عن مدرسة المعيصرة الرسميّة من عام 1954م ـ ولغاية عام 1962م

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الذكريات والسيرة التربويّة للمربي الحاج حسن يوسف الزين مواليد 1935م، الغبيريّ ـ قضاء بعبدا ـ المدّرس في مدرسة المعيصرة الرسميّة سابقاً.

كتب إلى هذه المجلة عن ذكرياته وسيرته التربويّة ما يلي:

أ ـ البداية:

نهاية العام الدراسي 1954م، تخرَّجت من دار المعلمين والمعلمات في بيروت. وبموجب مرسوم جمهوري مؤرخ في 21/10/1954م، عُيّنت مُدرساً مُتمرناً في المدارس الرسميّة. وبموجب قرار من مدير عام التربيّة في 15/2/1955م، أُلحقت بمدرسة طاريا الرسميّة قضاء بعلبك. قدَّمت إعتراضاً على ذلك لمعالي وزير التربيّة آنذاك المهندس موريس زوين لبعد المسافة ما بين إقامتي في الغبيريّ وما بين طاريا مُستعيناً بذلك بجاري في الغبيري السيد عبد الرضى عمرو «أبو وائل». وقد وافق معالي الوزير زوين على الطلب وألحقني بمدرسة المعيصرة الرسميّة في فتوح كسروان لأشغل مكان المدّرس السابق الأستاذ سالم المقداد الذي نُقل إلى مدرسة شمسطار الرسميّة.

بتاريخ 23 شباط 1955م، توجهت نحو القرية الآنفة الذكر بواسطة مركبة كبيرة أي «بوسطة» مخصصة لنقل الركاب إلى منطقة الفتوح حيث حطّت رحالها في قرية الزعيتري القريبة من المعيصرة. ذلك لأنّ الطريق الموصلة إلى جامع المعيصرة القديم كانت غير صالحة لسير المركبات عليها. كان في إستقبالي بعض تلامذة مدرسة المعيصرة الرسميّة ومعهم حمار ويقال له «دابة» لحمل أغراضي عليه.

ولحسن الصدف وفي الوقت ذاته كان وصول المرحومة الحاجة رقية عمرو «أم يوسف» مع نجلها الوحيد يوسف إلى الزعيتري بعد خروجها من أحد مستشفيات بيروت حيث كانت تعالج هناك قادمة إلى المعيصرة.

المستقبلون لي من التلامذة نقلوا أمتعتي إلى مكان سكني في غرفة المدرسة ذاتها في المعيصرة.

في اليوم التالي لإقامتي واجهتني قضيّة السكن في تلك الغرفة المسقوفة بالخشب والتراب حيث كان الماء يتسرب إليها عند هطول المطر ولا ينقطع إلا بعد إستعمالي «للمحدلة» وهذا غير مُستطاع لي في الليل، كما كان التراب يتساقط عليَّ من السقف عند هبوب الرياح العاتيّة. وقد قام السيد عبد الرضى عمرو «أبو وائل» بتقديم منزله الصيفي ليكون سكناً  لي طيلة فترة السنة الدراسيّة تلك. وذاك المنزل كان قريباً من تلك المدرسة الآنفة الذكر.

والقضيّة الثانيّة التي واجهتني كانت حول عدد التلامذة وتوزيعهم على الصفوف الدراسيّة. حيث كان عدد المسجلين منهم في السجلات الرسميّة ثلاثين تلميذاً وهذا العدد كان يعطي الشرعيّة القانونيّة لإستمراريّة تلك المدرسة. وأمّا عدد التلامذة الّذين كانوا يحضرون للمدرسة كل يوم فهو ثلاثة عشر تلميذاً وتلميذة موزعين على صفوف الروضة والأوّل والثاني والثالث إبتدائيّ وهم في غرفة واحدة حيث يؤلف كل تلميذين منهم أو ثلاثة صفاً بحدِّ ذاته. وأولئك التلامذة لم يكونوا بمستوى واحد من الذكاء والفهم. وهذه المرحلة صعبة لمدّرس منفرد وحديث العهد بالتعليم. وعليه أن يقوم بتدريس جميع المواد المقررة في منهاج التعليم الرسميّ لكلِّ صف. وكما نعلم فالقاعدة السائدة تقول: الأقليّة تتبع الأكثريّة. وهذه لا تنفع في طلاب هذه المدرسة. ولكي لا أُضيع على التلامذة دروسهم وأوقاتهم إعتمدت أسلوب التعليم في المدارس القرآنيّة القديمة(الكتاتيب) حيث كنت أُدرس كل تلميذ على حدة عندما يكون متأخراً عن رفاقه في الصف.

