الشيخ علي شمص والهجرة إلى الشرق

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أ ـ الهجرة إلى الشرق:

 يخطأ من يظن أن هجرات اللبنانيين أواخر أيام الدولة العثمانيّة كانت إلى القارة الأمريكيّة في البدء، ومن ثُمَّ إلى القارة الأفريقيّة بواسطة الفرنسيين ثانياً، وأخيراً وفي المنتصف الأخير من القرن العشرين كانت إلى أستراليا، وأوروبا ودول الخليج النفطيّة، متناسين هجرة اللبنانيين إلى سوريا، والعراق، وإيران، ومصر، وسائر بلاد الشرق عبر التأريخ.

ولعلّ بداية هذه الهجرات اللبنانيّة وأكبرها كانت هجرة قسم من العائلات الدرزيّة في جبال الشوف إلى منطقة حوران السوريّة في القرن الثامن عشر الميلادي أيام حكم الأمراء الشهابيين لجبل لبنان.

ثُمَّ هجرة أخرى كانت لقسم من العائلات الشيعيّة ولكبار العلماء في تلك الأيام من جبل عامل إلى العراق، وإيران بعد أن عصفت جنود أحمد باشا الجزار والي عكا بجنوب لبنان عام 1195هـ الموافق لعام 1780م.

وهجرة قسم من العائلات المارونيّة إلى مصر أواخر القرن التاسع عشر الميلاديّ وأوائل القرن العشرين.

وهجرة عائلات شيعيّة كثيرة من جبل عامل، والبقاع، وجبل لبنان إلى دمشق، وحوران، وحمص في سوريا في أواخر القرن التاسع عشر الميلاديّ، وأثناء الحرب العالميّة الأولى.

وحكاية فضيلة الشيخ علي إبراهيم شمص التي سوف يحكيها لنا حفيده الحاج الأستاذ محسن الأمين حيدر شمص أمين صندوق بلديّة مشّان ـ قضاء جبيل، هي حكاية رجل مؤمن هاجر من بلدته مشّان إلى مدينة جبيل ومن ثُمَّ إلى قرية شعث البقاعيّة ومن ثُمَّ إلى مدينة دمشق أيام الحرب العالميّة الأولى لطلب الرزق الحلال، وعن كيفيّة إستيطانه لدمشق وتأسيسه لأسرة كبيرة ومحترمة، وكيف وفقه الله تعالى، لطلب العلم والتتلمذ على يديّ أحد علماء دمشق وهو فضيلة الشيخ مصطفى المسكي وإقترانه بكريمته الحاجة سكينة. وتأسيسه برعاية وإشراف آية الله السيّد حسين مكي العامليّ، لمركز الإمام زين العابدين (ع) في حي من أحياءِ جبل قاسيون حتى أصبح هذا الحيّ في محافظة دمشق معروفاً بإسم حيّ الإمام زين العابدين(ع) تيمناً بوجود هذا المركز المبارك به.

والذي يسترعي الإنتباه في ما تقدم من كلام هو، محافظة المرحوم الشيخ علي شمص مع أولاده وأحفاده على جنسيتهم اللبنانيّة، وعلى صلة الرحم والموّدة مع أقاربهم في قرية مشّان، وعلى مشاركتهم لإرحامهم في السراءِ والضراءِ، وعلى أرزاقهم، وبيوتهم في مشّان، وفي ضاحية بيروت الجنوبيّة.

ب ـ مع الأستاذ الحاج محسن الأمين حيدر شمص:

الأستاذ الحاج محسن الأمين حيدر شمص حفيد فضيلة الشيخ علي شمص من الشباب المؤمن المثقف في بلدة مشّان الجبيليّة، والمعروف بحبّه لله تعالى، ولبلدته مشّان، وللبنان، قد إختاره الأهالي أميناً لصندوق البلديّة، ثقة بكفاءته وأمانته، توجه إليه رئيس تحرير هذه المجلة بالسؤال عن المرحوم جدّه طالباً منه إعطاء نبذة مُختصره عنه، وقد أفادنا بما يلي: إنَّ المرحوم جدّي هو فضيلة الشيخ علي بن إبراهيم بن أحمد من آل شمص، من مواليد قرية مشّان ـ قضاء جبيل سنة 1882م، حيث ترَّبى وترعرع فيها وتعلّم بها القرآن الكريم وأنصرف للعمل على النحو المتعارف في تلك الأيام في الزراعة وغيرها لمساعدة والديه بصفته الأكبر سناً في أُسرته، كما قد تزوج في مشّان وأنجب ولدين ونتيجة للظروف الصعبة، والمجاعة والجراد الذي إنتشر في جبل لبنان، أيام الحرب العالميّة الأولى نزح إلى مدينة جبيل للعمل قرب شقيقه حسين الذي كان قد سبقه إليها للعمل في مصلحة التلغراف العثمانيّة، ومن ثُمّ إنتقل بعد ذلك بمدّة شقيقه للعمل في تلك المصلحة في دمشق، وأمّا جدّنا الشيخ عليّ فقد إنتقل مع والده وأسرته إلى قرية شعث في قضاء بعلبك وبقيّ فيها مدّة للعمل والإرتزاق، ونتيجة للأمراض والمجاعة التي إنتشرت في تلك الآيام فقد توفيّ والده وزوجته وولداه في شعث. ممّا دفع جدّنا(ع) للإنتقال سيراً على الأقدام إلى مدينة دمشق حيث وصلها أواخر سنة 1917م، أيام دخول الإستعمار الفرنسي والحلفاء لدمشق، وقد إستقرَّ في منطقة الصالحيّة في مدينة دمشق.

