العونة في القرية اللبنانيّة

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين  غزت الحضارة الغربية أكثر القرى اللبنانية القريبة والنائية  ولكن  لا تزال بعض القرى  تحتفظ بطابعها القديم. في معيشتها وزراعتها وبيوتها وعاداتها وأعيادها، وبقيت تقاليد أهلها لم تتغير وتتبدل كلياً ولكن إلى جانب هذه القرى، قرى أخرى تبدلت معالمها، لقربها من المدن، أو الساحل واصبحت شبيهة بالمدينة ولكنها لا تزال أيضاً تحتفظ رغم ذلك بالطابع القروي اللبناني القديم في عاداتها، وأعيادها، ومواسمها، وفي مأكلها، ومشربها، وملبسها وان بنسب متفاوتة.

ولكن ومع رحيل الاجيال التي عاشت في  القرى اللبنانية ، بدأت هذه العادات تندثر وتصبح قصصا مروية او حلقات تمثيلية فولكلورية يتندر بها من ترك القرية وعاش في المدينة ونشهد الآن جيلا جديدا، لا يعرف شيئا عن هذه العادات والتقاليد التي سادت في القرى اللبنانية وكان لها تاثير اجتماعي واقتصادي لفترة طويلة من الزمن.

من هذه العادات والتقاليد اللبنانية في القرية العونة ( أو ما تسمى بالنجدة) والعونة هي مساعدة القريب او الجار وهي عمل جماعي يقوم بها الجيران أو الاقارب بالمكان الذي يحتاج الى أيد عاملة كثيرة والتي  لا تتحمل التأجيل كمواسم القطاف والحصاد .

والعونة هي روح تعاونية تبادلية تفرضها عادات وتقاليد القرية والحياة الزراعية التي كانت سائدة في تلك الحقبة الزمنية حيث كان أهل القرى ينجدون بعضهم البعض بالاعمال التي تتطلب جهداً لا طاقة لرجل واحد على القيام به كسقف منزل او بناء جدار او حصد زرع او شق قناة مائية وقد تكون المساعدة بتقديم وإعارة أدوات العمل .

لا تقتصر العونة على الرجال بل تقوم النساء بالعونة في صناعة الكشك، وعصر وغلي الدبس وشك الدخان وأعمال القطاف والشتل .كما أنها لا تنحصر  في الاعمال اليدوية والزراعية ، بل تتعداها الى الامور الاجتماعية في حال اندلاع حريق، أو حدوث كارثة طبيعية او مناسبات تحتاج الى تعاون وتكاتف  ، كالولادات والاعراس ، والموت ، وترى الناس في القرية يداً واحدة يقدمون العون والمساعدة .

والعونة خدمة تطوعية مجانية ليست إلزامية بل هي من القيم الاجتماعيّة التي عرف بها اللبناني وهي تقابل بالعمل بالمثل وتقديم خدمة مقابل خدمة. والعونة كانت تعزز الصلات الانسانية وتعزز الحياة المشتركة .

واليوم اصبحت الأعمال الفردية بدل العونة والمساعدة لقاء أجر يحدده السوق وتباعدت العلاقات الاجتماعية الانسانية وأصبحت قيمة الفرد بما يملك من قدرات مالية وان ظهر في المجتمع مؤسسات  تقوم بهذه الخدمات الاجتماعية التطوعية ولكن العمل التطوعي ما زال يحتاج الى تعزيز القيم الاجتماعية التي  كانت موجودة في القرية اللبنانيّة.

سهيل محمد الحيدري

أستاذ مادة الدراما والفنون التشكيليّة

في مدارس جمعية الإمداد الخيريّة الإسلاميّة