مقاربة سوسيولوجيّة لدور المرأة الغربيّة والعربيّة

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

بقلم الدكتور عصام علي العيتاوي(1)

 

في إطار العناوين التي بحثت في»فندق الفينيسيا» في»الدورة الرابعة لمنتدى المرأة العربيّة والمستقبل» لمناقشة القضايا المتعلقة بالدور المتنامي للمرأة العربيّة في مجالات السياسة، والأعمال والمجتمع، والعوامل التي لا زالت تحدُّ من مشاركتها، لا سيما تعليمها، ولمسائل أكثر جدلاً كالإستغلال التجاري المتزايد لجسدها كجنس ولذة جنسيّة، فضلاً عن إنعكاسات غزو المرأة العربيّة لهذه الوسائل وقطاعاتها المختلفة على مسار تمكينها في المنطقة.

 

كان لا بُدّ من مقاربة لهذين الموضوعين، بالإضاءة بإتجاههما بإعتبارهما يقعان ضمن العمليات الإجتماعيّة الهلاميّة، التي يحكم لها إذا مورست بطريقة مناسبة إنّها إيجابيّة، وإذا ما استغلت لغايات غير حميدة بأنّها سلبيّة وطاردة. وهذا التقييم للمسألتين لا يمكن أخذه منفرداً عن الطبيعة والمناخ والواقع الجغرافيّ والحالة النفسيّة والإقتصاديّة ّوالأمنيّة والإعلاميّة والعسكريّة، وتطبيقه في مجتمعات أخرى مهما كان نوعه  ولونه، ويأتي من بينها الدور الذي تمارسه المرأة الغربيّة في المجتمعات الصناعيّة، وتعمل جاهدة على الدوام في سبيل تحقيق المزيد من الحقوق والحريّة وفقاً لمتطلبات المساواة التامة بين المرأة والرجل، كأنموذج يمكن تعميمه، وأسوة حسنة تشكل عامل جذب للمرأة العربيّة بالخصوص، ولسائر النساء في دول العالم الثالث في العموم، كدور يتساوق نشره مع نمطيّة العولمة.

ولا شك أنّ مفهوم دور المرأة العربيّة، كربة بيت مربيّة، وصانعة لأجيال المستقبل بإمتياز، وعرض واجب الصيانة، إضافة إلى أهمية موقعها كزوجة وأم وأخت وعمة وخالة وكنة وجدّة، بكل ما لهذه الألفاظ من معانٍ علائقيّة تعمل على تمتين العلاقات الإجتماعيّة وضبطها بمصداقيّة قيميّة، تصقل الشخصيّة الفرديّة والجماعيّة والمجتمعيّة، وتحفظه من التفكك وتداعياته من جهة، ومن مركزها الريادي والقيادي، كقيمة معنويّة تلهم الأدباء والشعراء والثوّار والقرائح الفكريّة الإبداعيّة منها والمعرفيّة، من جهة ثانيّة، يكللها أن ذاتها هي عيد الأم العالمي، إليها تأوي الكلمة الطيبة، ومنها تستمد الحكمة الحسنة لمتابعة فلسفة الحياة وما بعدها. وقد مال المجتمع الغربيّ تدريجاً بهذا الدور لمرحلة وضعيّة حتى وصل به إلى الدّرك الأسفل الإمتهان المادي المستمر في إنحداره، فتغيرت الأقوال العالميّة المأثورة فيها من المرأة التي تهزُّ السرير بيمينها، ما عادت لتستطيع إلا هزّ خصرها بيسارها إستدراراً لما في جيوب الرجال. ولم يعد لموطئ قدميها كأم مكان في الجنّة. بحيث تحوّلت إلى مجرد دُمية مُمتعة بالمقدار الذي تثيره من الغرائز والشهوات. وسلعة يرمى بها في أسواق النخاسة والسياحة كعَرْض دون عِرض، مع كامل إستغلال مفاتنها الأنثويّة التكوينيّة ضمن الأدوات الرخيصة في قطاع صناعة الدعاية الإعلانيّة كمقدمة شرطية للمشهد الذي يلي، وكوسيلة مثيرة ملفتة إعلاميّة، فضلاً عن دسها في العمالة التخابريّة والتجسسيّة كطعم لصيد المعلومات مهما كلف الأمر، ناهيك عن المزايا الذوقيّة في إبراز جسدها حاكياً لما ورائه تطاله ريشة الفنانين بشكل نافر كموضة ترويجيّة تقضيها السياحة الحمراء في عصرنا الحديث.

وأضحى باطلاً عند الفنانين حكم كانط، الذي نشر في القرنين الماضيين، بأن الفن للفن، يجب أن يكون غير ذي نفع، وكذلك نظريّة الفن للمجتمع لمؤسسها سقراط ومفادها، أنّ الفن يجب أن يوظف لخدمة الحياة البشريّة لإرشادها نحو الفضيلة، وكوسيلة يعمل بها للدعوة إلى المبادئ الدينيّة والأخلاقيّة لتحقيق الخير للمجتمع، غدت في حكم المنتهية وروادها من الأموات.

