بحث موجز في التاريخ التربوي والثقافي لبلدة المعيصرة ـ قضاء كسروان

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد: منيف موسى الشواني

إشراف: الأب الدكتور ناصر الجميل

 

مقدمة عامة عن البلدة

تقع بلدة المعيصرة على طرف قضاء كسروان الشمالي الغربي، يحدها  شرقاً بلدة الزعيترة، وغرباً بلدة العقيبة، وشمالاً بلدة بزحل ونهر إبراهيم، وجنوباً بلدة زيتون.

تقدّر مساحتها بـ 588 هكتاراً، ويتدرج إرتفاع أرضها عن سطح البحر بين متر واحد و650 متراً.

يمكن الوصول إلى البلدة عن طريقين: الأوّل: من نهر إبراهيم صعوداً بحوالى عشر دقائق، والثاني من الساحل الكسروانيّ بإتجاه الفتوح مروراً بغزير، الكفور، الغينة، جورة الترمس، غباله، العذرا، الزعيترة، بحوالى نصف ساعة.(مرفق رسم للموقع رقم:1).

يقدر عدد السكان بحوالي 1580 نسمة، الناخبون منهم:780 ناخباً.

يعيش أكثر من نصفهم في بيروت وضاحيتها الجنوبيّة وفي المهجر، بسبب العمل ومتابعة الدراسة.

عائلاتها: آل عمرو(تشكل أكثر من 80٪)، أبي حيدر، قيس، الكوسا، الشواني، مرعب، وسلوم.

ومن الناحية التارخيّة كان لأبناء البلدة خاصة عائلة عمرو، دور تاريخي وسياسي أيام الدولة العثمانيّة بالأخص في عهد المتصرفيّة، حيث وصل بعضهم إلى وظائف إداريّة عاليّة، ويقول الأستاذ طوني مفرّج في الموسوعة اللبنانيّة المصوّرة: «كان في الدولة العثمانيّة موظفون من آل عمرو من المعيصرة، وقد عمل أولئك على إيصال بعض المواد الغذائيّة إلى القرية، كما بذلوا قصارى جهدهم في سبيل تأمين بعض المؤن إلى قرى الفتوح التي تجاورهم، وقد تمكنوا فعلاً من النجاح في بعض الأحيان، وقد اشتهر من أولئك الموظفين حسن كاظم عمرو الذي شغل منصب أمين سر والي بيروت ثمّ ترقى إلى قائمقام في الدولة العثمانيّة ـ ثم أصبح متصرفاً في العراق، حيث قتله العثمانيون لانحيازه ضد الدولة العثمانيّة ابان ثورة العرب عليها»(1).

إضافة لنصوص تاريخيّة وردت في كتاب للأستاذ فارس سعادة قد لحظت وصول علي حمود الحاج عمرو عضواً في مجلس الإدارة سنة 1892 بطريقة الإنتخاب، ثُمّ أعيد إنتخابه عام 1897 واستمرَّ في مركزه حتى عام 1903، وقد أعدمه جمال باشا في عام 1916(2)، إضافة إلى غيرهم وهم الّذين ذكرهم الأستاذ فارس سعادة في كتابه:[«الموسوعة النيابيّة في لبنان» حيث جاء به ما يلي:

«1ـ حمود سعد الدين عمرو شيعيّ من المعيصرة عيّنه داود باشا سنة 1867م، عضواً في مجلس إدارة جبل لبنان عن الشيعة في قضاء كسروان، ولكنّه لأسباب دينيّة اعتذر ووجّه كتاباً بذلك إلى المتصرف.

كان رجل دين، وقوراً محباً للعدل والإنصاف، قضى حياته في التقشف والعبادة. بعد إستقالته عُيِّن نسيبه كاظم عمرو خلفاً له».

2ـ كاظم الحاج عمرو خلف نسيبه الشيخ حموداً سنة 1867م في عضويّة. مجلس الإدارة عن الطائفة الشيعيّة في قضاء كسروان، وظلَّ يتجدّد إنتخابه بدون منافس في ثلاث دورات: 1873، 1876، 1885م».

3ـ محمد الحاج محسن أبي حيدر شيعي من الحصون. إنتخب سنة 1903 عضواً في مجلس إدارة متصرفيّة جبل لبنان عن الطائفة الشيعيّة في كسروان وفي 9 آذار 1909م،

أُعيد إنتخابه مرة ثانية ينافسه حمود ناصر وظل نائباً حتى سنة 1915 يوم حلَّ جمال باشا مجلس الإدارة ونفى بعض أعضائه».

