المعجبون بأدبه وشعره وفكاهته ونوادره. ثُمَّ نراه عندما يصور عيوب الآخرين يبدأ بتصوير عيوبه ويهجو نفسه قبل غيره وكأنّه حطيئة العصر»(4).

ومن جواب له بمطارحة شعرية مع ابن شقيقته الشيخ محمد جعفر همدر يقول:

أما أنا فلقد غدوت مُعلماً

بقيادتي جيشٌ من الصبيان

الحال أحسن إنما أخشى على

عقلي من التخريب والنقصان

وأخاف من بعد التأستذ في غدٍ

أن أغد تلميذاً بمارستان

لكنني راض لأنَّ خسارتي

في خدمة الأهلين والأوطان(5).

وله قصيدة شكوى جاء في مطلعها:

شكت نفسي إليَّ ظلامَ نفسي

ويأساً فيه أُصبحه وأُمسي

تقول: قتلتني كمدا فما لي

وحالك مثل ميْتٍ ضمن رمس

ولم أدر لهذا اليأس سراً

ولا لغريب شؤمك أيُّ أَس

وفي هذي الحياة لمبتغيها

رغائبٌ نوعت من كلّ جنس

غضبتَ على الوجود بحالتيه

ولم تجنحُ لقدس أو لرجس

فلا الرحمنُ تُرضيه بنجوى

ولا إبليسُ ترضيه بكأس(6)

 ب ـ الأديب الشيخ محمد جعفر همدر

جاء في «معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف خلال ألف عام» للعلامة الدكتور الشيخ محمد هادي الأمينيّ: [همدر محمد جعفر ابن الشيخ حسين النجفيّ ولد 1324هـ 1906م، شاعر فاضل أديب جليل، قال الشعر في أكثر أبوابه وكان في مجموعه رقيق العاطفة قوي الشعور حلو السبك والنظم. نشر قسماً من شعره في الصحف العراقيّة، وكان والده الشيخ حسين المتوفى 1355هـ، عالماً فاضلاً ورعاً متهجداً تقياً صالحاً. هاجر إلى النجف الأشرف وأقام فيها وتتلمذ على فضلائها، ورجع إلى ايران داعياً ومرشداً، وناشراً للمعارف الدينيّة، وتعليم الأحكام الشرعيّة، وحسن المرافعات، ثم عاد إلى النجف لأنّه شاهد عدم صلاحية إقامته بين ظهرانيهم، حيث كان شديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأقام في النجف إلى أن مات في 22 ذي القعدة 1355هـ.(7).

وكتبت عنه رحمه الله تعالى في كتابي: «التذكرة أو مذكرات قاضٍ» ما يلي: [كما كنّا نزور الأديب النجفيّ العراقي، ذو الجذور اللبنانيّة الجبيليّة، المرحوم الأستاذ الشيخ جعفر همدر{، صاحب كتاب «برِّ الوالدين» في منزله في النجف الأشرف، ونستمع إلى ذكرياته عن المرحوم والده العلامة الزاهد الشيخ حسين همدر{، وعن بلاد جبيل، وعن ذكرياته القديمة عن بلاد اليمن، كموظف متقاعد في السلك الدبلوماسي العراقي](8). وزيارتي لهM كانت تتمُّ برفقة فضيلة السيد محسن فضل الله أو مع بعض طلبة العلوم الدينيّة من أبناءِ بلاد جبيل وفتوح كسروان وهم أصحاب الفضيلة الشيخ عصمت عباس عمرو والمرحوم الشيخ عصام ضامن شمص، والمرحوم السيد علي محمد الحسينيّ، والمرحوم الشيخ أيمن همدر، كما تشرفت بدعوته للغذاء في منزلي في النجف الأشرف مع أصحاب الفضيلة الآنفي الذكر.

ج ـ من هو الأديب الشيخ محمد جعفر همدر النجفيّ؟

تكلّمت عن المرحوم والده الشيخ حسين همدر الذي هاجر إلى النجف الأشرف في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في كتابي: «صفحات من ماضي الشيعة وحاضرهم في لبنان» حيث جاء به ما يلي: «الشيخ حسين هو نجل الشيخ علي والذي كان ممثلاً مالياً في جونيه، والشيخ علي بن حسن بن حسين بن محمد بن قاسم بن مرعي همدر. وقد هاجر حسين إلى النجف الأشرف وقضى حياته هناك وتزوج بكريمة الإمام السيد محسن الأمين وأنجب منها الشيخ محمد جعفر وبإبنتين زوّج إحداهن إلى السيد حسين الحسينيّ المفتي الجعفريّ الممتاز، والأخرى إلى العلاّمة القاضي السيد علي فحص إمام جبشيت وحاروف في قضاء النبطية»(9). وأمّا ولده الأكبر الشيخ نعمة الله أفندي مستنطق صيدا والجنوب فوالدته من آل برق. وقد بقي في لبنان ولم يهاجر إلى النجف الأشرف.

وقد توفيM  تعالى في أواخر السبعينيات في النجف الأشرف. وقد أخبرنيM أيام النجف الأشرف أن جذور آل همدر في قرية بشتليده قضاء جبيل وفروعهم في لبنان تعود إلى جبل عامل وإلى قبيلة همدان. وأن المرحوم والده وبعض أرحامه استوطنوا بلدة حومين التحتا في قضاء النبطية وذلك قبل هجرته إلى النجف الأشرف ولكن جذورهما هي من بشتليده. لقد كان رحمه الله طويل القامة أبيض البشرة فصيحاً بليغاً يمتاز بأخلاقه الحسنة وبحبه للأدب والمعرفة له كتاب خطي عن ذكرياته عن اليمن وتاريخها وعاداتها كتبه أثناء شغله لوظيفة قنصل في السفارة العراقيّة في  صنعاء.

د ـ من شعره:

قال الشيخ علي مروة: وهذه قصيدة أرسلها السيد محمد جعفر همدر من صيدا إلى السيد جعفر الأمين المقيم في شقرا(جبل عامل):

(تحية)

أهديك يا (جَعْفُ) السلامَ كأنه

ذاك النسيمُ العذبُ من لبنانِ

وأبثك الشوقَ المبرّحُ في الحشا

يا من علا فهماً على الأقران

(حكاية)

اسمع كلامي يا أخيّ فإنه

روضٌ زها بالورد والرّيحان

إني أتيت من الشام مرافقاً

لأخيك هاشم صفوة الشبَّانِ

سله يُجبك عن الحقير ولطفه

إذ كنت أحسن صاحبٍ متفان

إلى أن يقول في نهايتها:

هذا ودوموا في هناءٍ دائمٍ

ومَسرةٍ وتآلُفٍ وأمانِ

وإذا أَردت بأن تجاوب فليكن

إرسالهُ بتوسط (العرفان)(10).

ومن قصيدة له في الرياضة:

إنّ الرياضة فنٌ

من الفنون الجميلة

لا شيء أحسنُ منه

إلى الجسوم العليله

إن رُمت تبقى صحيحاً

مُنعماً في الحياة

وأن تكون سعيداً

يا صاح حتى الممات

فأتِ بكل خميسِ

لهذه الفلوات

والعبْ قليلاً وحرّك

بلعبك العَضَلات

رياضة باعتدال

تُزيل كلّ عناء

سل المجرّبَ عنها

وسائرَ الحكماء

فكم رأيت مصاباً

بعلةٍ وبداء

لما تريَّض أضحى

في صبحّة وهناء(11).

 

(رئيس التحرير)