التأثيرات السلبيّة للمبيدات الزراعيّة

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إنّ أهم معوقات الإنتاج الزراعيّ في لبنان والمنطقة هي، الآفات الزراعيّة سواء كانت حشرات، عناكباً، ديداناً ثعبانيّة، أمراضاً نباتيّة، أعشاباً ضارة وغيرها.

ومعظم الدراسات تشير إلى أنّ الخسائر التي تسببها الآفات تتراوح ما بين 20ـ70٪ وذلك حسب نوع المحصول والمنطقة المزروعة، يضاف إلى ذلك ما نسبته 15 ـ 25٪ في مرحلة الحصاد أو بعده، فعلى سبيل المثال يمكن لحشرة السونة  EURYGASTER INTERGRICEPS أن تخفض بحدود 90٪ من إنتاج القمح في العراق وسوريا.

أمام هذه المخاطر الجديّة إستخدم الإنسان العديد من الطرق والوسائل للتخلص من إضرارها، ومن أهم الوسائل الحديثة وهي الأكثر أهميّة من الناحيّة الإقتصاديّة هي التوصل إلى إيجاد أصناف مقاومة لتلك الآفات، وعلى سبيل المثال إيجاد الأصول المقاومة للإصابة بحشرة الفيللوكسيرا، وهي الآفة الخطرة التي كادت أن تؤدي إلى إنقراض الكرمة في العالم(41 ب الأمريكي) كما إستخدم الإنسان طرقاً عديدة مثل فلاحة التربة حتى يعّرض الأطوار الحشريّة للعوامل الجويّة والطيور، حدد مواعيد الزرع وإستعمال الدورات الزراعيّة وغيرها.

ولكن مع التطور العلميّ وبالتحديد تطور صناعة الكيمياء في بداية النصف الثانيّ من هذا القرن، أصبحت المكافحة بالمبيدات الزراعيّة ضد الآفات الزراعية من أكثر الطرق شيوعاً في العالم وبالتحديد في العالم الثالث الذي نحن جزء منه.

وإننا الآن نشاهد الآف المستحضرات التجاريّة التي يدخل في تركيبها المئات من المواد الفعالة.

إنّ فعاليّة هذه المواد الكيماوية وسرعة تأثيرها وسهولة إستعمالها والإمكانيات الماديّة والصناعيّة الممنوحة لها ساعدت على نجاح إستخدامها وإنتشارها في بلادنا حتى أصبحت أحد معايير التقدم عندنا، وبدت لدى الكثيرين أنّها المنقذ الأوحد لكوارث الآفات الزراعيّة.

أمّا على مستوى البلدان العربيّة فقد تطور إستخدام المبيدات في إتجاه مواز للتطور العالميّ لصناعتها، فبدأ بإستخدام المُبيدات غير العضويّة، ثُم إتجه إلى نتائج تقطير البترول والمدخنات، والمشتقات النباتيّة وكذلك إستخدمت مجموعات المركبات العضويّة المحضرة صناعيّاً والتي بدأت بالنسبة للمبيدات الحشريّة بالهيدروكربونات الكلورة وفي مقدمتها الـ. ددت واللندين، والتوكسافين، والأندرين، والأندوسلفان.

ولكن الآثار الضارة جداً لهذه المواد كالتسمّم السرطانيّ، وتشوه الأجنّة وغيرها، شجعت على إستخدام المركبات الفوسفوريّة العضويّة بأقسامها، فمركبات الكربونات، وأخيراً مشتقات البيريرويدات المحضرة صناعياً والتي تتميز بالفاعليّة، وتتكرر الصورة نفسها بالنسبة لمجموعات المبيدات الفطريّة والبكتيريّة ومبيدات الأعشاب الضارة.