وقال الأستاذ سعادة:

«وعند إنتهاء الحرب 1918، ودخول الحلفاء إلى لبنان أُعيد مجلس الإدارة السابق، ولكن بعض أعضائه ومن بينهم محمد محسن حكم عليهم بالنفي لاتهامهم بمؤامرة ضدِّ الفرنسيين فأصاب مُحمّداً ثمان سنوات».

اضاف الأستاذ سعادة أيضاً: «في كسروان إحتلّ المقعد الشيعيّ محمد محسن أبي حيدر بدون منازع. وعندها عيّن مظفر منافسه عليِّ الحاج حمود عمرو عضواً عن الشيعة في هيئة دائرة الإستئناف الجزائيّة (3)»].

كما أنّ الذين نافسوا علي الحاج حمود عمرو على عضويّة الشيعة في مجلس متصرفيّة جبل لبنان هما: السيد علي الحسينيّ والشيخ حسين علي الحاج يحيى عمرو.

كما جاء في كتاب:«التذكرة أو مذكرات قاضٍ» للقاضي الشيخ يوسف محمد عمرو إضافة إسم آخر لعضويّة مجلس إدارة متصرفيّة جبل لبنان وهو: 5ـ الحاج علي الحاج مُسلم عمرو لمدة عامين من سنة 1901 ولغاية سنة 1903 ولم يترشح لدورة أخرى لأسباب دينيّة(4)...

كما نبغ غير هؤلاء الأعلام الخمسة في مجلس متصرفيّة جبل لبنان من أبناء بلدة المعيصرة أيام الدولة العثمانيّة ذكرهم القاضي عمرو في كتابه الآنف الذكر بالإضافة إلى حسن بك كاظم عمرو الذي تكلّم عنه الأستاذ طوني مفرِّج آنفاً.

التاريخ التربويّ والثقافيّ لبلدة المعيصرة

يوجد في البلدة حالياً ثلاثة صروح تربويّة:

الصرح الأوّل: هو المدرسة الرسميّة تحت إسم: ثانوية المعيصرة الرسميّة.

يعود تاريخ إنشاء المدرسة الرسميّة إلى عام 1948، عندما كانت المدرسة إبتدائيّة، حيث كانت بمعلم منفرد، واستمرت هكذا حتى الثمانينيات، وكان التعليم يتمُّ تارة في غرفة بأحد منازل البلدة، أو في الهواء الطلق بظلِّ شجرة. (صورة مرفقة رقم:2).

ومع منتصف السبعينيات أصبحت المدرسة بمعلميّن، ثم خمسة معلمين خلال الثمانينيات، وخلال هذه الفترة الممتدة بين 1948 حتى عام 1990 كانت صفوفها من الروضة حتى الخامس إبتدائي، وأكثر من صف كان مدموجاً مع صف آخر.

أمّا عدد تلامذة المدرسة كل عام خلال هذه الفترة فكان يتراوح بين ثلاثين وستين تلميذاً، وغالبيتهم كانوا يتسربون ولا يتابعون دراستهم، ويمكن القول إنَّ المدرسة أثناءها كانت تخرِّج عمالاً زراعيّن أو عاطلين عن العمل إلا من تابع منهم دراسته خارج القرية.

ومع بداية التسعينيات وبسعي من الجمعية العائليّة للأعمال الخيريّة لعائلة آل عمرو في المعيصرة والأهالي وأهالي قرية زيتون جرت نقلة إيجابيّة حيث بدأت المدرسة تستقبل الصفوف المتوسطة بالإضافة للإبتدائي، وتأمين الحد الأدنى المطلوب من الهيئة التعليميّة، ورغم عدم وجود التجهيزات الضروريّة والوسائل الأساسيّة للتعليم، بدأت المدرسة تقدّم تلامذتها للشهادة المتوسطة الرسميّة وكانت نسبة النجاح مقبولة، ثم تصاعدت النسبة إلى أن وصلت لأكثر من 90٪.

وأمام هذا التطور الإيجابي، وبسبب الحاجة لإنشاء ثانوية رسميّة في البلدة، حيث كان تلامذة المدرسة يتابعون دراستهم الثانوية في مدارس بعيدة نسبياً مثل غزير أو الكفور أو بيروت وضاحيتها الجنوبيّة، تداعت فعاليات البلدة والبلدات المجاورة وبسعي من الجمعية الآنفة الذكر. وقدّموا عرائض موقعة من المخاتير والأهالي لمطالبة المسؤولين بإنشاء ثانوية رسمية في البلدة وخاصة أنه كان قد صدر قرار سابق في العام 1998 ولم ينفذ.(صورة مرفقة لإحدى العرائض رقم:3).

