الوقف والأوقاف في سُنّة رسول الله(ص)

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

لسماحة المفتي الجعفري لبلاد جبيل وكسروان

العلاّمة الشيخ عبد الأمير شمس الدين(1)

 

نجتمع لهدف نبيل يتعلق بالبحث حول أحكام وقوانين الوقف. والنظر بوسائل تفعيل رسالته السامية. وفي ظروف مناسبة عظيمة لها شأنها في موازين الله ومقاييس رسالات السماء، تلك هي ذكرى ولادة نور الهداية الربانيّة خاتم الرسل وأشرف الخلق محمد بن عبد الله (ص)، في عام عرف واشتهر بعام الفيل الذي صادف سنة 53 قبل الهجرة النبويّة أو 570 ميلاديّة.

وأنني إذ أعبر عن تقديري الكبير لإدارة الوقف الجعفري بالأمانة العامة للأوقاف في(دولة الكويت) أسأل الله العلي القدير أن يأخذ بيد القيمين على هذه المؤسسة الإجتماعيّة والإنسانيّة الرائدة إلى ما يحقق المزيد من عطائها لما فيه خير العباد، والمساهمة في نهضة الوطن الكويتي العريق، ومساعدة المؤسسات ذات النفع العام التي تفتقر إلى المساعدة داخل الكويت وخارجها.

الوقف باب من أبواب الفقه الإسلاميّ، وموضوع من موضوعاته، يُشكلُّ لبنة في البُنيّة التشريعيّة إلى جانب اللبنات(2) تفعيل روحية الإنسان وتعميق روحانيته، ورفع مستوى شعوره بالمسؤوليّة أمام الله عن نفسه وعقيدته ومجتمعه، وليكون في مستوى الدور الذي وجد أصلاً من أجل القيام به في هذه الحياة، وليجسد معنى استخلاف الله له على هذه الأرض.

والوقف كتشريع لا يقتصر أثره الإيجابي على الواقف فقط من خلال مساعدته على التخفيف من أنانيته وحبه لنفسه، وتربيته على حب الخير وفعل البر والإحسان، بل يمتد هذا الأثر أيضاً لينعكس إيجاباً على الآخرين من الموقوف عليهم وغيرهم سواء كانوا أفراداً أو جهات أو عناوين، ويصب في كل ما يؤدي إلى تحقيق وحدة المجتمع وتكاتفه وسعادته، إضافة إلى تجسيده لفلسفة التكافل الإجتماعيّ والتضامن بين أفراده وهو ما رمت إليه ـ فيما رمت ـ الشريعة الإسلاميّة من خلال ما جاءت به من أحكام تتعلق بالأموال التي هي في المقاييس الإسلاميّة ليست ملكاً حقيقياً لمن يحوزها، بل أن المالك الحقيقي لها هو الله جل وعلا، استخلف الإنسان عليها ليصرفها بما يرضيه سبحانه ـ قال تعالى في سورة الحديد:} آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ{ الآية: 7.

وإلى ذلك اشار الكثير من الأحاديث الشريفة، من أن المال مال الله عز وجل جعله ودائع عند خلقه وأمرهم أن ينفقوا منه على أنفسهم ومن يعولون مع الإقتصاد والإعتدال، ويعودوا بما سوى ذلك على المحتاجين ووجوه البر والإصلاح.

وأول من شرع الوقف وحث عليه رسول الله(ص)، ووقف علي وفاطمة الزهراءL (3).

وقد ورد في السنة، أنه عندما نزل قوله تعالى:}لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ{(4) وسمعها بعض الصحابة، وقفوا أحب أموالهم إليهم.

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري(رض): ما بقي أحد من أصحاب رسول الله(ص)، ممن له مقدرة إلا ووقف(5).

وبذلك يثبت كون الوقف تشريعاً إسلامياً، بلغه رسول الله(ص)، إلى المسلمين قولاً، وطبقه فعلاً، وفعله سنة كقوله فتابعه فيه الصحابة والتابعون، حتى شاع في الأمّة، وانتشر في كل قطر دخله الإسلام، فكان ـ كما ذكرنا ـ منسجماً مع توجهات هذا الدين الكبرى، وتوجيهاته الحكيمة في بناء الفرد والمجتمع على أسس نفسيّة وتربويّة هادفة.

وإني وددت أن أختم حديثي بفقرات قليلة من كلمة لسماحة أخي الإمام الراحل فقيد العلم والإجتهاد الشيخ محمد مهدي شمس الدين أعلى الله مقامه، الذي رافقته في العديد من زياراته المتكررة لهذه البلاد العزيزة التي أحبها، وتعلق قلبه بها نتيجة حبه لأهلها شعباً وحكماً، وارتباطه بعلمائها الدينيين والاكاديميين، وخصوصاً بالمرجع المصلح المغفور له الميرزا الشيخ حسن الأحقاقي ونجله المغفور له الميرزا الشيخ عبد الرسول رحمه الله عليهما، وأعضاء لجنة المؤسسة الخيريّة والوقفيّة التابعة لهما.

فما قاله رحمة الله في مهرجان القرين السادس:» لقد كان دور الكويت ولا يزال ـ رائداً في مجال التفاعل بين الثقافة والتنميّة، وبين أصالة الإنتماء والتعامل مع قضايا المعاصرة».

وهذا دليل حيوية ـ هي نتيجة تفاعل حي بين قيادة الكويت وبين النخب وجماعات المجتمع، إنّ هذه التجربة برهنت على رشد  وشجاعة قيادة الدولة في الكويت من جهة وعلى رشد النخب الكويتية من جهة أخرى وقد انعكس هذا الدور على سياساتها الداخليّة في مجالات التعليم والثقافة العامّة والدمج الإجتماعيّ، والعناية  بالإنسان من جوانبه وأبعاده المتنوعة، وهذا ما جعل الكويت تتبوأ بجدارة  المركز الأوّل في مجال التنميّة البشريّة. وانعكس على سياساتها الخارجيّة في علاقاتها العربيّة والإسلاميّة والدوليّة في مجال مشروعات التنميّة في البلاد العربيّة وسائر البلاد الإسلاميّة.

وفقكم الله تعالى إلى خير ما تطمحون إليه من عمل صالح.

 

المحاضرة التي ألقاها سماحته في مؤتمر الوقف الجعفريّ في الكويت في شهر أيلول 2010م.

الأخرى التي يشدُّ بعضها بعضاً ويتكافل بعضها مع بعض في سبيل تفعيل إلى آخره...

رسائل الشيعة للحر العامليّ، ج13.

سورة آل عمران، بعض آية:92، وقد ورد ذلك في بعض كتب الحديث كمسلم والنسائي.

 البحر الزخار، لابن المرتضى ص:146.