ومن جراء هذا الفن الحديث بتنا لا نرى هجنة ولا غرابة، من وجود إمرأة شبه عاريّة، بجانب أي مستحضر تجميل أو مسحوق غسيل، وتعدى الأمر إلى ما بعد شرطيّة (بافلوف) للمبيدات الحشريّة حتى الصناعات الثقيلة، بالإضافة إلى نغمة النحافة العصريّة للتخلص من الوزن الزائد والسليليت والمنشطات الجنسيّة والشد وما يتعلق بتكبير وتصغير الأعضاء، إلى التخصص في إنتاج الأفلام الإباحيّة للجنسين بصيغة الزوجيّة أو الجماعيّة، والمثليّة كآخر ما توصل إليه عالم الجنس اليوم. حتى إشمأزت منه غالبيّة الأذواق في العالم، وكما جاء في إنسكلوبيديا عالم الحيوان فإن بعض الحيوانات تأبى التزواج إلا بعيداً عن أعين الرقابة الإنسانيّة.

مما تقدم ينبغي التمييز بين دعم المرأة العربيّة لغزو هذه الوسائل الإعلاميّة لتغيير وجهات النظر عن النساء العربيات وآمالهنّ في التطور الغربي المنشود، وبين غزو الإعلام الغربيّ لدور المرأة العربيّة لتغييره عما هو عليه، ليواكب دور المرأة الغربيّة فيما وصلت إليه من الإنزلاق الحضاريّ، وهو ما لا تحمد عقباه في واقعنا المعيوش بإعتباره يشكل إستلاباً لأصالة دورها ضمن مجتمع ما يزال ينبض ببعض العادات والتقاليد المحافظة على قيمه الأخلاقيّة. 

واعتقد أن الطروحات في هذه المقاربة، أجدى نفعاً وأعظم تأثيراً في النفوس، وأكثر توحيداً للرؤى المستقبليّة، وأفضل تمازجاً للإحتكاك الثقافي والتفاعل الإجتماعيّ في الإنفتاح على دور الآخر، وأيهما يوجب تغليبه في نظرتي كل من المرأة الغربيّة والعربيّة، الدور المادي أو الدور الروحي، فإذا تساوقت النظرتان في المسألة، فلا بُدّ أن تستجيب المفاهيم في إصدار أحكامها دون النظر إلى هوية صاحب الدور، بل بما تقتضيه لمصلحة الدور نفسه، بحيث تصبح قضيّة تعليم المرأة أمراً بديهياً للقضاء على آفات الجهل والمرض والفقر والتخلف، وحاجة طبيعيّة تخصصيّة ماسّة لا يختلف فيها إثنان، لا سيّما بعدما إنقضت مرحلة عصر الظلمات في أوروبا إلى حيث لا رجعة وإنتشرت العلوم الحديثة، وأضحت تشكل مسلمات أوليّة حتى عند أفقر الشعوب مادياً في العالم. 

والجدير ذكره أنّه لا يجرؤ أحد اليوم على إنكار حقِّ المرأة في ممارسة دورها في كل الوظائف التي تتناسب مع إختصاصها، وكل المهن التي تتوافق مع بنيتها، وبهذه الشروط الذاتيّة تستطيع بقوتها ممارسة دور ريادي، في الغرب كانت أو في الشرق. فالتراكم الثقافي العالمي بشكليّه المادي والمعنوي، ما كان يوماً منتمياً لجنس أو لون أو عرق، بل ملكاً لكل أُمّة حيّة تعمل على مواكبته والسير به قدماً إلى الأمام. أمّا في تماثل الدور الغربي للمرأة العربيّة تبيّن بعد البحث والإستقراء الواقع الإستغلاليّ التجاري لجسدها غربياً، والذي شارف كالبترول على الإنتهاء منه، وبات من المستحيل معه الإستفادة من جدواه الإقتصاديّة، كل ذلك دعا العالمِ الإعلاميّ والإعلانيّ الغربيّ إلى التفكير بمصادر جديدة ماديّة، ففكر بإستبدال المراة الغربيّة ذات الجسد الأبيض والعيون الزرقاء، بالمرأة العربيّة السمراء والعيون السوداء، لإستغلالها كبضاعة جديدة  في حيّز التجارة الإعلانيّة والإعلاميّة كموضة جديدة تقتضيها تطورات العصر، لزيادة دخله، فسوغ حاجاته بشكل دعوة للمرأة العربيّة لغزو هذه المؤسسات التي ينبغي مناهضتها، لتناقض مبرراتها ضمن مقدماتها، بحيث تصبح مقولة غزو المرأة العربيّة لوسائل الإعلام في تغيير وجهات النظر عن النساء العربيات وآمالهنّ بالتطور عليهنّ لا لهنّ. وبذلك تلاقي المرأة العربيّة المصير المستغل نفسه الذي وصلت إليه المرأة الغربيّة في مجتمعاتها.

