من كلمات أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب في نهج البلاغة

24/5/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الكلمة رقم: 105) وَعَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ:» رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِهِ فَنَظَرَ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لِي « يَا نَوْفُ: أَرَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ؟» فَقُلْتُ:» بَلْ رَامِقٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ»، قَالَ:» يَا نَوْفُ» طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي الآخِرَةِ، أُولئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الأَرْضَ بِسَاطاً، وَتُرَابَهَا فِرَاشاً، وَمَاءَهَا طِيباً، وَالْقُرْآنَ شِعَاراً، وَالدُّعاءَ دِثَاراً، ثُمَّ قَرَضُوا الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ.

يَا نَوْفُ! إِنَّ دَاوُودَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَامَ فِي مِثْلِ هذِهِ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ لاَ يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً، أَوْ عَرِيفاً، أَوْ شُرْطِيّاً، أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ (وَهِيَ الطُّنْبُورُ)، أَوْ صَاحِبَ كُوبَةٍ.

قَالَ الرَّضِي:(وَهِي الطَّبْلُ) وَقَدْ قِيلَ أَيْضاً: إِنَّ الْعَرْطَبَةَ: الطَّبْلُ، وَالْكُوبَةَ: الطُّنْبُورُ.

قال الإمام الشيخ مُحمّد عبده في شرح هذه الكلمات: 1) أراد بالرامق: منتبه العين في مقابلة الراقد: بمعنى النائم، يقال رمقه إذا لحظه لحظاً خفيفاً.

2) شِعاراً يقرأونه سراً للإعتبار بمواعظه والتفكر في دقائقه. والدعاء دثاراً يجهرون به إظهاراً للذلة والخضوع لله. وأصل الشِعار: ما يلي البدن من الثياب. والدِثار: ما علا منها. وقرضوا الدنيا: مزقوها كما يمزق الثوب بالمقراض على طريقة المسيح في الزهادة.

3) العشّار من يتولى أخذ أعشار الأموال وهو المكّاس. والعريف من يتجسس على أحوال النّاس وأسرارهم فيكشفها لأميرهم مثلاً. والشرطي ـ بضم السكون ـ نسبة إلى الشرطي واحده الشرط كرطب وهم أعوان الحاكم.

فأمير المؤمنينQ، في هذه الكلمات يحثُّ المسلمين على التهجد والدعاء والصلاة في الليل لأنَّه عندما تنام العيون يخلو الحبيب إلى حبيبه، والخليل إلى خليله. حتى يكون حُبَّ الله تعالى والثقة به والتوكل عليه والإلتجاءُ إليه وحده لا شريك له دون سواه وبالتالي لا يكون في قلب المؤمن شيءٌ من حبِّ الدُنيا وزينتها. مصداقاً لقول الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) سورة الأنفال، آية:24.

والذي يحول بين قلب المؤمن والله تعالى، هو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وخدمته للحاكم الظالم وللدولة الظالمة حيث يكون سوطاً وسيفاً لها أو يكون جابياً لأموال النّاس بالقهر والغلبة لمصلحة تلك الدولة أو يكون جاسوساً وَمُخبراً لها.

وحياة قلب المُسلم تكون بالتزامه لآداب وأخلاق القرآن الكريم في السلوك والعمل. وخير مثال على ذلك سيرة السيد المسيحQ، حيث قال عنه أمير المؤمنينQ، في بعض خطبه في نهج البلاغة وعن زهدهQ، في الدُنيا واعراضه عن زينتها من زواج وأولاد ومال ومتاع وطعام أو أي منصب من مناصبها:» وإن شئت قلت في عيسى بن مريمQ، فلقد كان يتوسّدُ الحجر، وَيلبسُ الخشن، ويَأكلُ الجشب، وكان إِدامهُ الجوع، وسراجه بالليل القمر، وَظِلالُه في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض...، ولم تكن له زوجةٌ تُفتنَه، ولاَ ولدٌ يُحزُنهُ، ولا مَالٌ يلفته، ولا طمع يذلُّه،...(1)».