وقد تطور إستهلاك المبيدات في المنطقة تطوراً سريعاً خلال الفترة الأخيرة، وكان للمبيدات الحشريّة القسط الأكبر من ميزانيّة مشتريات المبيدات التي تستورد كلها من الخارج في صورة تامّة التجهيز، وتفيد الإحصاءات بأنّ ثمن المُبيدات المُستوردة إلى الدول العربيّة في سنة 1981 بلغت 318 مليون دولار، بينما بلغ ثمن الأسمدة الأزوتيّة وغيرها في نفس العام 296 مليون دولار.

ومن خلال دراسة قام بها بيت الخبرة الإنكليزي ATKINS بقصد معرفة التوقع المستقبليّ لإحتياجات الدول العربيّة من المُبيدات بأنواعها المختلفة، تُبيّن أنّ الكميّة المتوقع إستعمالها عام 1990 تقدر حوالي/92000/ طن من المواد التّامة التجهيز والتي تحتوي على حوالي 30 ألف طن من المواد الفعالة، ويقدر ثمن هذه المُبيدات والتي ما تزال حتى الآن تستورد سنوياً بحوالي المليار دولار أمريكي، وهذا الرقم يوازي عشر تجارة المُبيدات في العالم، مع العلم أنّ هذا التقرير لا يشمل مبيدات القوارض والقواقع والطيور وكذلك مبيدات تعقيم البذور والمخازن.

من هنا نشاهد الإنتشار الواسع لهذه المواد الكيماويّة حيث دخلت إلى كل بقعة زراعيّة وإلى كل بيت... والحقيقة أن موضوعنا ليس القيمة الذاتيّة للمكافحة الكيماويّة، لأنّ كل مزارع يعرف كم هو مدين إلى تقدم  البحوث في مجال الكيمياء الزراعيّة خاصة إذا ما إزداد خطر الآفة إلى مستوى يصعب عليه إيقافها بطرق أخرى.

ولكن من ناحية ثانيّة بفضل تطور طرق التحليل الكيميائي وجدنا أنفسنا نعيش في بيئة أصبح فيها وجود الرواسب الكيماويّة السّامة أمراً عادياً حيث وصلت في كثير من الأحيان إلى مستويات خطرة جداً، ومن هنا كان لا بُدَّ من وقفة شجاعة خاصة وأنّه قد تنشأ عن إستخدام المُبيدات العديد من المضار، بحيث تتجاوز الفوائد المرجوة منها، وهو ما نسميه التأثيرات السلبيّة للمُبيدات على الإنسان والحيوان والنبات، والبيئة، ولقد أثار هذا الموضوع إهتمام الكثير من المختصين بالعلوم الزراعيّة، والصحيّة، والبيئيّة، نظراً لما تسببه المُبيدات من متاعب.

أهم الإشكالات التي ترافق إستخدام المُبيدات:

إنّ الإشكالات في إستخدام المُبيدات في دولنا الناميّة نتج عنها نتائج مأساويّة وسبب ذلك يعود إلى عدم وجود التخطيط الزراعيّ الشامل، يمكن حصر ذلك في ملاحظتين أساسيتين.

1)        غياب الأبحاث العلميّة الزراعيّة أو عجز الأبحاث العلميّة المخبريّة والحقليّة عن تشخيص التطور المتكامل للآفة بحيث يسمح ذلك لإيجاد الحل الجذريّ للوقاية من الآفة.

2)        عدم وجود الوعي الزراعيّ لدى نسبة كبيرة من المزارعين، الأمر الذي أدى إلى فتح طريق واسعة أمام التاجر الذي تحوّل إلى عنصر مؤثر في وضع برامج المكافحة فهو أصبح يشخص الإصابة ويصف الدواء ويبيعه ويحقق مبتغاه من الربح.

والحقيقة إذا ما نظرنا إلى مقومات حياتنا وهي الشمس والماء والتربة والهواء لوجدنا أنّها جميعاً يمكن أن تتلوث بالمُبيدات، وإن بكميات متفاوتة (ع)ما عدا الشمس طبعاً لأنّهم لم يتمكنوا من الوصول إليها حتى الآن.

يمكن بشكل عام حصر الآثار السلبيّة للمُبيدات الزراعيّة بإتجاهين أساسيين.