ومن هنا يمكن طرح العديد من الإشكاليات والأسئلة في هذه المقاربة منها: هل دعوة المرأة العربيّة إلى المشاركة في عروضات ملكات الجمال محلياً وعالمياً بالأشكال المعروفة يعتبر غزواً لوسائل الإعلام؟ وهل تقليد موضة الأزياء الفاضحة للمفاتن من متطلبات الحضارة؟ وهل دعوة المرأة العربيّة للخروج عن ما بقي من إرثها القيمي وعاداتها وتقاليدها تطوراً؟ وهل غدا ظهور المرأة عارية وممارستها للجنس على شاشات التلفزة والإنترنت أمام أكثر من ستة مليارات نسمة دوراً إنسانياً يُحتذى؟ وهل المطالبة بإيجاد شواطئ للعراة كما في بعض الدول تقدماً؟ وهل تزايد الولادات غير الشرعيّة يومياً دليل على تطور الشعوب؟ وهل أصبحت الإباحيّة ثقافة يعمل على إستعارتها لنشرها وترويجها؟ وهل الإنجاب قبل الزواج بشتى أشكاله أضحى موضةً مطلوبة؟ وهل المطالبة بالتشريعات القانونيّة للزواج المثلي أزمة القرن الحادي والعشرين؟ والأسئلة أكثر عندما تدمج آفات المخدرات والإدمان وتداعياتها الجنسيّة، ليس على صعيد دور المرأة فحسب، بل دور الرجل أيضاً؟ وما هو مصير مجتمعها؟ وهل هذا هو نهاية ما دعا إليه عالم الإجتماع ومؤسسه في فرنسا أوغست مونت (1798 ـ 1857م) وتلميذه إميل دركهايم (1858، 1917م) في العودة إلى ما أنتجه الفكر الوضعي والعقل الجمعي؟ وهل حركة كحركة التثاقف؟ الخ...

أظنُّ أنّ وجود مقدمات غيّرت دور المرأة الغربيّة في مجتمعها، بالإضافة إلى تحلل مفهوم منظومة القيم الأخلاقيّة المترافقة مع أزمة الفراغ الروحي التي من بين نتائجها عودة السحر والشعوذة وميل النّاس إليها والشغف بطلبها، والتحرر الجنسي للمرأة رغم وجود قانون عدم تعدد الزوجات. فهذا إن تحقق للمرأة الغربيّة، فبالتالي لن يصبح المجتمع العربيّ غربياً إلاّ في صفة المغلوب الذي تكلّم عنه مؤسس علم الإجتماع في العالم عبد الرحمن بن خلدون (1332 ـ 1406م.) في القرن الرابع عشر قائلاً:» إنّ المغلوب مولع أبداً بالإقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، معللاً بأنّ النفس ابداً تعتقد الكمال في من غلبها فتنتحل جميع مذاهب الغالب وتتشبه به وذلك هو الإقتداء.» الذي نعتبره في جلّه من المظاهر الخارجيّة للتطور، وليس نفسه وهو المطلوب.

وعليه يمكن القول أنّ عمليات الغزو، والتغيير والتطور لدور المرأة العربيّة المقصود، يصبح من الواجب أن يستهدف المضامين التي تحتويها النصوص الغربيّة بافكارها التقدميّة العلميّة، ومعرفة أسرارها التركيبيّة والتكنولوجيّة، لا مجرّد التقليد للأدوار الإعلاميّة والإعلانيّة كمقدمة لغيرها من الأدوار. حتى تتحقق لها الموضوعيّة، التي تفصل بين الذات والموضوع، وإعتبار الأفكار المجردة أساساً للحكم على الوقائع، وبذلك يتساوى كل من دور المرأة الغربيّة والعربيّة، وإذا ما تطبقت العدالة والمساواة على جميع الأفراد، مع أحكام  والتقيد بمفهومي التغيّر والتغيير، التغيّر على الصعيد المادي والتغيير على الصعيد النفسي، مع الإحتفاظ بحق العقل في الإنطلاق لتبني الحركة الإبداعيّة لضمان آلية التقدم  الذي لا يميز في رسم صورة المستقبل الزاهر للغرب فقط بل للشرق أيضاً، مُنصبَّاً على مضامين النصوص، غاضاً الطرف عن قائليها، مهما تعاظمت أدوارهم ومراكزهم.

وتبقى الإشارة الأخيرة في هذه المقاربة للمرأة العربيّة، حتى تستطيع تغيير صورة منطقة الشرق وغير هذا الشرق، أن تعيد النظر في معرفة حقوقها، وإجادة تطبيقها في معترك حياتها، مستفيدة من الإحتكاك الثقافيّ الغربيّ في تمتين دورها الريادي والأخلاقي، من خلال تقدمها الفكري فتحقق بذلك أملها في الوصول إلى أهدافها التغييريّة في الشرق كانت أم في الغرب.

 

أستاذ في الجامعة اللبنانيّة.