وأثمرت الجهود المبذولة لدى المسؤولين، وصدر قرار بإنشاء فرع ثانوية في المعيصرة تابع لثانوية غزير الرسميّة، حيث دمج مع المرحلة المتوسطة، وأصبحت المدرسة مدرستين في البناء نفسه وهما:

ـ ثانوية غزير الرسميّة ـ فرع المعيصرة.

ـ مدرسة المعيصرة الإبتدائيّة الرسميّة.

وتمَّ تنفيذ ذلك إبتداء من العام الدراسي 2000 ـ 2001.(صورة عن القرار رقم:4).

وفي العام الدراسي 2001 ـ 2002، وبسبب إعتبارات عديدة، تربويّة وإداريّة وماليّة وإجتماعيّة، صدر قرار وزاري بدمج المرحلة الإبتدائيّة مع المرحلة الثانويّة، وأصبحت المدرسة تامة المراحل: إبتدائي ـ متوسط ـ ثانوي، بإدارة مدير فرع الثانوي.(صورة عن القرار رقم:5).

مع الإشارة بأنّ هذا الوضع، حالة فريدة من نوعها، وفي العام 2003 صدر مرسوم جمهوري باستقلاليّة الثانويّة عن غزير.(صورة عن المرسوم الجمهوري رقم: 6).

إنّ المدرسة الرسميّة في المعيصرة تتابع مسيرتها التربويّة، وهي تضمُّ صفوفاً لمختلف المراحل التعليميّة من الإبتدائي مروراً بالمتوسط وحتى الثالث ثانوي بعدد متواضع من التلاميذ يبلغ 100 تلميذ، وأحياناً أكثر. ويؤمن التعليم من هيئة تعليميّة من الملاك والتعاقد، معظمهم من حملة الإجازات والإختصاص من كلية التربيّة، بعضهم من أبناء البلدة والبلدات المجاورة، والبعض الآخر من خارج المنطقة.

أمّا تلامذة المدرسة فهم إضافة لأبناء البلدة كذلك هم من البلدات المجاورة.

ومن حيث البناء المدرسي فقد قامت ولا زالت الجمعيّة العائليّة للأعمال الخيريّة لعائلة آل عمرو في المعيصرة بجهود حثيثة من أجل زيادة البناء على نفقتها وهو مؤجر من قبلها للوزارة. فبعد أن كان هذا البناء مؤلفاً من أربع غرف في الثمانينيات، أصبح ثماني غرف في بداية التسعينيات، ثم طابقين بخمس عشرة غرفة، وحالياً أربعة طوابق مع لحظ قاعات للمختبر والمعلوماتيّة والتكنولوجيا والرياضة والإحتفالات. بمساعدة مباشرة من المفتي الجعفري الممتاز العلّامة الشيخ عبد الأمير قبلان في أواخر عام 2000م . ومن المؤسسة الخيرية الإسلامية لأبناء جبيل وكسروان والأهالي.

بعد هذا العرض التاريخي، يمكن القول أن المدرسة الرسميّة في بلدة المعيصرة لم توضع على السكة الصحيحة إلا مع بداية التسعينيات حيث بدأ التلاميذ الّذين يتخرجون منها ابتداءً من هذه المرحلة وصاعداُ، يتابعون دراستهم في الجامعات وقد وصل بعضهم إلى مستويات عالية من جامعية أو تخصص بمجالات مختلفة كالطب والهندسة وغير ذلك. مع الإشارة إلى أن نسبة النجاح في الشهادات الثانوية وصلت في بعض السنوات إلى 100٪.

الصرح الثاني: مدرسة خاصة تحت اسم: ثانوية المعيصرة النموذجيّة الحديثة.

 وهي تابعة لجمعيّة الإمداد الخيريّة الإسلاميّة. مُستأجرة من وقف الطائفة الإسلاميّة الجعفريّة في المعيصرة رقم: 64 في منطقة المعيصرة العقاريّة. إفتتحت هذه المدرسة في العام الدراسي 1992ـ 1993 إبتداءً من العام 1992، بالتعاون مع صاحبي الفضيلة القاضي الشيخ الدكتور يوسف محمد عمرو والشيخ محمد حسين عمرو، صفوفها من الروضة حتى التاسع أساسي، تضمُّ قرابة: 215 تلميذاً، وهم يفدون إليها إضافة لبلدة المعيصرة من بلدتي زيتون والحصين المجاورتين، كذلك من قرى قضاء جبيل.

