بطريـرك أنطـاكيـة وسائـر المشـرق

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مار بشارة بطرس الراعي  ودفاعه عن الوحدة الوطنيّة

المحامي الأستاذ رشاد محمود المولى

 

بعد الإستقالة التي قدّمها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير وبعد اجتماع لمجلس المطارنة الموارنة، إنتخب بشارة بطرس الراعي بطريركاً لأنطاكية وسائر المشرق للكنيسة المارونية في 15 آذار، بعد 13 دورة إنتخابية وهذا من الأحداث الهامّة للكنيسة، حيث يأتي بعد خمس وعشرين سنة من انتخاب صفير بطريركاً للكنيسة وقد أثار انتخابه جملة من التساؤلات الكبيرة حول سياسة الكنيسة في لبنان. هل تكون في المسار السابق نفسه أم أن هناك تغييرات ستحصل؟ والتساؤلات شملت أيضاً شخصه المثير للجدل أيضاً. فحياته بالشأن العام بدأت معه مبكرة منذ أيام إنخراطه في صفوف الرهبنة المارونية عام 1953 وحتى عام 1962 في كلّية دير سيدة الجمهور التابعة للآباء اليسوعيين. بعدها أوفدته الرهبنة الى روما حيث تابع دراسته في اللآهوت والفلسفة في كاتدرائية القديس يوحنا اللآتراني الخيرية حتى العام 1975. وأثناء دراسته، تولى عدة مناصب عملية، فأصبح رئيس تحرير القسم العربي في إذاعة الفاتيكان منذ العام 1967 وحتى العام 1975 وشغل منصب رئيس دير مار أنطونيوس في روما وقد سيّم كاهناً في العام 1967. 

وفي العام 1975 عاد الراعي الى لبنان وتولى منصب رئيس مدرسة دير سيّدة اللويزة في بعبدا، وبعد عام عيّن مرشداً روحياً لراهبات الزيارة في ذوق مكايل وظل في هذا المنصب حتى العام 1986 الى جانب المناصب التي تولاّها، قام بخدمة الرعايا في ذوق مصبح وأدونيس. وفي العام 1986، عيّنه البطريرك صفير اسقفاً برتبة نائب بطريركي في بكركي وعيّن المشرف العام على جمعية كاريتاس لبنان في العام نفسه وأشرف على المحاكم الروحية المارونية، وبعد وفاة المطران عبدالله البارد عام 1988 النائب البطريركي العام مطران بيبلوس عُيِّن المطران الراعي مكانه، وفي العام نفسه عيّنه البابا يوحنا بولس الثاني رئيساً للجنة تنسيق النشاطات الإجتماعية في كنيسة لبنان واستمرّ في هذا المنصب حتى عام 2000 بالإضافة الى مناصب عدّة سيطول ذكرها، فإننا من خلال هذه المسيرة الطويلة الغنية لغبطة البطريرك الراعي، نستطيع القول بأنه يتمتّع بصفات علمية وعملية قلّ أصحابها وبعد سيامته مباشرة، وضع لنفسه برنامجاً بدأه بخطاب التنصيب والذي أختصر الأزمة في هذا الوطن بكلمات بسيطة «الشركة والمحبة» كحلّ لكل أزمة الوطن، فالعظة الأولى في عيد البشارة وهو عيد مشترك بين المسلمين والمسيحيين وهو بشارة الملاك لمريم وقد تجلّت فيه الشركة والمحبة بين الله الواحد الذي يفيض بحبّه على البشر جميعاً.

لم يركن البطريرك الى تنصيبه بطريركاً إنما بدأ مباشرة في تثبيت اللحمة بين أبناء الوطن وبدأ بالإتصال المباشر مع الناس حيث بدأ بزياراته الى ربوع الوطن وليكون قريباً من كل فرد يشعر بآلامه ومشاكله، عبر جولة على الأبرشيات المارونية في قضاء المتن الشمالي وأنطلياس، كما جال على دار الإفتاء في الجمهورية اللبنانية ورئيس المجلس الإسلاميّ الشيعي الأعلى وشيخ عقل الطائفة الدرزية وبعدها استكمل الراعي جولته الى مدينة زغرتا والبترون وبشري كما زار بعلبك والهرمل والشوف والجنوب. وفي زيارته لفرنسا، حيث أدلى بحديث في مقابلة مع إذاعة مونتي كارلو وفآجأ الجميع بحديثه الصريح حول المخاطر التي تعاني منها المنطقة وخاصة ما يتهدّد الوجود المسيحي الذي هو خميرة المجتمعات العربية كما قال البطريرك الراعي وحدّد السياسة العامة للبطركية المارونية وموقفها مما يجري من الثورات العربية كما زار مدينتي بعلبك والهرمل والقرى المسيحيّة بها. وفي زيارته الى الجنوب، أكّد البطريرك في خطبة تاريخية دعوته للوحدة الوطنيّة حيث قال:

«بعد كل ما قطعنا في لبنان من هموم ومشاكل، آن الأوان أن نبني معاً نسيجنا الوطني لكي نعيش دعوتنا التاريخية وهي دعوة العيش معاً بغنى الثروتين المسيحية والإسلامية التي تشكّل الهوية اللبنانية التي وحدها تحمي لبنان، ثقافة العيش الواحد ونقول أن الشركة أقوى من الإنقسام والمحبة أقوى من الموت».

وفي هذه الكلمات التي دعا فيها الى الوحدة الوطنية والمحبة بين جميع أبنائه هي التي تفوّت الفرصة على أعداء الوطن من الإستمرار في مؤامراتهم والتي تقتلها في مهدها، حيث نأمل من جميع رجالات الدين في لبنان أن يحذوا حذوه في التمسّك بالمحبة بين أبنائه والتعلّم من التاريخ ومن ويلات الإنقسام بين أبناء الوطن الواحد فعلينا التعلّق بالأمل الدائم والإيمان بهذا الوطن، حتى يبقى نوره يعمّ العالم.