وهذه الطريقة كانت تُتعبني كثيراً حيث كان يظهر عليّ الإرهاق في نهاية كل يوم. رغم ذلك آليت على نفسي أن أُكمل الطريق لإراحة الضمير. كما وفقني الله تعالى لتعليم التلامذة أيضاً بعض الأجزاء من القرآن الكريم.

ب ـ مع المرحوم الحاج مُحمّد جعفر عمرو(أبو يوسف):

كان جميع سكان المعيصرة وتلامذتها من آل عمرو الكرام الّذين أحمل لهم بنفسي الشكر والمحبة على ما أظهروه لي من محبة وكرم وَحُسن ضيافة. وأَخصُّ بالذكر المرحوم الحاج مُحمّد جعفر عمرو(أبو يوسف). وقد خصص لي غرفة الإستقبال للنوم بها دون مقابل منذ العام الدراسي 1955م، 1956م، ولغاية صيف 1962م، كاسراً بذلك العادات والتقاليد عند عائلة آل عمرو الوائليّة. وكنت بالتالي أقابله بالإهتمام بولده يوسف وكتابة فروضه اليوميّة ومراجعتها وحتى بعد إنتقاله للدراسة في العام 1960ـ 1961ـ و1961ـ1962م، في معهد دار العلوم الثقافيّة في بلدة الغينة ـ فتوح كسروان.

لقد كان المرحوم الحاج «أبو يوسف» وزوجته الحاجة «أم يوسف» بمنزلة والدي ونجلهما الصغير يوسف بمثابة شقيقي الصغير الذي كان يناقشني بمعلومات عامّة كانت أكبر من مستوى عمره آنذاك. فاستبشرت له بمستقبل أكاديمي زاهر، وظنيِّ به لم يخب. وهذا ما نجده اليوم في القاضي الشرعي الدكتور الشيخ يوسف مُحمّد عمرو من خلال مؤلفاته الدينيّة والأدبيّة ناهيك عن أنّه من كبار قضاة الشرع في لبنان وهذا مما يزيدني فخراً به وأمثاله من طلابي الأعزاء.

فهذا النابغة تتلمذ على يدي في المرحلة الإبتدائيّة. وهذا رأسمال المدرس النشيط الذي يفني حياته في سبيل إعلاء شأن طلابه الّذين تتفاوت مستوياتهم العلميّة ومقامهم في المجتمع بين تلميذ وآخر.

ج ـ ذكريات أخرى.

إنتقالي إلى منزل الحاج «أبو يوسف» زادني عزماً وإصراراً على مواصلة عملي وأزاح الملل الذي كنت أشعر به مساء كل يوم في سكني السابق رغم أنّ التلميذ حسين علي يحيى عمرو كان يقيم معي في سكني عند السيد عبد الرضى عمرو «أبو وائل» ويرافقني في تجوالي في القرية بعد الإنصراف. كما كان يرافقني حتى مشارف نهر إبراهيم الجبليّة الوعرة سيراً على الأقدام وذلك لقضاء يومي السبت والأحد مع والدي وأشقائي وشقيقاتي في منزلنا في الغبيري.

لقد كانت السهرات العائليّة في منزل الحاج «أبو يوسف» نتقاسم معه الحديث فيما بيننا والنكات اللطيفة التي كانت تصدر منه. ناهيك عن المناقشات العلميّة التي كانت تجري ما بيني وبين نجله يوسف. كما كنت أذهب مع الحاج أبي يوسف للسهر عند جيران قرية المعيصرة في قريتي الزعيتري وزيتون.

وبعد مضي العامين في المدرسة، بدأت مرحلة جديدة حيث أن عدد الطلاب تضاعف وتمّ نقل المدرسة إلى بناء آخر أفضل من الأوّل سقفه من الباطون المسلح مقدّم من المرحوم الحاج حسين الحاج مسلم عمرو «أبو فيصل» دون مقابل إلاّ التقرب إلى الله تعالى، حرصاً منه على مستقبل طلاب مدرسة المعيصرة الرسميّة (1).