وأثناء إقامته في دمشق تعرّف على فضيلة الشيخ مصطفى المسكي( وهو من السادة العباسيين) وتتلمذ عليه.

والشيخ المسكيّ الآنف الذكر كان من المشهود لهم بالتقوى والفضيلة وكان من قراء العزاء المعروفين في دمشق، ومن تلامذة الإمام السيّد محسن الأمين الحسينيّ العامليّ.

ونتيجة لثقة الشيخ مصطفى بالمرحوم جدّنا فقد زوجه بجدتنا المرحومة الحاجة سكينة وأنجب منها تسعة أبناء وإبنتين وهم:

1)الحاج مُحمّد سعيد وهو: (مُعلّم بناء).

2)الحاج حيدر وهو: (تاجر أقمشة).

3)الحاج حسّان وهو: (أستاذ في تجويد القرآن الكريم، وتاجر أقمشة).

4)الحاج عبد الكريم وهو: ( بطل لبنان وسوريا سنة 1975 في المصارعة الرومانيّة، ويعمل أيضاً في التجارة الحرّة).

5)الحاج مصطفى وهو: (متقاعد وكان يشغل وظيفة معاون أوّل في سلك الدرك اللبنانيّ).

6)الحاج جواد وهو: (يعمل في التجارة الحرّة، والصيرفة).

7)الحاج حسين وهو: (موظف في السفارة الإيرانيّة في دمشق).

8)الحاج عدنان: ( موظف في شركة للنقل السياحيّ في دمشق).

9)الحاج يوسف وهو: ( يعمل في التجارة الحرّة).

10)الحاجة زينب وهي: (أرملة المرحوم المحامي علي شمص).

11)الحاجة مريم وهي: ( زوجة الحاج محمد حسن المسكي، وهو موظف متقاعد).

ج ـ من إنجازاته:

كان المرحوم جدّنا مشهور بأمانته وإيمانه، وتقواه، وطهارته، ومن أصحاب الكرامات، وكان موضع ثقة للمقدس المرحوم آية الله السيّد حسين يوسف مكيّ، وللعلاّمة السيّد محمّد رشيد مرتضى.

وقد كرَّس قسماً كبيراً من عُمره في دمشق لبناء حسينيّة ومسجد بإسم الإمام زين العابدين(ع)، في منطقة جبل قاسيون وذلك بإشراف ورعاية المُقدس المرحوم السيّد مكيّ، بالتعاون مع المحسنين الكرام حيث أصبح هذا المركز علماً على ذلك الحيّ الذي دُعي بإسم زين العابدين (ع).

وقد إضطر، للإقتراض ورهن منزله في ذلك الحيّ لإتمام الأعمال في المسجد والحسينيّة الآنفيّ الذكر. وقد منَّ الله تعالى عليه في أواخر حياته بفكاك رهن منزله، وللوفاء بذلك القرض، كما وفقه الله تعالى لتأديّة العمرة والحج في حياته ثلاث مرات، كما كان يواظب على رفع الآذان طوال حياته في دمشق ومن على سطح منزله في حيّ الإمام زين العابدين (ع)، ومن خلال ذلك المسجد الذي وفقه الله تعالى لبنائه بالتعاون مع المحسنين الكرام.كما ترك، أُسرةً مؤمنة، وملتزمة بالتقوى، والطهارة من الأبناء والأحفاد سالكين طريقه المستقيم في الحياة.

ومن أبرز هؤلاء حفيده فضيلة الشيخ حسين إبن الحاج مصطفى إبن الشيخ علي شمص رئيس المؤسسة الخيريّة الإسلاميّة لإبناء جبيل وكسروان، وإمام بلدة مشّان وحفيده الآخر فضيلة الشيخ حسن بن حسّان إبن الحاج حسن إبن الشيخ علي شمص وهو قارئ عزاء، ومن طلبة العلوم الدينيّة في حوزة الإمام الخمينيّ ، في منطقة السيّدة زينب (ع) ـ دمشق.

لقد ترك الأثر الطيب في نفوس معارفه، وأصدقائه، ومريديه، وأرحامه، ولا زال أولئك يذكرونه بالخير ويتكلّمون عن كراماته ومناقبه وسمو أخلاقه الصالحة التي جعلته قدوة للمؤمنين.

إنتقل جدّنا إلى جوار الله تعالى في عام 1980م، حيث صُليَّ عليه، ودفن في روضة الإمام زين العابدين في منطقة جبل قاسيون في محافظة دمشق، عن عُمر قارب المائة عام.

حوار مع محسن الأمين شمص(هيئة التحرير)