الأستاذ مُحمّد عليّ إبراهيم - قصة رجل شجاع

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

فوجئت بلاد جبيل وفتوح كسروان برحيل المربيّ الفاضل الأستاذ الحاج مُحمّد عليّ إبراهيم يوم الأحد في 12 أيلول 2010م، عن خمس وسبعين عاماً قضى منها أكثر من خمسين عاماً في التربيّة والتعليم، وفي خدمة النّاس.

وقد أُلقيت عدّة كلمات بالمناسبة منها الكلمة الإرتجاليّة المؤثرة التي ألقاها الدكتور صبحي مراد أثناء التشييع، وكلمة صديقه وزميله الأستاذ عليّ ضاهر المدير العام السابق للشؤون القانونيّة في رئاسة مجلس الوزراء في حفل تأبينه في حسينيّة البرجاوي جاءَ بها:[أيها المواسون الكرام... نعم هكذا كان نهج الفقيد في حياته، إخلاص ووفاء، وعلم وفير أهداه لكثير من الصحب والأصدقاء وعبَّد أمامهم طريق النجاح وتحقيق الأهداف الساميّة والوصول إلى المُبتغى وتسلّم المناصب المرموقة... أجل كان ينهل العلم ويزرعه في النفوس بكل أمل وإتقان، وفي سعيه الحثيث للعطاء، قدَّم لمعاصريه علمه لكثير من الّذين تفوقوا مع أبنائهم واكتسبوا الموهبة والنجاح في أعمالهم ومراكزهم ناهيك عن أولاد الفقيد الّذين يحملون شهادات عليا في الطب والهندسة.

وللعهد أقول أنَّ الفقيد كان مرجعاً في سلكي التعليم والإدارة، وكان موظفاً ناجحاً يقوم بمهام الوظيفة بكل إخلاص ومسؤوليّة ونظافة كف.

ومن أفضل الكلمات التي قيلت في الراحل الكبير كلمة إبن عمه، وإبن بلدته، وصديقه الأستاذ الفاضل الدكتور وفيق شهيد إبراهيم حيث قال تحت عنوان:

الأستاذ مُحمّد عليّ إبراهيم قصة رجل شجاع:

إستحقَّ بجدارة لقب أستاذ فهو من أوائل الشبان الشيعة في بلاد جبيل، الّذين حازوا في ستينات القرن المنصرم على إجازات جامعيّة. فطغى اللقب على الإسم ولازمه حتى مماته. وحين رزقه الله بحسّان أصبح لقبه الأستاذ أبو حسّان ولهذا الإنجاز معركة كبرى مع الحياة.

بدأت مع والده المرحوم الحاج عليّ خضر إبراهيم الّذي إرتحل عن قريته حجولا وهو حدثُ، كحال معظم أبناء قريته، وذلك بحثاً عن ظروف طبيعيّة للعيش، واغترب إلى أميركا لكن الحنين الدفين لجم إندفاعته وأعاده إلى لبنان زاول ما يجيده القرويُّون من كارات متواضعة وبسيطة.

عاشت عائلة الحاج عليّ في إكتفاء منحاز إلى الفقر، وصابر على ضروس الحياة بعائلة مكونة من البكر الحاج حسين أبي عليّ المجاهد إلى جانب والده منذ نعومة أظافره ورهط من الفتيات.

وكل هؤلاء صمدوا وتعاونوا على توفير مقومات الأستذة لمُحمّد. وهو بدوره لم يتوان عن بذل ما إمتلكه من طاقات وجهد وعرق وصمود حتى أفلح في كل مراحل التعليم واختتمها بإجازتين إثنتين في الحقوق والإقتصاد.

وبذلك خالف الأستاذ ما هو مأثور ومشتهى في شباب عائلته وجيله الّذين كانوا يهتمون بتنميّة مكامن القوة في أجسامهم وعضلاتهم للإنخراط في صراع القوة ولعبة العنف، أمّا الأستاذ فآثر تطوير العقل لخدمة التطور.

لم يصبهُ العلمُ بغرور. فتمسك بتواضع المتقشفين مُصِّراً على التعامل مع كل فئات النّاس بحسِّ الإنتماء إليهم، غير مُفرق بين كبير وصغير وفقير وغني. وإعتاد الإستماع إليهم بمودة الحكيم وزيارتهم لتفقد أحوالهم.

ولحسن الحظ فإنَّ أبا حسّان، كان يخصنا بالكثير من الزيارات الأسبوعيّة لعلاقات مودةٍ وإحترام ربطته بوالدنا المرحوم شهيد موسى إبراهيم الّذي زاول العمل العام ستين عاماً على الأقل. وأحبَّ الأستاذ كواحد من أبنائه، لِما وجَدهُ فيه من رجاحة عقل وحكمة.

لذلك، نشأ بيننا حوارٌ مفتوح تجاوز إطار القُربى، والنسب، ليحقق إنسجاماً باهراً إستولد بدوره قواسم مشتركة في أمور الأهل والقرية والمدينة والسياسة.

وكان الحاج أبي حسّان الّذي شجعنا على الإرتقاء العلميّ خلوقاً متواضعاً، دمثاً لطيف المعشر وحليماً يعتنق مكارم الأخلاق ولم يسمع أحد عنه يوماً أي شائبة من أي مستوى. أحبَّ النّاس وخدمهم بحدود إمكاناته وأحبوه من دون البحث عن مقابل.

ولكثرة تهذيبه ظنَّ أنه يبالغ في حياديته. لكنها طريقة لا يجيدها إلا المتعلمون والمؤمنون. الّذين يتسامحون مع الآخرين لسعة صدورهم ووسع عقولهم وكان الأستاذ من هذه الفئة. يتسامح من غير وهن  ويتشدد من دون إرهاب.

وحباه الله بزوجة فاضلة، إمتهنت التعليم وتعاونت معه بإنسجام كامل على ثلاثة مستويات:

- إنتاج عائلة متعلمة قوامها ثلاثة مهندسين وطبيبان.

- ترسيخ قيم الدين فيها إلى جانب العلم.

- تدعيم أواصر القربى مع عائلة الأب ومحيطه وعائلة الأم ومحيطها.

ونجح المشروع كما أراده الأستاذ  والمعلمة: أسرة ناجحة تربط الدين والعلم بعقل معاصر غير أسطوريّ.

وبعد مرض طويل أقعد الأستاذ سنوات عديدة في الفراش إنتقل إلى جوار ربّهُ مُتيقناً من قدرات عائلته التي أورثها خصاله، ومتأكداً أنها ستؤدي في المستقبل القريب أدواراً على مستوى المنطقة والبلاد.

إرتحل أبو حسّان إلى الآخرة قرير العين يحملُ في صفحات حياته ما يدخله في جنات المؤمنين كرجل شجاع آمن بقوة العقل والكلمة.

ولأنّه مؤمن فقد صارع المرض مُعتمداً على الزوجة الصابرة والأبناء الأوفياء الّذين عاملوه بخفض جناح الذل من الرحمة كما جاء في القرآن الكريم.

وأخيراً لا يسعنا يا ابن العم إلا أن نطلب لك المزيد من الرحمة مع أهلنا وإلى جانب المجاهدين والعلماء لأنَّ الأستاذ مُحمّد كان، ويشهد الله واحداً من هؤلاء.