أمضيت في المدرسة التي أحببتها مدّة سبع سنوات متواصلة, وبسبب زواجي من الحاجة بلقيس دايخ مديرة مدرسة الغبيري الرسميّة للبنات، إنتقلت إلى تكميليّة الغبيريّ الرسميّة للصبيان وكلّفت بنظارتها منذ العام 1962م، وحتى بلوغي سن التقاعد عام 1999م، ومنذ عام 1962م، تابعت رحلتي الجديدة من حياتي الدراسيّة حيث تابعت تحصيلي العلميّ، فانتسبت إلى جامعة بيروت العربيّة، وبعد أربع سنوات من الدراسة نلت إجازة في التاريخ «ليسانس». وبعدها تابعت دراستي العليا في الجامعة اللبنانيّة حصلت خلالها على شهادة الماجستير في المادة نفسها وكان موضوعها(إجتياح المغول للمشرق الإسلاميّ من عام 1255م، 1260م).

ولم أكن أستطيع المتابعة بسبب إهتمامي بعائلتي وبسبب الأحداث المؤلمة التي جرت في تلك الآونة من تاريخ لبنان.

وبنهاية عام 1999م، أُحلت على التقاعد بعد مضي خمسة وأربعين عاماً من العمل المتواصل تخرَّج بها على يدي أفواج من التلامذة منهم من ارتقى إلى المراتب العليا في الدولة من قضاة وأطباء وضباط وغيرهم من أصحاب الإجازات.

الغبيري في 30/5/2011م.

 

يقول رئيس تحرير هذه المجلة: وقد شارك في الأجر والثواب والتقرب إلى الله تعالى كل من: مؤسس مدرسة المعيصرة الرسميّة في الأربعينيات من القرن العشرين السيّد عبد الرضى عمرو»أبو وائل» وكان بناء المدرسة الرسميّة مقدّماً دون مقابل من المرحوم والده مختار قرية المعيصرة الحاج علي الحاج مسلم عمرو. وبعد إنتقال أبي وائل إلى وظيفة أخرى إنتقلت مدرسة المعيصرة الرسميّة إلى البناء القديم قرب جامع المعيصرة ملك المرحوم الشيخ مصطفى حسين عمرو وورثة أخيه المرحوم مُحمّد حسين عمرو حيث كان المدرس الرسميّ آنذاك الأستاذ عدنان سلهب من بيروت. وبعد مجيْ الأستاذ سالم كاظم المقداد إلى المعيصرة بدلاً عن الأستاذ سلهب قام بتقديم البناء الحاج عبد المنعم الحاج علي مسلم عمرو قرابة ثلاث سنوات وبعدها إنتقلت المدرسة الرسميّة إلى البناء الآنف الذكر ملك الحاج حسين الحاج حسن مسلم عمرو أيام الأستاذ الحاج حسن الزين وبقي الأمر على ذلك الحال منذ سنة 1962م، ولغاية عام 1980م، ثُمّ إنتقلت المدرسة إلى بناء قدّمه المرحوم الحاج حسن علي الحاج كاظم عمرو(أبو نزيه) قرب جامع المعيصرة. كما إنتقلت بعدها إلى بناء يملكه الحاج محمد شحاده أبي حيدر(أبو عصام) قرب مستوصف المعيصرة وفي العام الدراسي 1981ـ1982م، إنتقلت إلى بناء تملكه جمعية آل عمرو الخيريّة في المعيصرة. وقد تطورت تلك المدرسة منذ ذلك التاريخ ولغاية أيامنا هذه حيث أضحت ثانوية رسميّة بموجب مرسوم جمهوري رقم: 9990 صادر في 15 نيسان 2003م، وقد بلغت نسبة النجاح لتلامذتها في الإمتحانات الرسميّة للشهادة المتوسطة والثانوية خلال السنوات الماضية ما بين 80٪ و 90٪ وعدد التلامذة الذين نالوا المتوسطة الرسميّة والبكالوريا الرسميّة قرابة 170 تلميذاً ومدير هذه الثانوية الرسميّة منذ مطلع القرن الواحد والعشرين ولغاية أيامنا هذه هو الدكتور حسن حيدر أحمد والناظر بها الأستاذ منيف موسى الشوّاني وفضلهما على الثانوية وطلابها مع الهيئة التعليميّة الكريمة واضح وموضع إحترام وشكر من أولياء التلامذة ومن الأهالي. ومما يجدر ذكره أن الأستاذ الزين قد سكن مدة في غرفة منزل المرحوم عمي علي علي الحاج يحيى عمرو  قبل انتقاله إلى منزلنا.