وقد إستحصلت هذه الثانوية على مرسوم جمهوريّ في: 11/11/1999م، أجيز به إفتتاح هذه الثانويّة لكافة المراحل الدراسيّة، تحت رقم:1644.

كذلك قام القاضي الشيخ يوسف محمد عمرو بتقديم خمسين ألف دولار أمريكي عن روح والديه إلى جمعية الإمداد الخيريّة الإسلاميّة الآنفة الذكر لإفتتاح قسم داخلي تابع لهذه الثانوية بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعيّة تحت إسم مركز الإمام عليّ بن أبي طالبQ، للتأهيل الإجتماعيّ. وهو يضمُّ بنايتين للذكور والإناث ويشغلهما أكثر من مائة تلميذ وتلميذة حيث كان إفتتاح البناية الأولى للعام الدراسي 2002 ـ 2003 في:18/11/2002م. والبناية الثانية في العام الدراسي 2009 ـ 2010م.

ومما يجدر ذكره أنّ هذه الثانوية تحقق نجاحاً جيداً في المستوى التعليميّ العام لطلابها ونجاحاً باهراً في الشهادة الرسميّة بنسبة 100٪.

كما توفر خدمات الإرشاد التربوي والمساعدة للطلاب الذين يعانون من مشكلات أو صعوبات تعليميّة. يقوم بمهمات التربيّة والتعليم مجموعة من المعلمين والمعلمات من ذوي الإختصاص والكفاءة.

الصرح الثالث: مدارس الليسيه الفرنسيّة

افتتحت ابتداء من العام 1993، صفوفها من الروضة وحتى الثالث ثانوي، بمختلف الفروع، تضم حوالى ألفي تلميذٍ غالبيتهم من خارج المنطقة، ومن نوعية إجتماعيّة خاصة ومميزة.

وفي الختام فإنّ الوضع التربوي والثقافي في بلدة المعيصرة يلحظ أعداداً لا بأس بها من حملة الإجازات والأطباء والمهندسين والمحامين والقضاة بمحاكم روحيّة وعلماء دين وأساتذة في التعليم الرسميّ والخاص. ويسجّل تاريخ البلدة التعطش للعلم والمعرفة والثقافة، ويظهر ذلك من اندفاعهم للعمل العام وإنشاء مؤسسات تربويّة وإجتماعيّة تساهم برفع مستواهم الثقافي والإجتماعيّ. وخير شاهد على ذلك ما قام به رئيس بلدية المعيصرة الحاج زهير نزيه عمرو بتقديم عقار رقم 620 من منطقة المعيصرة العقاريّة للمجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى ليشاد عليه فرع للجامعة الإسلاميّة والكائن قرب مدارس الليسيه الفرنسيّة.

1  ـ الموسوعة اللبنانيّة المصوّرة، للأستاذ طوني مفرّج، ج3، ص:338، الطبعة الأولى بيروت 1971م.

2  ـ الموسوعة النيابيّة في لبنان، للأستاذ فارس سعادة، ج1، من ص: 317 ولغاية ص: 325 بتصرف. الطبعة الأولى، بيروت ـ 1991م. قال القاضي عمرو في مذكراته: [ والصواب أنّ المرحوم علي حمود الحاج عمرو المعروف بعلي أفندي الحاج حمود عمرو قد حكم عليه جمال باشا السّفاح في المحكمة العرفيّة بعالية بالإعدام غيابياً سنة 1916 ولكنه إستطاع أن يتوارى عن عيون الدولة العثمانية حتى إنجلاء الحكم العثماني عن لبنان، وقد توفاه الله تعالى في منزله في المعيصرة ودفن في جبانة البلدة العامّة سنة 1931 تقريباً. التذكرة أو مذكرات قاضٍ ج1، ص: 117].

3  ـ المصدر نفسه، ص:108. كما أكدَّ ذلك القاضي يوسف عمرو في كتابه:التذكرة أو مذكرات قاضٍ ج1، ص:118.

4  ـ راجع كتاب:التذكرة أو مذكرات قاضٍ للقاضي عمرو، ج1، ص:118ـ 119. المؤسسة اللبنانيّة للإعلان ـ بيروت، الطبعة الأولى 2004م.