مجتمع اليوم يعيش أزمة قيم واخلاق

24/5/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

محمد علي رضى عمرو

لا بد من الاعتراف أن مجتمعاتنا تعيش اليوم أزمة حقيقية على مستوى القيم والاخلاق، حيث أصبح الانسان الطيب يوصف بالعبيط، والمتسامح بالضعيف، والشهم بالمندفع، والمتحمس بالمتهور، والمتملق بالذكيّ، والكذاب باللبق، والمرتشي بالشاطر.

وبذلك تحول ميزان القيم في المجتمع، الأبيض الى أسود، والأسود الى أبيض، أما الخطوط الفاصلة بين الخير والشر، فاصبحت وجهة نظر، حتى أصبح الانسان الذي يتحلى بالقيم والاخلاق متهماً بأنه( موضة قديمة). وباتت القيم الجديدة كالأنانية والوصولية والمحسوبية، قناعة راسخة لدى البعض ان لا علاقة تربطه بمجتمعه، وان مصلحته الخاصة فوق كل ذي إعتبار.

إنَّ القيم والاخلاق لا تحصر بجغرافيا أو تاريخ، ولا تعترف بوراثة، إنما هي مكتسبة ومعرضة للزوال، ان لم يتم الحفاظ عليه ونقلها من جيل الى جيل. لذا فإنَّ علينا مسؤولية الحفاظ على هذا الارث الحضاري ونقله الى أجيال الشباب، وذلك بالحفاظ على هويتنا حتى تستمر عملية التنمية والتطوير.

إنَّ ما يحدث اليوم في مجتمعنا أصبح يطرح اكثر من علامة استفهام، حيث لا بُدَّ من تناول بعض النماذج التي نعيشها:

النموذج الأوّل: لشخص صادق يتحدث بعفوية ولا يزيف الحقائق، فيصبغها بغير لونها، يُصرِّح بما يملك ويعلن عما لا يملك بدون خجل، لا يرى داعياً للتحلي بالمظاهر الكاذبة، يظهر أمام الجميع كصفحة واضحة دون خداع، ورغم ذلك اشتهر بين الناس بالسذاجة والعبط.

النموذج الثاني: لانسان هادىء، راضي النفس، يتسامح بطيبة خاطر، لا يفتعل المشكلات، ويتجنب مضايقة الآخرين، ينعم بخصوصيته، والنتيجة من حوله أنه يتصّف بالضعف.

النموذج الثالث: لرجل ذي نخوة يتمسك بالتقاليد ويحترم الآخر، ويحافظ بشدة على القيم ويطبقها على أسرته، فيشير إليه الجميع نحوه معلنين رأيهم فيه كمتخلف ورجعيّ.

 أمام هذه النماذج يبقى السؤال لماذا تغيرت نظرتنا للامور من حولنا، والى أي مدى غزا هذا التغير عقولنا وسكنت هذه النظرة أعيننا.

البعض يرى اننا لم نصل بعد الى أن نعتبر هذه النماذج وغيرها نماذج غير صالحة، ولكننا نراها فقط كنماذج لا نحتاج اليها، أو غير متناسبة مع عصرنا الحالي، الذي يتطلب الكثير من التزييف والمجاملة لتسيير الامور بعيدا عن الصراحة الصادقة.

في حين ان البعض الآخر يرى أن قسوة الحياة، لا تصلح معها الشخصيات المتسامحة الهادئة، بل الشخصيات التي تملك الشجاعة أحيانا، حتى يتمكن الفرد أن يظفر بحقه من بين أنياب الجميع، لذلك أصبح الكثيرون يرون ان الّذين يتمتعون بالصفات الطيبة لا يستطيعون الحصول على حقوقهم.

أمّا أصحاب الرأي الثالث فيؤكدون على ضرورة التمسك بالاخلاق والقيم والعمل على نشرها بين الناس حتى لا تنقرض، لأنّه اذا تخلينا عنها جميعا فسيتحول مجتمعنا الى غابة لا يمكن للبشر العيش فيها.

وأمام هذا الاختلاف بوجهات النظر فهناك من يؤكد على أنَّه يجب على الانسان ان يدافع عما يؤمن به من مبادىء وقيم واخلاق، مهما واجهته الظروف المعاكسة او الضغوط القاتلة. وان مسايرة الظروف والتنازل عن قيمه واخلاقياته، جريمة كبرى يدفع ثمنها الفرد قبل المجتمع.

الخبراء في علم الاجتماع قالوا ان اعتبار القيم الايجابية صفات سلبية، اصبحت نظرة متواجدة لدى البعض، وهذا يعدُّ مؤشرا على انقلاب المعايير وعلى تدهور الهرم القيمي وهبوط في عد تنازلي، وهذا يعود الى التقدم والتطور ومواكبة العصر كما يزعم البعض، انما الحقيقة هو نتاج للفوضى والانهيارات في جدران المجتمع في كافة جوانبه.

أمّا الخبراء في علم النفس فيقولون أن النفس البشرية تستطيع أن تتعامل مع كل المتغيرات التي تمكنها من التكيف مع  الظروف أياً كانت هذه الظروف والمتغيرات.

أمّا السبب الحقيقي من وراء انتشار التقييم السلبي للقيم والصفات الجيدة فهو تسيد القوة الزائفة، والنماذج السيئة التي تجد رواجاً لوجودها وتحتل وصفا اجتماعياً بارزاً في المجتمع وتكسب الشهرة وتحتل المراكز العالية.

وأمام هذا الواقع المأساوي فنحن بحاجة الى ثورة في مفاهيمنا الاخلاقية تعيدنا الى الانسان والمجتمع والتاريخ، لان الغاية المنشودة لكل تطورنا التاريخي والحضاري والانساني هي ان الانسان من حقه ان يكون حراً سيداً مستقلاً، لا مغلوباً على أمره.

ان ما تعانيه البشرية من ازمات على مستوى الفرد والمجتمع وما نعانيه من تفكك وانحدار إنما هو بسبب الجهل الذي هو نتيجة حتمية للمصائب التي حلّت بنا. والمسؤولية هنا يتحملها الجميع دون استثناء. لهذا لا بد من التمسك بقيمنا كالصدق والأمانة والوفاء والعدل والاخلاص وغيرها من القيم التي تنظم العلاقة بين الفرد وغيره، وبقدر ما يتأدب ويتحلى الفرد بهذه القيم تزداد ثقة الناس به، وتجعله دائم الاحساس بالرضى والاطمئنان.

ان دعوتنا الى الثورة تشمل الحياة كلها بمرافقها وانظمتها وقوانينها وما الى ذلك حتى تبنى على أسس جديدة لا تناقض فيها، عند ذلك يمكن لواقعنا ان يستقيم على العدالة والمساواة والتضامن والتضحية. 

 وأخيرا نقول لكل من يحمل قلباً طيباً ما زال متمسكا بقيمه وأخلاقه لا تحزن فأنت ما زلت أفضل منهم والتاريخ لم يرحم لا كاذبا، ولا مستبداً، والحق يعلو ولا يعلى عليه مهما طال الزمان.

وذلك مصداقاً لقول الله تعالى:

}أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ { سورة يونس، آية:35.

وقوله تعالى:

}وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} سورة آل عمران، آية:133ـ 134.