شموعك لا تزال تضيء سماءنا

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

يصعب على أي إنسان متنور، أن يقف وقفة عادية امام شخصية اسمها: فقيه العصر المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله{ ... وكيف من الممكن ان تكون وقفة عادية ، أمام رجل غير عادي، بل أمام شخصية مميزة، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم العربيّ والاسلاميّ، فرضت احترامها  الفقهيّ والفكريّ والادبيّ والاخلاقيّ بمنطق العلم والفكر.

المرجع الديني السيد فضل الله{، رجل غير عادي في زمن غير عادي ايضا، يتصف بمزايا وصفات متعددة ، كالصبر والحكمة والشجاعة والبصيرة والاخلاص والايمان والالتزام.

لقد كان سماحة السيد فضل الله{ نبراس علم ، ومشعل معرفة وسراج حكمة، قلما توحد شعاعها ونورها الظاهر والباطن في رجل واحد، مثلما توحدت جميعها في شخصه... والكثيرون من عارفيه ينطقون صدقاً بالقول ان قلبه لا يقل بياضا عن لون ثيابه البيضاء.

 في الرابع من شهر تموز 2011م، يحيي اللبنانيون والعرب والمسلمون الاحرار، الذكرى السنوية الاولى لرحيل الأب الرحيم والمرشد الحكيم فقيه العصر آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله{، في الوقت الذي يعيش الوطن العربيّ تطورات هامة، ومتغيرات كثيرة في الأنظمة العربيّة، قد تتبلور معالمها خلال الاشهر القادمة.

أمام عظمة الذكرى نتساءل: كيف يمكن ان تعبر عطاءات القلم، عن عطاء رجل الانفتاح وصاحب الصدر الرحب، العامل على نشر تعاليم الاسلام، وبناء المؤسسات الدينية والرعائية والصحية والتربوية والاجتماعية والانتاجية، الهادفة الى خدمة الانسان.

لعلّ القلم لن يسعفنا، التحدث عن العالم الكبير السيد فضل الله، الذي عاش حياته في سبيل وطنه وشعبه وأمته، بعيدا عن (الأنا) الشخصية، فأضاء عمره شموعا في الفقه والفكر والأدب والسياسة، لا يزال ضوؤها لامعا في سمائنا، بالرغم من إنطفاء عُمرِ صاحبها ورحيل جسده عن هذه الدنيا الفانية.

لقد شغل السيد فضل الله نفسه سنوات طويلة بالبحث والدرس، بالفقه والادب والشعر، كما بالسياسة والدين، فكان في جميعها مُجلاً ... وطبيعي بعد ذلك ان يصبح مالىء الدنيا، وشاغل الاخرين من الناس، وهو يستحق ذلك، ولا شك، لأنه أهلٌ له، لقد كان، ميزان الأتزان الفقهي والديني والسياسي، وكان رجل قيم ومبادىء، تشبث بها كما يتشبث البؤبؤ بالعين، وكما يتشبث الدم بلونه الاحمر، والثلج ببياضه، وظل أمينا لها دون أي تناقض بين فكره وممارسته. لقد كان لنتاجه الفكري الصدارة في ارساء دعائم الحركات الاسلامية في لبنان والمنطقة، ويكاد يكون الرمز الساطع الذي تلتقي عنده كل الحركات الاسلامية، وتجتمع على أبوته كل القيادات الاسلامية، وتستلهم من فكره أغلب المدارس الاسلامية. فالكل ينادي به فهو القاسم المشترك ونقطة الالتقاء بين الفرقاء جميعا.

عاش السيد فضل الله{، مرارة القهر والحرمان، في الوقت الذي كان يعاني من المؤامرات التي تحاك ضده وضد شعبه وأمته، كما كان يرى اقتتال الأخ مع أخيه في سبيل قضايا تافهة لا تستحق الخلاف .

ولهذا قال سماحته: حذار من أن تنطلق حركة اسلامية لتهاجم حركة اسلاميّة أخرى، لمجرد ان هناك خلافا في بعض الاسلوب وبعض تفاصيل المنهج، لا وقت لنا أن نختلف مع بعضنا، لا فرصة لنا ان نختلف مع بعضنا، ولا يجوز لنا أن نختلف مع بعضنا.

انطلاقا من ذلك، ومن ايمانه وورعه وتقواه، واستنادا الى عقيدته الاسلامية المتجذرة في العقل والقلب والنفس والوجدان والجوارح، لم يخرج عن الشرع مرة، ولا افتى مرة بدوره بما يحرمه الشرع، فكان بكل هذا مثال المؤمن الذي يعمل لله، ومن أجل عباد الله، في سبيل مرضاة الله أولاً قبل ان يرضي الاخرين.

سيدي، لبنان يفتقدك اليوم، كما يفتقدك العالم الاسلاميّ والعربيّ، وكل الاحرار ، يفتقدون تلك العباءة التي جمعت تحتها كل الناس كأبناء من صلبك.

سيدي بغيابك غاب الصوت المعتدل في أمور الدين والسياسة، غاب جسدك، وما غابت صورتك وأفكارك، وكتبك وخطاباتك وندواتك، فانت ما زلت حيا ومرجعا لنا في كل أمورنا.

سيدي منبر مسجد الامامين الحسنينL، يَحِّنُ إلى خطبك، والى صوتك المتهدج الدافىء الذي ألفته الآيات القرآنية، المؤسسات التي بنيتها، ما زالت تعمل كل في إختصاصه، الأيتام في أيدي أمينة، المدارس والمعاهد المنتشرة صامدة رغم الظروف الصعبة.

سيدي حقاً شعرنا بمرارة افتقادك، والظلمة لا تزال تشتدُّ، ليس من بدر آخر يضيءُ لنا كما كنت تضيءُ لنا شعاب هذا الغاب الذي سيطر عليه الظلام..

كان لي الشرف أن التقي بسماحة آية الله العظمى السيد فضل الله{، في أكثر من لقاء صحفي، وكان محاورا من الطراز الأول، وهذه شهادة جميع الزملاء، الذين يكنون له كل الاحترام والتقدير، فكان ذا شخصية فذة، واخلاق نادرة، ومناقب عالية، لطفه ودماثة أخلاقه قربته من القلوب.

سيدي نفتقدك، والحاجة اليك كبيرة جداً، ولكننا من المؤمنين بأن الله }لن يؤخر نفساً اذا جاء أجلها{.

عضو هيئة التحرير 

محمد علي رضى عمرو