الأوّل: حدوث تغيير في النظام البيئي الزراعيّ، أي حدوث إختلال في التوازن الطبيعيّ للكائنات الحيّة وبالتاليّ خلل في برامج مكافحة الآفات الزراعيّة.

الثانيّ: المشاكل الصحيّة على الإنسان، والحيوان، والنبات.

الإتجاه الأوّل:

أهم الإشكالات التي خلفها الإستعمال العشوائيّ للمُبيد الزراعيّ.

1ـ ظهور سلالات من الآفات مقاومة لتأثير المُبيد.

هناك تفاوت تتأثر به الآفات بالمواد الكيماويّة السّامة حسب التركيب الوراثيّ للآفة ومدى وجود صفة المقاومة للمادة السّامة بشكل عام لدى الحشرات.

لذلك، فإنَّ تتابع تعرّض السلالات لمُبيد معين سيحدث ضغطاً إنتخابياً للأفراد التي تتمتع بصفة المقاومة في تركيبها الوراثيّ.

ومن هذه الأفراد التي تنجو من تأثير المادة السّامة تنشأ الأجيال التاليّة التي تتركز فيها صفة المقاومة لتأثير المُبيد وهذه لم يعد مُمكناً إتقاء ضررها بإستخدام هذا المُبيد وما يشابهه من المُبيدات الأخرى.

وأهم مثال على ذلك آفات القطن. حيث بلغت درجة إستخدام المُبيد رشة كل ثلاثة أيام وبتركيز أعلى من المسموح، ولكن دون جدوى وهذا يؤدي إلى وقوع كارثة بسبب إكتساب الآفة مقاومة لكل المُبيدات المتاحة، وكان نتيجة ذلك عدم زرع المحصول الرئيسي الذي تهاجمه الآفة المقاومة في منطقة الساحل وفي غرب أفريقيا وفي المكسيك. وبعض دول أميركا اللاتينيّة وكذلك عندما إكتسبت دودة اللوز الأمريكيّة صفة المقاومة لكل المُبيدات الفوسفوريّة في أواخر الستينات وأوائل السبعينات وأدى ذلك إلى إيقاف زراعة القطن.

أمّا في لبنان فإنَّ معظم الحشرات التي تصيب النباتات إكتسبت صفة المقاومة مثلاً: الحشرات القشريّة التي تصيب الحمضيات بالرغم من أنّ الرش يكون كل أسبوع وبالرغم من تغيير المُبيد نرى أنّ الحشرات يزيد أعدادها، وهذا أدى إلى كسب السلالة صفة المقاومة وكذلك أدى إستعمال المُبيدات إلى قتل الأعداء الطبيعيّة.

ومن هنا نرى أنّ العدو الطبيعيّ لحشرة النشمة السوداء. CHRYSOMPHALIS AONIDUM

العدو الطبيعيّ المسمى:1. CHILOCORUS LIPUSTULATUS

CHRYSOPA VULGARis.2     

APHELINUS CHRYSOMPHALI.3

وغيرها من الأعداء الطبيعيّة لهذه الحشرة، أصبح لا وجود لها.

كذلك الأمر ينطبق على إعداء النشمة الحمراء AONIDIELLA AURANTI

مثل العدو الطبيعيّ المسمى: APHYTIS CHRYSOMPHALI

من هذه النماذج الموجودة على الأرض في معظم الزراعات اللبنانيّة نرى أنّ الإختلال في التوازن الطبيعيّ أصبح مخيفاً، مع العلم أنّ زراعة الحمضيات في منطقة اللاذقيّة في سوريا لا يستعمل أي صنفٍ من المُبيدات الزراعيّة، ونرى أنّ البساتين نظيفة من الإصابة بالحشرات القشريّة لأنّ العدو الطبيعيّ يقوم بدوره على أتم وجه.

 

المهندس عدنان كاظم عَمرو أستاذ في المعهد الزراعيّ ـ الفنار.